"لقد كان هذا صيفاً تعساً للأمم المتحدة"... كان هذا هو ما كتبه منذ أيام "نيل فيرجسون" أستاذ التاريخ بجامعة "هارفارد"، ومن ذا الذي يستطيع أن يختلف معه في ذلك؟ فجنود الأممالمتحدة في جنوب لبنان غير قادرين علي السيطرة علي "حزب الله"، بل ويتم تفجيرهم من قبل القذائف الإسرائيلية، كما أن دورها في آخر أزمة من أزمات الشرق الأوسط يتعرض للمهانة في تلك الحلقة من حلقات الملاكمة التي يطلق عليها مجلس الأمن، وهو ما يجعلها قاصرة عن تنفيذ مهمتها الأصلية التي أنشئت من أجلها وهي "إنقاذ الأجيال المتعاقبة من ويلات الحرب". ليس هذا فحسب بل إننا نجد أنه حتي وقف إطلاق الذي تم التوصل إليه من خلال المفاوضات، يبدو غير كامل من ناحية، ومرشحاً للتفتت في أي لحظة من اللحظات من ناحية أخري. هل يمكننا بعد ذلك أن نقول إن الأممالمتحدة يمكن أن تصلح لأي شيء؟ وهل يمكننا أن نتساءل عما تقوم به الأممالمتحدة في الواقع من أجل مساعدة البشرية؟ فبسبب فشل المنظمة في العديد من المهام التي قامت بها بدءاً من الفضائح الشخصية لمسؤوليها، وفضائح "برنامج النفط مقابل الغذاء"، ووابل الهجمات المستمرة التي يشنها عليها "المحافظون الجدد"، فإن أي أحد لديه إيمان بجدوي المنظمة الدولية يجب أن يكون مستعداً للإجابة علي هذين السؤالين؟ والمخرَج الوحيد لمثل هذا الشخص أن يستشهد بالمهام أو بالجوانب التي حققت فيها المنظمة نجاحاً مثل نجاحها في التوصل إلي اتفاقيات للسلام في أمريكا الوسطي في الفترة من بداية إلي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وإشرافها علي تنظيم الانتخابات في الدول التي كانت قد خرجت تواً من الحروب، وإعادة تعمير البنية الأساسية في هذه الدول، وتعزيز أجندة حقوق الإنسان علي الصعيد الدولي، وتأسيس حقوق الملكية الفكرية، وعقد اتفاقيات قوانين البحار والمناخ، وتعزيز التعاون الدولي، وجمع المعلومات الإحصائية، وما إلي ذلك. مثل تلك الإجابة ستعد بالطبع تهرباً في نظر المراقبين الذين يركزون علي الصراع الطاحن الذي يدور علي امتداد حدود إسرائيل، أو الحرب علي الإرهاب؟ فالسؤال المهم بالنسبة لمثل هؤلاء المراقبين هو: ما هو الشيء الذي يمكن أن تقوم به الأممالمتحدة مرة واحدة وإلي الأبد من أجل تسوية الأزمة اللبنانية والمساعدة في عملية السلام في الشرق الأوسط؟ وإذا ما كانت الإجابة "أنها لا تقوم بالشيء الكثير"، فإن المنتقدين ستكون لديهم في مثل تلك الحالة المبررات التي تدفعهم للتهوين من شأن المنظمة الدولية والتشكيك في جدواها. لذلك، فإن أي دفاع عن الأممالمتحدة يجب أن يكون حريصاً علي شرح ما الذي تستطيع المنظمة الأممية القيام به وما الذي لا تستطيعه. علي سبيل المثال، يعتبر من قبيل العبث، بل والجهل في الحقيقة، أن يتم انتقاد قوة "يونيفل" علي إخفاقها في نزع سلاح "حزب الله" علي الرغم من أن التفويض الممنوح لهذه القوة من قبل الأممالمتحدة يمنعها صراحة من القيام بذلك. كما أنه من السخافة أن يتم توجيه اللوم إلي السكرتير العام للأمم المتحدة لأنه لم يقم بتفويض صلاحيات، علي الرغم من أنه لا يمتلك مثل هذه الصلاحيات أساساً. المقولة الأولي هي أن الأممالمتحدة لا تعد الآن -ولم تكن في أي وقت لاعباً مركزياً في الشؤون الدولية. وعلي الرغم من أن ميثاقها يقوم بشكل عمومي وفضفاض علي دستور الولاياتالمتحدة، وعلي الرغم من نبرة الخطابية التي ميزت وثائق إنشائها ومنها علي سبيل المثال القول إن المنظمة تمثل "برلماناً للإنسان"، فإن مؤسسيها أصروا فيما بعد علي أن المنظمة لا تمثل أكثر من تجمع للدول المستقلة وذات السيادة. للأسباب التالية وغيرها سيكون من الصعب علي المنظمة الدولية أن تحقق السلام في لبنان. السبب الأول: عدم اتفاق الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن علي ما يتعين عمله. ثانياً أن القرار الذي يفوض ب"اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية" غامض تماماً بشأن النقطة المتعلقة بمتي وأين يمكن استخدام القوة من قبل ذوي "القبعات الزرقاء" إذا ما تم استئناف القتال بين إسرائيل و"حزب الله". علاوة علي ذلك فإنه حتي لو قامت المنظمة بعملية كبيرة فإنها ستجد أن التصدي ل"حزب الله" قد يعد أمراً مستحيلاً -دعْ عنك بالطبع التصدي للقوات الإسرائيلية، في حالة ما إذا استأنف الطرفان القتال. فالأممالمتحدة في الحقيقة لا تكون قوية إلا حينما يكون الخصم ضعيفاً مثل حالتي سيراليون وتيمور الشرقية، أما إذا ما كان اللاعبون في أزمة ما أقوياء وتتوافر لهم الإرادة فإن أقصي ما تتمناه الأممالمتحدة في مثل هذه الحالة هو التوصل إلي سلام هش تأمل أن يستمر قائماً لأطول فترة ممكنة. وماذا عن المقولة الأخري الأكثر تعقيداً وعبثية؟ هذه المقولة هي تلك الخاصة بأن الأممالمتحدة هي "كبش فداء" للحكومات الكبري في العالم وذلك عندما تفشل تلك الحكومات في العمل. يري البعض أن دور "كبش الفداء" هو من أهم الأدوار التي تضطلع بها الأممالمتحدة، لأنه لو لم تكن هناك أمم متحدة ليتم توجيه اللوم بسبب عجزها عن العمل في أوقات الأزمات والكوارث لكانت أصابع الاتهام قد وجهت إلي الحكومات الكبري في العالم. مع ذلك سيكون هناك مصدر واحد للعزاء في هذه الحالة هو أننا سنكون قادرين علي توجيه اللوم للأمم المتحدة، واتهامها بعدم الفعالية، والعجز، وضعف الوسائل أو اتهامها بأنها منحازة ضد العرب أو ضد الإسرائيليين، وبالتالي فلا فائدة لها بالنسبة للمجتمع الدولي. في الحقيقة أنه شيء مريح للغاية أن يكون لدينا "كبش فداء" مثل الأممالمتحدة ولو لم يكن لدينا شيء مثل هذا لاخترعناه.