الجدل المحتدم بشأن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد يجب أن يبدو بمثابة حلم تحقق بالنسبة ل"الديمقراطيين"، الذين يقومون بحملة لانتخابات التجديد النصفي في الكونجرس. فهل هناك ما هو أفضل لهم من رئيس يواجه متاعب يدعمه وزير دفاع محوط بالمشكلات يقوم بشن حرب تفقد شعبيتها علي نحو مطرد؟ لذلك ليس هناك ما يدهش كثيراً في أن يقوم "الديمقراطيون" بتشديد الحملة علي رامسفيلد والاشتباك مع "الجمهوريين"، بشأن المسائل المرتبطة بالإرهاب، وإصدار فيض مستمر من البيانات الصحفية عن العراق. ولكن ذلك كله يمثل استراتيجية خاسرة... لماذا؟ لأن استطلاعات الرأي التي جرت علي مدار الخمسين عاماً الماضية أثبتت أن "الديمقراطيين" يحظون بمصداقية محدودة لدي الجمهور الأمريكي فيما يتعلق بشئون السياسة الخارجية، وخصوصاً بالنسبة لما يعرف بالناخبين المتذبذبين ذوي التأثير الكبير في نتائج الانتخابات الأمريكية. ويبدو الحزب "الديمقراطي" واثقاً من قدرته علي تحقيق مكاسب في انتخابات التجديد النصفي، وخصوصاً بعد التداعيات المترتبة علي الفضيحة التي تعرض لها عضو "جمهوري" سابق في الكونجرس عن ولاية فلوريدا. غير أن ما يتعين قوله إن تركيز "الديمقراطيين" علي مسائل السياسة الخارجية، وخصوصاً الحرب علي العراق في الأسابيع الأخيرة للحملة يمكن أن يجعلهم يخوضون منافسات صعبة كان بمستطاعهم الفوز بها بسهولة في ظروف أخري. ربما يكون الأمريكيون غير سعداء بشأن تطورات الحرب علي العراق، ولكن تبني موقف مضاد لتلك الحرب لن يضمن ل"الديمقراطيين" عام 2006 نتائج أفضل من النتائج التي حققوها عام 2004 أو حتي قبل ذلك التاريخ ببعيد وتحديداً في عام 1972 حيث كانت الظروف متشابهة. والرئيس بوش يدرك ذلك بالتأكيد وهو ما دفعه إلي إلقاء سلسلة كلماته وخطبه الأخيرة عن الحادي عشر من سبتمبر والحرب علي الإرهاب والتي رفعت من معدل شعبيته إلي درجة أن عدد المعارضين لسياساته الآن أقل مما كانوا عليه عام 2004. كيف يمكن أن يحدث ذلك علي الرغم من الأنباء السيئة القادمة من العراق؟ وعلي الرغم من استطلاعات الرأي التي تمت خلال العامين الماضيين؟ الإجابة هي أن من يقومون بتحليل نتائج استطلاعات الرأي يغفلون عن سؤالين مهمين: الأول، هل هؤلاء الذين يعربون عن عدم رضاهم عن الحرب يرون أن "الديمقراطيين" يمكن أن يديروا هذه الحرب بأسلوب أفضل من "الجمهوريين"؟ الثاني، ما هو الحزب الذي يثق الناخبون المتذبذبون بأنه قادر علي التعامل مع الأوضاع في العراق؟ وهنا تتغير أعداد المصوتين بشكل دراماتيكي. ففي استطلاع للرأي أجرته مؤسستي في خمس ولايات أمريكية مهمة (أربع منها فاز بها الديمقراطيون بالكاد عام 2004) تبين أن الناخبين المتذبذبين أو الذين يتخذون قراراتهم في اللحظة الأخيرة يعتقدون أن الحزب "الجمهوري" أقدر من الحزب "الديمقراطي" في شئون السياسة الخارجية ليس فيما يتعلق بالحرب علي الإرهاب فحسب، ولكن فيما يتعلق بالعراق أيضاً. وهذه النوعية من الناخبين كما ألمحنا من قبل هي التي تقرر مصائر الانتخابات ولكن العديد من "الديمقراطيين" لا ينتبهون لهذه الحقيقة. والناخبون المتذبذبون الذين يعبرون عن إيمان كاسح بقدرات "الجمهوريين" في التعامل مع الحرب علي الإرهاب والحرب في العراق وغيرها من شئون السياسة الخارجية هم أنفسهم الذين يفضلون الحزب "الديمقراطي" عندما يتعلق الأمر بالموضوعات الاقتصادية. فهم يعتقدون أن "الديمقراطيين" أكثر اهتماماً حول المسائل التي تؤثر علي الأمريكيين في مواقع العمل وأنهم أكثر قدرة علي التحكم في تكاليف التأمين الصحي. بعض "الديمقراطيين" يفهمون أهمية الناخبين المتذبذبين، ففي كتابه "الحملة الأكثر انعزالاً" يصف المؤلف "إيروين روس" كيف أن "هاري ترومان" -الذي قاد الأمة الأمريكية إلي فترة تعتبر هي الأكثر إبداعاً في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية- أخبر كاتب خطاباته بأن يبعد عن مسائل السياسة الخارجية، ويركز أكثر علي المسائل الداخلية التي تهم الشعب. واستراتيجية "ترومان" لا تزال صالحة حتي يومنا هذا وهي الاستراتيجية التي كان يجب أن يفهمها المرشحون "الديمقراطيون" للرئاسة بدءاً من "جورج ماك جافرن" إلي جون كيري الذين ظنوا أن الطريق إلي البيت الأبيض يمر عبر مسائل السياسة الخارجية. مدير مؤسسة "فينجرهت جرانادوس" لبحوث الرأي والمسئول عن إجراء استطلاعات الرأي للحزب "الديمقراطي"