لقد وجد الرئيس بوش نفسه مواجهاً بتركة كبيرة تشمل بين ما تشمل تنامي واتساع دائرة العداء للولايات المتحدةالأمريكية سواء بين أصدقائها أم أعدائها علي حد سواء. وفي الوقت ذاته فإن من المتوقع أن تقوي شوكة الإرهاب الدولي ويتسع مداها بدلاً من أن تتضاءل وتنحسر كما يتوقع البعض. إلي ذلك فسوف يستفحل المأزق الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، بدلاً من أن يتجه نحو الحل والنهاية. والحال هكذا فقد منحت الأزمة والتطورات الخطيرة الجارية الآن في كل من قطاع غزة ولبنان، الرئيس بوش فرصة لا تعوض بثمن، يمكن له استغلالها لأقصي حد ممكن في نشر الديمقراطية والترويج لعملية سلام الشرق الأوسط، مع العلم أنها السياسات ذاتها التي استخدمتها إدارته في إضفاء الشرعية والقانونية علي غزوه واحتلاله للعراق في عام 2003 ولكن ما أبعد الافتراض والحلول النظرية عن الحقيقة، وكم هو مؤسف أن اختارت إدارة بوش بكامل طوعها وإرادتها أن تكون جزءًا من المشكلة وليس علاجها. والحال هكذا فليس من عجب أن تشير الإحصاءات واستطلاعات الرأي العام العالمي التي أجرتها مؤسسة "جالوب الدولية" مؤخراً إلي ارتفاع نسبة الأغلبيات المنتشرة من شمالي أفريقيا وحتي جنوب شرق آسيا أي بطول العالم وعرضه- إلي انعدام الثقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية والتشكيك في مصداقيتها ومواقفها وسياساتها، وبما أننا نتحدث هنا بلغة الأرقام والإحصاء فقد تراوحت هذه النسبة بين 91- 95 %، ومما قالت به هذه الأغلبية العالمية الكبيرة إن الولاياتالمتحدة ليست صديقة ولا تحسن معاملتها واحترامها لبقية دول العالم الأخري، إلي جانب اتهامها بتجاهل قضايا حقوق الإنسان في الدول الأخري. وفي خارج العراق وما عداه، هناك اتفاق بنسبة تفوق ال90 % بين المسلمين علي أن الغزو الأمريكي للعراق، ألحق من الضرر والأذي أكثر مما جلب من نفع للعراق وللمنطقة بأسرها. فكيف تفاعلت الإدارة واستجابت لكل هذه الآراء والمواقف؟ ففي عالم الحرب الدولية المعلنة علي الإرهاب هذا وهي حرب طالما نظر إليها الكثير من المسلمين وغيرهم علي أنها حرب ضد الإسلام والعالم الإسلامي في المقام الأول فقد كان طبيعياً أن تؤكد الإدارة أهمية دور الدبلوماسية العامة في الحرب، وذلك من خلال تعيينها "كارين هيوز" مسئولة رفيعة المستوي للدبلوماسية العامة إضافة إلي إكثارها من الحديث عن حرب الأفكار وكسب العقول والقلوب في الحرب المعلنة علي الإرهاب الدولي. بيد أن استجابة الإدارة نفسها للتطورات العسكرية والسياسية الخطيرة الجارية الآن في كل من قطاع غزة ولبنان، إنما تقدح مباشرة في مصداقية الرئيس بوش، وتثير غيوماً كثيفة من الشك حول حربه علي الإرهاب، وفي غزة كما في لبنان، فقد غضت إدارة بوش الطرف عن هجمات إسرائيلية شرسة ووحشية، يعد المدنيون ضحاياها الرئيسيين من القتلي والأحياء. كما وقفت واشنطن حجر عثرة أمام المساعي التي بذلتها الأممالمتحدة من أجل إعلان وقف فوري لإطلاق النيران، علي رغم علمها بالانتهاكات الإسرائيلية الصارخة لنصوص القانون الدولي وأعرافه، في حربها هذه، وليس أدل علي هذا من إنزالها عقوبة جماعية بشعبي القطاع ولبنان وإتيانها من الفظائع في حملتها العسكرية هذه، ما صنفته منظمة العفو الدولية علي أنه ليس أقل من جرائم حرب بأية حال. وكما سبق القول فقد رفضت واشنطن نداءات الأممالمتحدة بوقف إطلاق النيران، وعرقلت جهود تدخلها لحل الأزمة الراهنة، مقابل مواصلتها تقديم العون والدعم العسكري لإسرائيل! وبسبب مساندتها العمياء وغير المشروطة هذه لإسرائيل، فقد أضحت أمريكا طرفاً وشريكاً أصيلاً ليس في مجرد نزاع عسكري ضد ميليشيات ومقاتلي "حزب الله" وحركة "حماس" فحسب، وإنما هي كذلك طرفاً وشريكاً أصيلاً في الانقضاض علي حكومات وطنية منتخبة ديمقراطياً في فلسطين ولبنان.