من حين لآخر تصحو السياسة الامريكية لتدرك بعض حقائق الموقف في الشرق الوسط خاصة ان القضية الفلسطينية هي لب الاستقرار في المنطقة وان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو محور معظم المشاكل والصراعات الخطيرة في المنطقة. ولعلنا نسعي للتذكير ببعض حقائق السياسة الدولية بوجه عام وفي الشرق الاوسط بوجه خاص. الحقيقة الاولي: ان السياسة هي علم ادارة الصراع وهي بهذا المنطق تعني وجود اطراف متعددة لكل منها مصالح احيانا متعارضة او متناقضة، وان السياسة باعتبارها علم ادارة الصراع تسعي للتوفيق بين تلك المصالح للقوي المختلفة. الحقيقة الثانية: ان عملية ادارة الصراع تعني السعي لعدم الوصول الي نقطة الانفجار اي عدم حدوث حرب شاملة بين الاطراف المتصارعة سواء كان ذلك ينطبق علي الدولة وقواها الداخلية او العلاقات بين مجموعة ما من الدول. الحقيقة الثالثة: ان الوصول الي نقاط اتفاق او حلول وسط بين القوي المختلفة يعني ان نقطة الالتقاء تعكس عنصرين رئيسيين هما ارادة الاطراف المتصارعة وقدرتها علي التفاوض من ناحية وبين القوة الحقيقية التي لدي تلك الاطراف. الحقيقة الرابعة: ان مرحلة الحل الوسط تعني تنازلات متبادلة ومن ثم لا يمكن لاي طرف ان يحصل علي كل مطالبه اللهم الا اذا كانت الاطراف الاخري ليست لديها اي قوة ومن ثم فهي تقوم بعملية استسلام كامل. اذا نظرنا للساحة الفلسطينية كيف يمكن ان نقرأها بطريقة موضوعية وهنا نجد ان تلك القراءة تظهر لنا النقاط التالية: الاولي: ان الساحة الفلسطينية منقسمة علي نفسها فمن ناحية حركة حماس وهي حركة سياسية ايديولوجية بقيادة حكومة يرأسها السيد اسماعيل هنية ترفض الوصول الي حل وسط ومن ناحية اخري حركة فتح والقيادة الفلسطسينية الممثلة في الرئيس محمود عباس. وهذه تتسم بعدد من السمات منها الواقعية السياسية بوجه عام مع تنوعات في مدي تلك الواقعية ومنها انها وقعت عدة اتفاقات مع اسرائيل بحضور ومشاركة قوي دولية منها الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي وقوي اقليمية منها مصر والاردن. ومن تلك السمات وجود الشعب الفلسطيني منقسما بين فلسطينيي الخارج ومعظمهم اكثر تشددا في مطالبهم، ومواقفهم، وفلسطينيي الداخل يعيشون موزعين بين التيار الايديولوجي والتيار الواقعي نتيجة المعاناة اليومية في ظل الاحتلال وما يقوم به من اعمال اذلال غير انسانية لم يسبق لها مثيل في العالم الذي اصابه نوع من التبلد الاخلاقي، كأنه لا يري ولا يسمع ما تقوم به اسرائيل، وفلسطينيو الخوف واليأس فلا يجدون ذرة امل او ضوء في نهاية نفق الاحتلال المظلم واصبحوا يستسلمون لمصيرهم بدون وعي او ادراك نتيجة حالة الصدمة او التروما التي اصابتهم عبر السنين. الثانية: تراجع الرؤية الاستراتيجية الفلسطينية وما يعتريها من غموض. فالرؤية الايديولوجية متصلبة ومتشددة تقدم شعارات وطروحات ولا تقدم حلولا ممكنة ومؤداها استمرار الحياة الصعبة بل والمتدهورة ومحصلة ذلك سياسيا هو البقاء في نفس المربع الاول او حتي التراجع الي ما دون المربع الاول خاصة اذا كان العدو يملك الكثيرمن اوراق اللعب ومن عناصر القوة، في حين ان الاطراف المقابلة له محدودة القوة بل بالغة الضعف. الثالثة: حالة الوهم الايدولوجي بان البقاء في نفس المربع يعد كسبا للوقت ونصرا علي العدو الذي يقدرون ان الوقت لن يكون لصالحه، وان العالم لن يبقي متبلدا بصفة دائمة، ومن ثم سوف يضطر العدو للتراجع. ونقول ان هذا وهم ايديولوجي لان العدو- في حالة اسرائيل- يمتلك العديد من عناصر القوة وان ما يسمي بالسلطة الفلسطينية سواء علي مستوي الرئاسة او مستوي الحكومة هي اقرب الي نمر من الورق، فاسرائيل حاصرت الرئيس السابق عرفات ولم تسمح له بمغادرة الاراضي الا في طريقه نحو الموت، وهي تعيد احتلال اي بقعة خرجت منها بلا اية صعوبة، وقامت بالقبض علي وزراء وبرلمانيين فلسطينيين بلا عناء، واغتالت العديد من القيادات الفلسطينية من حماس وغيرها بلا اية مساءلة دولية حقيقية، ولن تشعر اسرائيل بالتعب والارهاق الذي يدفعها للتجاوب مع مطالب حماس ولو في حدها الادني، لان اسرائيل دولة استيطانية مصابة بالاخفاق التاريخي والمعاناة التاريخية ومن ثم فان حلم اسرائيل وتخطيطها الاستراتيجي الذي نجحت في تنفيذه حتي الان هو البقاء واي تنازل تري فيه اضعافا لهذا الحلم، وفي نفس الوقت هي مؤيدة من الولاياتالمتحدة بقوة ولا يتوقع ان تنهار اسرائيل قريبا ولا الولاياتالمتحدة، اما اوروبا والصين وروسيا فهي قوي هامشية محدودة التأثير والدور والفاعلية فيما يتعلق بالوضع الفلسطيني خاصة السياسة الدولية الفاعلة بوجه عام الا فيما يخص المصالح المباشرة لتلك الدول. الرابعة: ان التعويل علي الدول العربية لاحداث تغيير جوهري في السياسة الامريكية او الاسرائيلية هو قراءة غير واقعية للموقف وقصاري ما يمكن التأثير لهذه الدول العربية فهو في امور جزئية ومحدودة لتدفع للحركة والضغط المحدود الذي لا يؤثر حقيقة ليس فيما يتعلق بفلسطين، وبل ايضا بالنسبة للعراق او لبنان او حتي لاوضاع تلك الدول ذاتها، ففي ظل غطرسة القوة العالمية تسعي القوي والدول الصغري للحفاظ علي كيانها وأمنها المباشر. والامن العربي هو مفهوم نظري اكثر منه واقع سياسي حقيقي. اذن ما هو المخرج من المأزق؟ البقية الاسبوع القادم