يوم عيد الشكر مناسبة للاحتفاء بالأنباء الواردة من العراق حول تراجع العنف وتحسن الوضع الامني. إلا ان الوقت قد حان ايضا كي نتحدث بأمانة حول دلالات هذه الأنباء. المؤشرات علي تحسن الوضع الأمني في العراق باتت تظهر اكثر وضوحا كل اسبوع. وتشير آخر الأرقام الي تراجع الهجمات بنسبة 55 بالمائة منذ تطبيق استراتيجية زيادة القوات الأمريكية في العراق، بالإضافة الي تراجع الخسائر وسط المدنيين العراقيين بنسبة 60 بالمائة. يدل ذلك في مجمله علي بداية عودة الحياة الطبيعية، فقد بدأ الناس يرتادون المطاعم ويقيمون حفلات الزفاف. هذا الوضع يدخل الفرح في نفس أي شخص إلا من كانت قلوبهم من حجر. وعندما يتأمل الشخص المعاناة التي ظل يتحملها العراقيون، فإن اي قدر من التحسن مهما كان محدودا يستحق الاحتفاء فعلا. فالعراقيون ظلوا يعانون علي مدي عقود من وحشية صدام حسين ثم سنوات العقوبات الاقتصادية ثم الغزو الأمريكي والتمرد والنزاع الطائفي. ولكن، ماذا تعني هذه التغييرات الايجابية؟ هذه هي القضية التي تحتم علينا التعامل بحذر. فما حدث ليس انتصارا أمريكيا في مواجهة عدو واضح ومحدد، ذلك ان الحرب ليست من هذا النوع. كما ان العراقيين الآن لا يستقبلون محرريهم الأمريكيين بالورود مثلما لم يحدث في ابريل عام 2003. هناك مجموعة من العوامل المعقدة الآن تستحق ان ننظر الي اثنين منها بعناية. اولا: من الواضح ان تنظيم القاعدة في العراق يتعرض لخسارة، حتي اذا لم تحقق أمريكا انتصارا بالفعل. في هذا السياق قال مسئول بارز في الخارجية الأمريكية كان في زيارة الي بغداد هذا الاسبوع ان تنظيم القاعدة في العراق في حالة فوضي وتراجع. كما ان تكتيكات التهديد التي يتبعها أفرزت نتائج عكسية سيئة وتسبب في ثورة وسط قادة العشائر السنية. هذه "الصحوة" بدأت تنتشر في المناطق السنية معتمدة علي البعثيين السابقين وشيوخ العشائر. ثانيا: المكاسب الأمنية التي تحققت في الآونة الاخيرة تعكس حقيقة ان إيران تراجعت في الوقت الراهن. فجيش المهدي، الذي تدعمه إيران، حد كثيرا من عملياته. كما ان قصف المنطقة الخضراء بواسطة الميليشيات المدعومة إيرانيا في مدينة الصدر توقف. يضاف الي ذلك ان عمليات إرسال العبوات الناسفة التي تزرع علي جنبات الطرق من إيران قد تراجعت او توقفت، ولإضفاء صفة رسمية، اعلنت إيران يوم الثلاثاء انها ستستأنف مباحثاتها الأمنية في بغداد مع السفير الأمريكي ريان كروكر. اشك في ان تكون السياسة الإيرانيةالجديدة تحولا في التكتيك. فطهران لا تزال ترغب في ممارسة النفوذ علي مستقبل العراق، لكنها توصلت الي ان افضل السبل الي ذلك يتمثل في العمل مع القوات الأمريكية وتسريع خروج قواتها من العراق بدلا عن مواصلة سياسة المواجهة. ويمكن القول هنا ان أي تفاهم أمريكي إيراني بشأن استتباب الأمن في العراق سيكون تطورا مهما، ولكن يجب ان ننظر الي جوهر الأمر. بمعني آخر، إيران ستحتوي القوي التي تعمل لصالحها بالوكالة في العراق لأن ذلك في مصلحتها. ويبقي القول ان أخطاء القاعدة وتراجع إيران التكتيكي لا يقلل من اهمية الانجازات التي حققها الجنرال ديفيد بترايوس والقوات الأمريكية. إلا ان المهمة الصعبة المتمثلة في إقامة دولة عراقية مستقرة لا تزال أمامنا. ادارة بوش في حاجة الي اغتنام هذه السانحة لتسريع عملية وضع الامور تحت سيطرة العراقيين. اذا كان مستوي القوات الأمريكية في العراق قائم علي اساس اوضاع محددة وهذه الأوضاع بدأت في التحسن، فيجب ان يعود المزيد من أفراد القوات الأمريكية الي البلاد في عيد الشكر المقبل.