تتجه أنظار العالم الي الولاياتالمتحدة يوم الثلاثاء المقبل لمتابعة اعنف معركة لانتخابات التجديد النصفي في الكونجرس بين الحزبين الجمهوري الذي يتزعمه الرئيس الامريكي جورج بوش والديمقراطي بزعامة السيناتور جون كيري الذي خسر معركة الانتخابات الرئاسية الاخيرة.. ويجمع المراقبون علي ان المأزق الذي تعيشه القوات الامريكية في العراق ستكون "كلمة السر" في حسم نتيجة المعركة التي يدخلها الجمهوريون للدفاع عن احتفاظهم بالاغلبية في مجلس النواب والشيوخ وتلاحقهم اخطاء ادارة بوش واتهامات بالفضائح والفساد فيما تصب كل الشواهد علي تزايد فرص الديمقراطيين في استعادة الاغلبية بالمجلسين اللذين فقدوهم بمجلس السنوات طوال 12 عاما او علي اقل تقدير باحد المجلسين التشريعيين بما يعني تحول بوش خلال العامين المتبقيين له في البيت الابيض الي "بطة عرجاء" واستخراج شهادة الوفاة الرسمية للمشروع الامبراطوري الامريكي الذي يتبناه المحافظون الجدد منذ هجمات 11 سبتمبر ويواجه الفشل الحتمي في كل من العراق وافغانستان ولبنان ناهيك عن اللطمة التي تعرضت لها ادارة بوش بعد نجاح كوريا الشمالية في اقتحام النادي النووي وسعي ايران للمضي قدما علي الطريق ذاته بما يعني دخول اتفاقية حظر الانتشار النووي في خبر كان وهو ما يسجل ضمن الاخفاقات التي حققتها ادارة بوش. انقلاب اللحظة الاخيرة ورغم ان كل الشواهد تصب في مصلحة الديمقراطيين فإن تجربة الانتخابات الرئاسية الاخير التي حسمها الرئيس بوش لصالحه علي حساب كيري جعلت الجهوريين يستميتون في الدفاع عن مقاعدهم علي امل حدوث انقلاب في المزاج الشعبي الامريكي في اللحظة الاخيرة والذي يعاني من التململ بتأثير الخسائر الامريكية الفادحة في العراق والتي قدرتها صحيفة التايمز البريطانية بنحو 300 مليار دولار انفقتها واشنطن في حربها علي العراق وثلاثة آلاف جندي قتلوا في بلاد الرافدين ونحو 20 ألف جريح وهو ما جعل بوش يكف عن غطرسته ويقر بوجود وجه شبه لما يحدث في العراق الآن وما حدث في فيتنام رمز للفشل والعار للعسكرية الامريكية. ويري المراقبون ان الحزب الجمهوري يخوض معركة هي الاصعب منذ فضيحة ووترجيت عام 1974 في اشارة الي فضيحة التجسس علي مركز الحزب الديمقراطي التي اطاحت بالرئيس نيكسون وهو ما يعترف به رموز الحزب مثل توم ديلامي الرئيس السابق للغالبية الجمهورية في الكونجرس بل ان البعض ذهب الي تصوير المعركة الانتخابية بانها اشبه باعصار مدمر يهدد غالبية الرئيس بوش في الكونجرس. بالورقة والقلم وبلغة الورقة والقلم فان معركة الثلاثاء التي يشارك فيها 200 مليون ناخب لاختيار 435 عضوا هم اجمالي اعضاء مجلس النواب و33 عضوا من اصل مائة عضو بمجلس الشيوخ يتعين علي الديمقراطيين علي 20 مقعدا اضافيا ليفقد الجمهوريون الغالبية 230 مقابل 201 مقعد للديمقراطيين وفي الحد الادني 15 مقعدا لتغيير الغالبية للمرة الاولي منذ عام 1994 وفي مجلس الشيوخ يتعين ان يحصل الديمقراطيون علي ستة مقاعد علي الاقل لتأمين الاغلبية ونظرا لدقة الخارطة الانتخابية والامتياز الكبير الذي يمنحه النظام الانتخابي للمنتهية ولا يتهم حيث بلغت نسبة الاعادة في انتخابات 2004 نحو 98% فإن الرهان الحقيقي علي مقاعد النواب لا يتعدي في الواقع نسبة 