بعد التدني الملحوظ الذي ألم بشعبية الرئيس الأمريكي جورج بوش والذي لم يسعفه التخلص من أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق لاسيما وأن التنظيم الذي يتزعمه أسامة بن لادن أصبح كالإخطبوط له أذرع متعددة تنتشر في بقاع مختلفة من العالم ، تتجه أنظار المهتمين بالشأن الأمريكي نحو الخليفة المتوقع لبوش خاصة مع تزايد احتمالات فوز سيدة بأرفع منصب في الولاياتالمتحدة في سابقة هي الأولي التي تسكن فيها امرأة البيت الأبيض. وتبدو فرص هيلاري كلينتون هي الأكبر في خلافة بوش علي الرغم من العثرات التي واجهتها سواء خلال فترة رئاسة زوجها أو تلك التي تواجهها الآن فقد عرف الشعب الأمريكي عنها الشدة والتحمل حتي وإن عصفت بها أعتي الأنواء ، فهيلاري هي التي وقفت إلي جوار زوجها في أعقاب فضيحة مونيكاجيت بل ودعمت موقفه السياسي ، وهي أيضا السياسية المتمرسة التي لا تلين علي الرغم من الفشل الذي منيت به محاولاتها فيما يتعلق بإصلاح القطاع الصحي الأمريكي. نجم هيلاري وعلي النقيض من التراجع الشديد في شعبية بوش ازداد لمعان نجم هيلاري الذي لم يبزغ فجأة كما يعتقد الكثيرون ، وإنما بدأ منذ قرابة ثماني سنوات كما جاء علي لسانها في حوار أجراه معها المؤرخ الأمريكي ألان فاينشتاين ، ففي أواخر عام 1998 وبينما كان مجلس النواب علي وشك الانتهاء من إعداد لائحة اتهامات ضد الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون فكرت هيلاري بجدية في ضرورة استمرارها في العمل السياسي. وإبان تلك الفترة وبالتحديد في نوفمبر من نفس العام أعلن السيناتور البارز آنذاك وعمدة ولاية نيويورك دانييل باتريك أنه قرر التقاعد مع انتهاء فترة ترشيحه بحلول عام 2000. وقتها انهالت المكالمات الهاتفية من عشرات المواطنين المنتمين لولاية نيويورك يحثون السيدة الأولي علي التقدم لتمثيل الولاية خلال الانتخابات القادمة. وكان من بين الشخصيات البارزة التي أسرعت بالاتصال بهيلاري عضو الكونجرس الشهير تشارلز رينجيل الذي قال لها بالحرف الواحد " نحن نفكر بجدية في ضرورة ترشحك عن نيويورك ". الطريف أن هيلاري علي الرغم من عزمها علي المضي قدما في النشاط السياسي إلا أنها رفضت العرض بل واستبعدته تماما. وربما سبب رفض هيلاري يعود جزء منه إلي أنها كانت تخشي أن يكون الزج بها في سباق الانتخابات ما هو إلا لعبة سياسية لخدمة مصالح افراد بعينهم. وفي الحقيقة كانت هيلاري علي صواب إلي حد كبير فمن بين المتصلين بها من كان فعلا يؤمن بأنها سوف تحتل مكانا بارزا علي المسرح السياسي الأمريكي بينما كان هناك آخرون لا هم لهم إلا إيجاد شخصية تحظي بشعبية للترشيح عن الديمقراطيين ، وبشكل أكثر وضوحا شخصية لديها من القدرات ما قد يؤهلها للوقوف أمام السيناتور الجمهوري الشهير عمدة نيويورك في ذلك الوقت رودلف جولياني. نجاح تام وفي نهاية الأمر وضع حد لهذا التردد فتاة بالمرحلة الثانوية تمارس رياضة كرة السلة عندما التقت بهيلاري خلال الحلقة الأولي لبرنامج حول الرياضة النسائية. وأثناء البرنامج حثت الفتاة هيلاري علي التحلي بالجرأة التي طالما نادت بها أقرانها من السيدات. وبالفعل حزمت السيدة الأولي أمرها وقررت خوض غمار الانتخابات التي خلال جولاتها دأب المعاونون لها علي تذكيرها بعدم التحدث بصيغة الجمع أو حتي بالنيابة عن زوجها كما كانت تفعل دائما عندما كان بيل كلينتون لا يزال بالبيت الأبيض. وتكللت جميع جولات هيلاري الانتخابية بالنجاح التام واكتملت النهاية السعيدة بفوزها الساحق بعد أن قرر المنافس الرئيسي لها رودلف جولياني بالانسحاب نتيجة معاناته من سرطان البروستاتة إلي جانب فشله الاجتماعي بعد انفصاله عن زوجته. والآن وبعد مرور ستة أعوام علي حصولها علي لقب السيناتور وصلت هيلاري إلي قمة الهرم السياسي وأصبحت متواجدة بشكل دائم خلال النقاشات التي تدور حول السياسات التي تتبعها الولاياتالمتحدةالأمريكية علي جميع الأصعدة . وعندما اجري استفتاء أولي بين الديمقراطيين حول من سوف يمنحونه الثقة لتمثيل الحزب خلال انتخابات الرئاسة القادمة والمزمع إجراؤها سنة 2008 تفوقت هيلاري علي جميع المنافسين لها من الرجال بنسبة تجاوزت ال 25 %. وبخلاف هذا تتفوق هيلاري علي كثير من رجال السياسة فيما يخص توفير نفقات تمويل الحملات الانتخابية مما يرفع من حظوظها في انتخابات الرئاسة القادمة ، فعلي سبيل المثال نجحت هيلاري في رفع سقف تمويل حملات إعادة ترشيحها مرة أخري بمجلس الشيوخ خلال الانتخابات المقررة في نوفمبر القادم بمقدار 40 مليون دولار بل والأدهي أن ما تبقي من هذه الأموال سوف يخصص للحملات المخصصة لانتخابات الرئاسة القادمة ، والسر يكمن في أن هيلاري تدير بنجاح شبكة منظمة من المساعدين الذين لا هم لهم إلا جمع نفقات تمويل حملات الانتخابات. سباق الرئاسة من ناحية أخري يري بعض الجمهوريين أن الفرصة سانحة لهم أمام هيلاري في حال ترشحها في انتخابات الرئاسة ويصفوها بالسذاجة خاصة بعد سعيها إلي تطوير القطاع الصحي وبالتحديد مجال العناية الصحية. ويعلق الجمهوريون آمال عريضة علي عمدة ولاية أريزونا السيناتور جون ماكاين ويثقون في قدرته علي تخطي هيلاري في سباق الرئاسة. ويعتقد أنصار الحزب الجمهوري وبعض المقربين من هيلاري بأن مجرد بروز الأخيرة علي السطح إنما هو دلالة علي ضعف الحزب الديمقراطي نفسه الذي فشل في إخراج شخصيات قوية تمثله خلال الحدث الأكبر وهو انتخابات الرئاسة حتي في حالة جون كيري الذي مني بهزيمة قاسية أمام بوش في انتخابات الرئاسة الماضية.