الأحوال الأمنية المتدهورة في دارفور، وهو إقليم سوداني يعادل فرنسا في المساحة، تعرض للخطر أكبر عملية مساعدات إنسانية تقوم بها الأممالمتحدة في الوقت الراهن. فقوافل الإغاثة التابعة للمنظمة الدولية، تحولت إلي أهداف بشكل يكاد يكون يومياً، حيث يتم اختطاف سياراتها أو تتعرض للسرقة تحت تهديد السلاح أو لإطلاق النيران دون سابق إنذار. وفي بعض الحالات أُجبر رجال الإغاثة علي التخلي عن العمليات التي يقومون بها في المعسكرات النائية، كما أُجبروا في حالات أخري علي السفر بالهليوكوبتر إلي بعض المناطق، وهو ما كان يؤدي إلي زيادة تكلفة توصيل الأغذية الحيوية، والمأوي، والمساعدة الطبية اللازمة لما يقارب 4 ملايين شخص. ويقول السيد "سايمون كريتل" المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي، إن الوضع في دارفور مضطرب، ومتداخل، غير أن الفشل هناك ليس خيار وراد، لأن المساعدات التي يقدمها البرامج توفر الغذاء للملايين من البشر. ولكن المشكلة التي يواجهونها هناك تكمن في عدم قدرة رجال الإغاثة علي التمييز بين المقاتلين ورجال العصابات والعناصر التابعة للحكومة، مما جعل من عملية توصيل الطعام للأشخاص الذين يحتاجونه حقاً مسألة غاية في الصعوبة. وفي الأسبوع الماضي حذر "مانويل إراندا دا سيلفا" رئيس عمليات الإغاثة التي تقوم بها الأممالمتحدة في السودان، خلال آخر مقابلة أُجريت معه قبل تركه لمنصبه من أن: "الأمن في السودان، قد أصبح أسوأ الآن مما كان عليه من قبل... وهو ما يستدعي من الأممالمتحدة والحكومة السودانية البدء في المفاوضات مجدداً، وإلا انتهي الأمر بكارثة للسودان". هذا في الوقت الذي يوجد فيه اختلاف حول أسباب الصراع وطرق حله، حيث تتهم الولاياتالمتحدة الحكومة السودانية بتسليح القبائل العربية بشكل متعمد، كي تمارس الإبادة الجماعية ضد القبائل الأفريقية، في حين تقول الحكومة السودانية وكثيرون غيرها إن دارفور يمثل مشكلة محلية تدور حول النزاع علي موارد المياه والأراضي، وإن كان الجميع يتفقون علي أن نتائج الوضع الحالي في دارفور كارثية وأنها معرضة للمزيد من التفاقم. وتقدر مصادر الأممالمتحدة عدد السودانيين الذين لقوا حتفهم في الصراع ب200 ألف شخص، بالإضافة إلي 2.5 مليون شخص آخرين نزحوا عن ديارهم و4 ملايين آخرين أصبحوا معتمدين علي الإغاثة التي تقدمها الأممالمتحدة للبقاء علي قيد الحياة. يذكر أن اتفاقية دارفور للسلام، قد دخلت حيز التطبيق منذ ما يزيد علي عام، وهو ما يفترض معه أن يكون إقليم دارفور قد قطع شوطاً علي طريق استعادة العافية، غير أن هذا لم يحدث بالصورة التي كانت مأمولة. وفي هذا السياق يقول "جورج سومرويل" المتحدث باسم مهمة الأممالمتحدة في السودان: "لقد خفّت حدة القتال بين الجماعات المسلحة غير الموقعة علي اتفاقية السلام إلي حد ما... ولكن الخروج علي القانون المتمثل في اختطاف السيارات والسرقة أسوأ من القتال بكثير، حيث يتحول الأمر إلي وضع يقول فيه الخارج علي القانون لرجل الإغاثة: أيها الأجنبي إنك تملك أشياء معينة ونحن في حاجة لهذه الأشياء وسوف نأخذها". السلام التابعة للأمم المتحدة إلي السودان. وكان حجم هذه القوة مصدراً لقلق المسئولين السودانيين الذين ما انفكوا يتساءلون عما إذا كانت تلك القوة ستكون تحت إمرة الأممالمتحدة أم إمر ة الاتحاد الأفريقي؟ والأمر المتوقع الآن هو أن الأممالمتحدة ستتولي الإشراف علي الإمدادات والشئون اللوجستية، وأن قيادات مشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي ستتولي السيطرة علي القوات العاملة في القري - وهي قوات أفريقية في معظمها. ومن المنتظر أن يكون مسئولون من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والسودان قد اجتمعوا بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال اليومين الماضيين، لمناقشة هذه القوة المختلطة. ومن المتوقع، خلال الأسبوع الحالي، وصول مسئولين من مجلس الأمن الدولي إلي المنطقة لإجراء محادثات، قد تشمل المناقشات الدائرة حالياً حول موضوع التدهور الأمني في دارفور. ليس من السهل تكوين صورة شاملة عن انعدام الأمن في دارفور، ولكن الدلائل العديدة المتوفرة، تبين أن العنف يتزايد، وأن موظفي الأممالمتحدة، يعانون جراء ذلك. وكان من المفترض أن تؤدي اتفاقية دارفور للسلام التي تم توقيعها بين المتمردين وبين الحكومة السودانية، إلي إيجاد حل لكل هذا، بيد أن المشكلة تكمن في أن هناك مجموعة متمردة واحدة "جيش التحرير السوداني" بقيادة "مينّي مينّاوي"، هي التي وقعت علي تلك الاتفاقية، في حين وقعت الحكومة بالنيابة عن القبائل العربية. وكنتيجة لذلك التوقيع تقلص نفوذ "مينّاوي" وانفصل مؤيدوه عنه، إما لإنشاء جماعات خاصة بهم، أو للانضمام إلي جماعات متمردة أخري. ويقول "جان ألياسون" المبعوث الخاص للأمم المتحدة إنه منذ ثلاثة أسابيع فقط، كان عدد حركات التمرد 9 جماعات، أما الآن، فإن هذا العدد قد وصل إلي 12 جماعة، وقدم السيد "إلياسون" خريطة طريق لمجلس الأمن الدولي بهدف إحياء عملية السلام، حيث يتوقع أن يبدأ في عملية دبلوماسية مكوكية في نهاية شهر يونيو الحالي للإعداد لمفاوضات سلام، وقال إنه يأمل أن يتمكن من إطلاق مراحل تلك المفاوضات رسمياً في نهاية الصيف الحالي.