رغم أن اتفاق السلام الأخير الذي تم توقيعه في أبوجا لنزع فتيل أزمة اقليم دارفور بغرب السودان يستند إلي المبادئ الاساسية التي أتاحت التوصل إلي تسوية لانهاء الحرب الاهلية في جنوب السودان باستثناء حق تقرير المصير، إلا أن الطريق المؤدي للسلام الحقيقي وإنهاء العنف في إقليم دارفور مازال طويلا ومحاطا بالكثير من الشكوك. فقد وقعت الحكومة السودانية والفصيل الرئيسي في حركة تحرير السودان (اكبر حركة تمرد في دارفور) اتفاق سلام في دافور اقترحه الاتحاد الافريقي والمجتمع الدولي. ورفضت حركة التمرد الاخري وهي حركة العدل والمساواة توقيع الاتفاق وكذلك الفصيل الثاني في حركة تحرير السودان الذي يقوده عبد الواحد محمد احمد النور توقيع الاتفاق. واقر روبرت زوليك مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية الذي قام بدور نشط للتوصل الي هذا الاتفاق بان الوضع في دارفور "لن يتغير بين ليلة وضحاها" وبان الاقليم "سيظل منطقة خطرة للغاية وسيستمر العنف". ووصف زوليك الاتفاق بانه "خطوة هامة" علي طريق انهاء اخطر ازمة انسانية في العالم غير انه اكد ان "خطوات هامة اخري" يتعين اتخاذها من اجل تطبيقه. ويستند الاتفاق، الذي تم توقيعه بعد عامين من المفاوضات في ابوجا، الي الاسس نفسها التي شكلت قاعدة اتفاق السلام في جنوب السودان وهي نزع اسلحة المتمردين والميليشيات وتقاسم اكثر عدلا للسلطة والثروة وحكم ذاتي اوسع. ولكن المحللين يعتقدون انه "بدون ارادة سياسية حقيقية" من جانب الحكومة السودانية لتطبيق الاتفاق، فان السلام لن يحل في دارفور. ويتساءل اريك ريفز وهو خبير سوداني يقيم في الولاياتالمتحدة "لماذا يتعين علينا ان نتوقع من حكومة نواياها سيئة ان تغير موقفها؟". ويضيف "سيكون من الصعب نزع سلاح الجنجويد لان الخرطوم استبقت الامور ودمجت افراد هذه الميليشيا في القوات الحكومية". وكان المتمردون المنحدرون من القبائل الافريقية التي تشكل غالبية سكان دارفور، حملوا السلاح منذ ثلاث سنوات احتجاجا علي "تهميش" اقليمهم. وردت الحكومة السودانية باطلاق يد ميليشيا الجنجويد، ذات الاصول العربية، التي قامت باعمال عنف وانتهاكات واسعة لحقوق الانسان في الاقليم. واسفر النزاع عن سقوط ما بين 180 الفًا الي 300 الف قتيل وخلف اكثر من ،4 2 مليون نازح ولاجئ. وخلافا لاتفاق السلام في الجنوب، لم يتضمن الاتفاق في دارفور حصصا محددة لتقاسم الثروة والسلطة. ويكتفي الاتفاق بتاكيد ان "تقاسم السلطة حيوي للوحدة الوطنية" وبانه ينبغي ان يكون هناك "تمثيل منصف وعادل لكل المواطنين بما في ذلك مواطنيودارفور في الوظائف العامة والقوات المسلحة الوطنية والشرطة واجهزة المخابرات علي كل المستويات". ويقتصر الاتفاق كذلك علي الزام حكومة الخرطوم بتخصيص "300 مليون دولار في بادئ الامر ثم 200 مليون دولار سنويا لمدة عامين" لاقليم دافور. ويقول المحلل السياسي السوداني المقيم في لندن جون اكيك ان "احدي نقاط الضعف الكبيرة في الاتفاق انه يترك امورا كثيرة لتحديدها في المستقبل". ويضيف انه "كي ينجح هذا الاتفاق لا بد ان يتدخل الشركاء الدوليون (الذين ساهموا في ابرامه) بشكل كبير في التطبيق من خلال التحقق والتفسير والفصل في النزاعات". ويؤكد ديفيد موزرسكي خبير الشئون السودانية في مجموعة الازمات الدولية (مركز بحثي مستقل) ان "الشراكة بين طرف قوي (الحزب الحاكم) ولكن تنقصه الارادة السياسية (لتقديم تنازلات) وبين حركة تحرير السودان وهي راغبة في السلام ولكن ضعيفة يثير الشكوك في امكانية تطبيق اتفاق ابوجا". ويري خبراء ومحللون ان اتفاقية السلام لدارفور التي قدمها الاتحاد الإفريقي لطرفي التفاوض والتي نصت علي احترام حقوق الإنسان كما في المواثيق الدولية. وعلي أهداف الألفية التي أعلنتها الأممالمتحدة. وعلي العودة لحدود دارفور في عام 1956 بين دارفور وأقاليم السودان الأخري، وعلي الاهتمام بالتنمية في دارفور وعلي الاعتراف بحقوق القبائل في أراضيها التقليدية المسماة "حواكير" تعد مقبولة وهي تحصيل حاصل ولا تحتاج لتفاوض. فالمشروع ينطلق من اعتماد اتفاقية نيفاشا "يناير 2005"، والدستور المؤسس عليهما كمرجعية. وهذا مرفوض من القوي السياسية السودانية ورفضته حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة، عندما عرض عليهما ضمن إعلان المبادئ. واعتماد هذه