يناقش مجلسا الشعب والشوري خلال الأيام المقبلة، مشروع قانون جديد أعدته الحكومة وأرسلته للمجلسين، بعد أن وقعه الرئيس مبارك في 28 نوفمبر الماضي، تحت عنوان " الحفاظ علي حرمة أماكن العبادة" يشتمل علي 4 مواد: المادة الأولي: " حظر تنظيم المظاهرات لأي سبب داخل أماكن العبادة أو في ساحتها ". المادة الثانية:" عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها في أي قانون آخر يعاقب علي مخالفة الحظر المنصوص عليه في المادة الأولي بالحبس مدة لا تتجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تتجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين، إذا كان الجاني من الداعين إلي المظاهرة أو المنظمين لها. ويعاقب كل من شارك في المظاهرة بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تتجاوز ألفي جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين. المادة الثالثة: " يعاقب علي التحريض علي المظاهرة بالمخالفة لأحكام المادة الأولي، أو علي المشاركة فيها بالعقوبة المقررة في المادة الثانية، ولو لم يترتب علي التحريض أثر. المادة الرابعة: " نشر القانون في الجريدة الرسمية والعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره". السؤال الأول هو لماذا يلجأ البعض الي أماكن العبادة سواء كان مسجداً أو كنيسة للتعبير الاحتجاجي السياسي؟. يجب علي أصحاب القرار البحث عن الأسباب قبل إصدار القوانين المانعة و المُجرمة... إن منطق المنع و التجريم لن يقضي علي الظاهرة ، إذا لم تعالج أسبابها. إن السبب الرئيس من وجهة نظري هو غياب قنوات التعبير السياسي بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فبالرغم من وجود 24 حزباً سياسياً في مصر إلا أن هذه الأحزاب لا تُمكن من لعب الدور المنوط بها _يضاف الي ذلك أن المؤسسات السياسية القائمة وبوضعها الحالي لا يشعر المواطن المصري معها بأنها قادرة علي التعبير عنه_ لذلك أري أن الحل الأكثر فاعلية للحد من استخدام دور العبادة كمنابر سياسية هو إحياء القنوات السياسية الشرعية الحقيقية وإتاحة الفرصة أمامها للعمل بحرية وفي النور. السؤال الثاني : هل أفرز قانون الأحزاب سواء السابق أو الحالي أحزاباً حقيقية تدير الحياة السياسية في مصر؟ أعتقد أننا جميعا متفقون علي الإجابة و هي أننا إذا كنا راغبين في إصلاح سياسي حقيقي فنحن في حاجة الي قانون جديد للأحزاب يعود بنا الي روح الحياة السياسية فيما قبل يوليو 1952 عندما كان حق تأسيس الأحزاب يخضع لقانون الجمعيات الأهلية من خلال اخطار الإدارة بتأسيس الحزب و يعتبر الحزب قائما بمرور 60 يوما من تاريخ التقدم ما لم تعترض الإدارة. إدارة تتمتع بالحيدة و المصداقية اللازمتين لتفريخ احزاب حقيقية طبيعية معبرة تعبيراً صادقاً عن الهرم السياسي في مصر. نتمني قانون احزاب يسمح لكل الوان الطيف السياسي أن تعبر عن نفسها وأن يُترك للشعب الحكم والاختيار. السؤال الثالث : هل هناك علاقة بين إصدار القانون و محاولة تحجيم ومنع وتجريم استخدام جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التيارات السياسية للمساجد كمنابر سياسية؟ أعتقد أن الإجابة علي هذا السؤال هي نعم و ليسمح لي صاحب القرار أن أهمس في أذنه أن القانون في العمل السياسي يجب أن يكون منظماً و ليس مانعاً - إن البعد السياسي للشعائر الجماعية في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية ، اعمق بكثير من بعدها الديني ، فتشريع هذه الشعائر الجماعية قد جاء أصلاً بهدف إعطاء حصانة لتجمع المؤمنين ضد أية قوانين وضعية تسعي لمنع التجمع والتظاهر. إن التجمع لأداء الشعائر الدينية هو أمر إيجابي لابد من تشجيعه و استثماره ، فلو أمكن استثمار هذه التجمعات بعد أداء الصلوات لمناقشة أمور المجتمع لكان ذلك أحد أهم مظاهر تفعيل مفهوم " المجتمع المدني" في خدمة الحي و القرية والمدينة والمجتمع خدمات تستهدف المواطن بدون أي صبغات سياسية أو دينية ، ولكن هذا التفعيل لا يمكن أن يتم بدون ترشيد وخصوصاً في حالة التعبير الاحتجاجي، وذلك من خلال وضع عدة ضوابط تتوافق مع طبيعة دور العبادة. فمن الممكن _ علي سبيل المثال- اشتراط أن يكون التعبير الاحتجاجي من خلال الوقوف الصامت ومنع الهتافات منعاً باتاً ، و أن يكون موضوع الاحتجاج موضوعا ذا طابع وطني و ليس حزبيا أو طائفيا_ كما يجب أن تكون المناقشة وطنية مدنية من حيث الشكل و ذلك من أجل إتاحة الفرصة لكافة أطياف النسيج الوطني لحضور هذا التجمع والمشاركة في فاعلياته.. أكرر أن وضع الضوابط أكثر فاعلية من المنع والتجريم. أما فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، فإني أري ضرورة النظر الي ايجابيات تجربة الانتخابات التشريعية الأخيرة (2005) ومحاولة البناء عليها دعماً للديمقراطية التي هي هدفنا جميعاً. إن من حق جماعة الإخوان (رغم اختلافي الشكلي والموضوعي معها) علي المجتمع أن تأخذ فرصة الممارسة السياسية (بمعايير سياسية) و احتمال النجاح والفشل دون احكام مسبقة. وأن علي الإخوان تصدير خطاب جديد بعيد عن أدبيات النشأة.. خطاب وطني مدني يتعامل مع متغيرات الواقع و يطرح رؤي مستقبلية بمفردات العصر الذي نعيشه. السؤال الأخير: هل يُعد التعبير السياسي للرموز الدينية ( شيخ الأزهر / بابا الكنيسة/ مفتي الديار ) استغلالاً للمنابر الدينية في خدمة نظام حكم أو قوي سياسية بعينها؟. لسوف أترك الإجابة لك عزيزي القاريء _ وأري ضرورة أن يتوازي مع القانون المقترح قانون جديد يحصن الرموز السابقة باستقلالية حقيقية عن الحكومة والقرار السياسي.. الحكومة وليس الدولة وأن تُمنع تماما من الإدلاء بتصريحات أو فتوي لها مدلولات سياسية . مصر كما ينص دستورها " دولة مدنية " يجب أن يظل فيها الكنيس كنيسا والكنيسة كنيسة و الجامع جامعا قبلة لكل مؤمن يبتغي جرعة روحانية يتوازن بها مع ماديات الحياة، علي اعتبار أن العلاقة الروحية هي فعلا علاقة عاطفية وسيكولوجية بين الإنسان وربه ولا يمكن انزال الدين من عليائه ليكون اداة تسيير الدنيا بكل ما تحتويه هذه الاخيرة من مصالح ومنافسات وصراعات ومناورات يعالجها البشر بالعقل والممكن والسياسة لا بالدين .