مغرور، قاسٍ، ديماغوجي، مستبد، صورة عصرية من "ياجو" (شخصية في مسرحية "عطيل" لشكسبير تتصف بالنفاق والازدواجية). كل تلك الصفات السيئة وغيرها كثير، أُلصقت ب"ساركوزي" في الشهور الأخيرة، غير أن الفرصة قد أصبحت متاحة أمامه الآن بعد انتخابه رئيساً لفرنسا، كي يثبت خلال السنوات الخمس القادمة أن منتقديه كانوا علي خطأ. بصرف النظر عن صحة هذه الصفات من عدمها، فإنه مما لا خلاف عليه أن "ساركوزي"، يعتبر من أكثر الشخصيات التي دخلت قصر الإليزيه في عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية قدرة علي الاستقطاب، ومن أكثرها قدرة علي توليد الأفكار التي تبعث إما علي الأمل أو علي الخوف، ومن أكثرها قدرة كذلك علي التصدي للمخاطر. ويختلف "ساركوزي" عمن سبقه من الرؤساء الفرنسيين أيضاً من حيث كونه أول مهاجر من الجيل الثاني يرتفع لسدة الرئاسة في دولة لا تزال تحاول جاهدة استيعاب المهاجرين من هذا الجيل (الثاني). وهو كذلك حفيد لرجل يهودي من "السفارديم" تحول إلي المسيحية علي مذهب الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وهو أيضاً أول رئيس يتولي الحكم في فرنسا بعد تخرجه من كلية عادية في النظام التعليمي الفرنسي، وليس من مدارس النخبة وعلي رأسها "المدرسة الوطنية للإدارة" التي يتخرج منها معظم التكنوقراط والساسة الفرنسيين. "ساركوزي" من مواليد عام 1955 لمهاجر مجري، تعرف علي والدة "ساركوزي" في فرنسا وتزوجها -وهي الأخري تنحدر من أصول يونانية. و"ساركوزي" هو الابن الأوسط بين ثلاثة أبناء، ولم يكن عمره قد تجاوز الخمس سنوات عندما هجر والده منزل العائلة، وتزوج بعد ذلك مرتين، وأنجب ولدين آخرين. وقد أثر هجر الوالد للأسرة علي نفسية "ساركوزي"، وطبع طفولته بالحرمان كما يقول هو نفسه. تخرج "ساركوزي" من كلية الحقوق، وتم تعيينه عضواً في مجلس بلدي منطقة "نيويلي_ سير- سين" الراقية في باريس. ولكن الرجل لم يدخل عالم السياسة إلا عندما انضم إلي "حزب الديمقراطيين من أجل الجمهورية" (الحزب الديجولي)، الذي كان يقوده شيراك، وذلك عندما شغل منصب رئيس الوزراء لأول مرة. وخدم "ساركوزي" كوزير للميزانية في حكومة "إدوارد بالادير"، وعندما عقدت الانتخابات الرئاسية عام 1995 فإن "ساركوزي" لم يتورع عن خيانة معلمه شيراك، والانضمام إلي حملة "بالادير" الانتخابية. وعندما فاز شيراك في الانتخابات كان من الطبيعي أن يقصي "ساركوزي" من الإدارة الجديدة. ومنذ ذلك الوقت اتسمت علاقة "ساركوزي" مع شيراك بالتوتر ولكن مهاراته السياسية جعلت الأخير يدرك أنه من الصعب عليه أن يتجاهله، ولذلك قام بتعيينه لشغل منصب وزير الداخلية للمرة الأولي عام 2002 . ونظراً لأن "ساركوزي" كان يضع عينه علي الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، فإنه خاض انتخابات للفوز برئاسة حزب "الاتحاد من أجل الحركة الشعبية"، وأصبح قائداً للحزب (وهو نفسه حزب شيراك). ولكن شيراك، الذي كان ربما لا يزال يراوده الأمل وقتها في الاستمرار في الرئاسة لفترة ثالثة، أجبر "ساركوزي" علي الاستقالة من الحكومة، كي يتولي رئاسة الحزب علي أساس أنه لا يمكن الجمع بين الوظيفتين. وللمرة الثانية لم يستطع شيراك أن يتجاهل "ساركوزي" لفترة طويلة وقام باستدعائه بعد عدة شهور وعينه وزيراً للداخلية عندما تأزم موقف الحكومة بعد رفض الشعب الفرنسي للدستور الأوروبي المقترح في مايو 2005. وفي خلال ولايته الثانية كوزير داخلية كان "ساركوزي" أشد شراسة من الولاية الأولي حيث هدد بتطهير الضواحي من المخالفين للقانون وترحيل المهاجرين الأجانب. واعتبر الكثير من أفراد الشعب الفرنسي أن الحملة ضد المهاجرين كانت جزءاً من مجهود منظم من قبل "ساركوزي" لمغازلة "اليمين الفرنسي" تحسباً للانتخابات الرئاسية القادمة. أما حياة "ساركوزي" الشخصية فهي أقل نجاحاً من حياته العامة. ففي عام 1996 طلق زوجته الأولي، التي كانت قد أنجبت له ولدين، وتزوج بأخري أنجبت له ولداً ثالثاً. ولسنوات عدة عملت السيدة ساركوزي إلي جانب زوجها قبل أن ترتبط بعلاقة عاطفية علنية بشخص آخر عام 2005. وعلي رغم أن الزوجين قد تصالحا بعد ذلك، فإنه لوحظ أن السيدة ساركوزي كانت غائبة عن المشهد الانتخابي، وهو ما أطلق موجة إشاعات تنبأت بأنه ربما يشغل قصر الإليزيه بمفرده.