المرجعية يمنح امتيازات حزبية لطرفي اتفاق نيفاشا ويحجم دور الآخرين. هذا الفريق من المحللين يعتقد ان بعد كل النزاع والتضحيات والخسائر التي لحقت بدارفور، فإن الحد الأدني الذي يمكن أن يقبل كأساس لاتفاق سياسي هو: أن يعود الأمر كما كان بشأن الإقليم الواحد. فمشروع الاتفاقية المطروح يقوم علي استمرار الولايات الثلاث إلي ما بعد انتخابات عامة، ثم يجري استفتاء ليختار أهل دارفور ما بين الإبقاء علي الولايات الثلاث أو العودة للإقليم الواحد. إن تقسيم الإقليم إلي ثلاث جري بقرار فوقي اتخذه نظام انقلابي دون مشاورة أهل الإقليم ولا يحتاج إلغاؤه لاستفتاء. وكان لدارفور تمثيل دستوري في رئاسة الدولة، وهو حق ينبغي رده لا في شكل مساعد أو مستشار، فهذه وظائف زخرفية لا تدخل في هيكل الدستور وتجارب النظام السوداني تدل علي أنه يعتبرها زخرفية. فينبغي النص علي نصيب لأهل دارفور في كل مستويات السلطة، وفي الثروة، وبحجم نسبتهم في سكان السودان. فالأنصبة الحالية خاضعة لسقوف اتفاقية نيفاشا ولدستورها فيما يتعلق بالتمثيل السياسي. أما الثروة فقد اكتفت الاتفاقية بالنص علي عطايا تدفعها الحكومة المركزية لا صلة لها بنسبة السكان ولا باحتياجات الولايات. ونص مشروع الاتفاق علي قيام سلطة إقليمية في دارفور انتقالية يقودها المؤتمر الوطني، ويمنح حركتي تحرير دارفور والعدل والمساواة، نصيبا غير محدد. ولكن الصلاحيات الدفاعية، والشرطية، والأمنية، والإغاثية سوف تكون تحت الحماية الدولية تمارسها بعثة الاتحاد الأفريقي. هذه الصلاحيات سوف تتبع للمفوضية المشتركة، ولمفوضية وقف إطلاق النار. ونصت الاتفاقية علي الدعوة لاجتماع جامع لأهل دارفور بدون صلاحيات حقيقية، بل لدعم الاتفاقية والعمل علي تنفيذها. إنه اجتماع زخرفي. فقد أبقت اتفاقية سلام دارفور علي كل عيوب اتفاقية نيفاشا التي تكشفت في عامها الأول وزادت عليها عيوبا أخري. فلم تستجب الاتفاقية لجوهر مطالب أهل دارفور المشروعة في المجال السياسي والاقتصادي وتعرض علي الحركات انخراطا محدودا في حكومة نيفاشا يجرس الفرقة بينهم ويدق إسفينا بينهم وبين العناصر المغيبة من أهل دارفور. أما فيما يتعلق بمطالب أهل دارفور السياسية، والاقتصادية فإن الوساطة الأفريقية أثبتت قصر نظر يكتفي بالتوقيعات، والمباركات، والاحتفالات دون اعتبار للجدوي والمصداقية. فلا يرجي لمثل هذه الاتفاقية أن تحقق سلاما واستقرارا. وسوف يظل باب السلام والاستقرار الشامل مغلقا في غرب السودان، وشرقه، وفي جسم الحركة السياسية السودانية ما دام الوهم مستمرا بأن اتفاقية نيفاشا هي اتفاقية السلام الشامل. واشارت الخرطوم الي احتمال قبولها نشر قوة تابعة للامم المتحدة لحفظ السلام في دارفور تحل محل القوات التابعة للاتحاد الافريقي. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية بأن "الحكومة ستقيم ما اذا كانت ستحتاج الي مساعدة القوات الاجنبية وربما تقرر طلب نشر قوات دولية". واضاف "الا ان مثل هذا القرار هو من حق الحكومة والامر الاكيد انه لن تحضر اي قوات اجنبية الي السودان من دون موافقة الحكومة". ومع انه لم يكشف عما اذا كانت الحكومة ستطلب نشر قوات دولية لتحل محل قوات الاتحاد الافريقي، الا ان تصريحات المتحدث تشير الي ليونة في الموقف الحكومي حول هذه المسألة. وفي رد فعل علي التصريحات السودانية قال السفير الأمريكي في الاممالمتحدة جون بولتون "نحن نعتبر ذلك اشارة مشجعة جدا، وهي النتيجة الايجابية الاولي لاتفاق السلام" الذي وقع في ابوجا. وكان والي شمال دارفور يوسف كبر صرح الاسبوع الماضي قبيل توقيع اتفاق السلام بان الحكومة قد توافق علي نشر قوات للامم المتحدة للاشراف علي تطبيق اتفاق السلام. واضاف "نعتقد ان نشر قوات للامم المتحدة في دارفور بعد توقيع اتفاق سلام يمكن ان يشكل ضمانة لتنفيذه". وكان مجلس الامن طلب ان تتوجه مهمة تحضيرية الي دارفور لتقييم حاجات قوة الاممالمتحدة المقبلة. وينشر الاتحاد الافريقي في دارفور سبعة الاف رجل لا يملكون معدات لوجستية فعالة. وقد وافق في 10مارس الماضي علي نقل مهمته الي الاممالمتحدة. وستحتفظ قوة الاممالمتحدة بقسم كبير من القوة الافريقية، الا انها ستضم ايضا وحدات متخصصة من بلدان غير افريقية، تشارك في الحلف الاطلسي، الذي يؤمن في الوقت الراهن النقل الجوي لعناصر الاتحاد الافريقي.