10%. وكان الجمهوريون خلال انتخاباته عام 1994 قد نجحوا في انهاء هيمنة الديمقراطيين علي مجلس النواب طيلة 40 عاما واستعادوا 54 مقعدا. ولا يمكن اغفال حقيقة مهمة تتعلق بالتجديد لعدد 36 حاكما للولايات من اصل 50 حاكما للولاية الامريكية. ومعروف ان تجديد ثلث اعضاء مجلس الشيوخ يتم كل سنتين بينما تجري انتخابات اعضاء مجلس النواب بالكامل كل عامين ومعروف ايضا ان الانتخابات التي تنظم في منتصف ولاية الرئيس مثلما هو الحال هذه المرة لا تحظي باقبال كبير من الناخبين حيث بلغت نسبة المشاركة 46% عام 2002 مقابل 8.63 للاقتراع الرئاسي في عام 2004 غير ان مركز "بيو" لاستطلاعات الرأي توقع اقبالا هائلا علي معركة الثلاثاء نظرا للاهمية التي تثيرها الحملة الانتخابية. مأزق العراق وبشكل عام فإن المأزق الذي تواجهه ادارة بوش في العراق تصب في كفة الديمقراطيين بعد ارتفاع صوت معسكر المناهضين للحرب وخروج مظاهرات تطالب بانسحاب امريكي سريع من العراق وهو ما يرفضه بوش حتي لو لم يبق مايؤيده سوي زوجته لورا وكلبه باربي. وفي محاولة للتغطية علي فشله اختار بوش يوم 5 نوفمبر موعدا للنطق بالحكم علي الرئيس العراقي السابق صدام حسين في قضية الدجيل والمرجح ان يحصل فيها علي حكم الاعدام في حال ادانته وهو ما يمكن ان يستخدمه كورقة للتأثير علي الناخبين وتقديم هذه المحاكمة كنوع من اشكال الانتصار في حربه ضد الارهاب علي غرار ما حدث من ارتفاع كبير في شعبيته عقب القبض علي صدام.. مثلما ارتفعت شعبيته خلال الانتخابات الرئاسية الماضية بتأثير شريط الفيديو الذي اذاعه اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ومصدر "الفزاعة" للامريكيين. ولهذا فإن مخططي حملة بوش عمدوا الي استخدام "تكنيك الترويع" عبر اعداد شريط دعائي يحمل صورا لبن لادن وساعده الايمن ايمن الظواهري لحمل الناخبين علي التمسك بهم باعتبارهم الاقدر علي مواجهة الارهاب. القضايا المحلية ايضا في مواجهة الاخفاق في العراق وبمجمل السياسات الخارجية علي وجه العموم لجأ بوش الي العزف علي اوتار قضايا محلية تهم المواطنين وراح يخوف الاثرياء من مغبة فوز الديمقراطيين واتهمهم برفع الاعباء الضريبية وهو ما دعا الديمقراطي تشارلز رينجل الاوفر حظا لرئاسة اللجنة المكلفة بالشئون الضريبية في مجلس النواب الي التصريح بأنه لا ينوي التراجع عن قرار خفض الضرائب الذي اتخذته ادارة بوش العام المقبل. وقد القي الحزب الجمهوري وبوش بكل ثقله وراء محاربة الارهاب حيث قال بالحرف الواحد ان معركة الثلاثاء تتلخص في مسألتين من يستطيع حماية الامريكيين من هجوم ارهابي جديد ومن يضمن لهم استمرار النمو الاقتصادي. واخشي ما يخشاه بوش ان يمتنع الناخبون عن الاقبال علي صناديق الاقتراع ولهذا فقد بذل جهودا مضنية في تعبئة أنصاره للمشاركة في الانتخابات. واذا كانت استطلاعات الرأي اظهرت تقدم الديمقراطيين بمعدل 11 نقطة فان بوش يراهن علي "انقلاب" الرأي العام في اللحظة الاخيرة ويراهن كذلك علي نجاح ادارته في خفض معدلات البطالة وتحقيق نمو اقتصادي في حسم نتيجة الصراع. يبقي ان نقول: اين تقع المفاجأة يوم الثلاثاء.. هل يفعلها الديمقراطيون ويطيحون بالغالبية الجمهورية ام يواصل حزب بوش مفاجآته ويحتفظ بمواقعه.