في صباح يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 كان الشاب المصري محمد عطا يقود أول مجموعة من الانتحاريين العرب لكي يخطفوا واحدة من الطائرات الأمريكية المنطلقة من مطار لوجان في مدينة بوسطون الأمريكية لكي يطير بها إلي مدينة نيويورك ويصطدم بالطائرة ومن فيها بالبرج الشمالي في مركز التجارة العالمي لكي يموت هو ومجموعته والركاب ومعهم آلاف من الضحايا الأمريكيين وغير الأمريكيين. بقية القصة بعد ذلك معروفة من أول ما تبقي من أحداث هذا اليوم المشئوم حتي ما تلاه من غزوات أمريكية وغربية غيرت وفق كل المعايير وجه تاريخ البشرية كله ونقعته في بحار من الدماء ومحيطات من الألم. وما يهمنا اليوم من القصة كلها هي تلك الحالة النفسية التي كان عليها محمد عطا في ذلك اليوم. والذي جعله وفق كل الروايات ثابت الجنان واثق الخطي في تنفيذ هذا الجزء مما عرف بعد ذلك في أدب تنظيم القاعدة بغزوة نيويورك. فمن المؤكد أن ذلك الشاب المصري المتعلم النابه الذكي كان محملا بأطنان من الكراهية للولايات المتحدة جعلته يترك دراسته وحياته العملية المبشرة في مدينة هامبورج الألمانية لكي يلحق بأسامة بن لادن ورفاقه ويقوم بهذه العملية المخيفة. والحقيقة أن رجلنا لم يكن وحده فقد سبقه علي نفس الطريق ولحق به مئات من المصريين الذين قرروا شن الحرب علي العالم انطلاقا من جبال وعرة وصحاري جدباء لا تعرف للجغرافيا حدودًا، ولا للتاريخ بداية أو نهاية، فالمهم دائما هو تخفيف عبء الكراهية الفائضة إلي أعمال عنيفة إذا لم تصب الأمريكيين مباشرة فلا بأس من هؤلاء الذين يمثلون أعوانهم، أو حتي هؤلاء الذين يحتمل أن يتعاونوا أو يقبلوا بالتعاون معهم. ولكن المؤكد أن محمد عطا ورفاقه ومن علي شاكلتهم ظلوا جماعة محدودة للغاية ربما لا يزيدون عن بضع مئات أو حتي آلاف قليلة، فالغالبية الساحقة من الشباب المصري لم تفعل ما فعلوه، ومن لحق منهم بالجماعات الإرهابية ظل محدودا جدا في بلد زاد سكانه عن سبعة وسبعين مليون نسمة. ولم يكن ذلك يعني أن هذه الأغلبية لا يوجد لديها ما يكفي من الأسباب التي تجعلهم يكرهون الولاياتالمتحدة أيضا؛ فهم يعرفون علاقاتها بإسرائيل التي لا تكف عن عمليات وحشية وبربرية ضد الفلسطينيين، كما أنه لا يوجد قلة في المعلومات عن الجرائم الأمريكية المرتكبة في العراق وأفغانستان، ولم يخل الأمر من أسباب أخري للمقت والكراهية. ومع ذلك فإن هؤلاء من الأغلبية الساحقة من شبابنا لم ولن يقوموا بما قام به محمد عطا وجماعته لأن الكراهية لم تكن أكبر من قيمة الحياة، ولأنهم يعلمون بتحريم قتل النفس التي حرم الله قتلها، ولأنهم يعرفون أنه رغم كل الجرائم الأمريكية فإن الأمريكيين في النهاية بشر قد لا تعجب سياساتهم، ولكن ما يقدمونه للعالم من تكنولوجيا وعلاج وعلوم ومعونات وتجارة وصناعة ربما لا يغفر لهم ما يقومون به من جرائم، وإنما يجعل معاداتهم وكراهيتهم بهذا القدر الاستثنائي علي الطريقة الإرهابية مبالغا فيها ولا تراعي مقتضي الحال. وربما كان ذلك صحيحا أو غير صحيح، ولكن ما هو مؤكد أن محمد عطا ورفاقه مثلوا استثناء علي حالة الشباب المصري جري شحنها بحالة مبالغة من الكراهية للأمريكيين إلي الدرجة التي جعلتهم يفعلون ما فعلوا. هذه الحالة الاستثنائية تماما والتي تتمتع بحساسية خاصة كانت هي التي انطبقت علي إجابات الطالبة آلاء فرج مجاهد (15 سنة) وجعلتها وحدها التي أجابت علي موضوع تعبير خاص بتعمير الصحاري المصرية فأضافت جزءا خاصا بكراهية الولاياتالمتحدة ورئيسها لأنهما لا يتركان مصر في حالها تقوم بالتنمية وتعمير الصحاري. فمن بين مئات التلاميذ في مدرستها كانت هي وحدها التي انفردت بهذه الإضافة، ولم تعرف حالة أخري مماثلة بين آلاف التلاميذ في المحافظة عندما يكون موضوع التعبير يخص تعمير الصحاري أو تعمير الشواطئ أو كل حالات التعمير التي يحتمل توقع وقوف الولاياتالمتحدة في طريقها. ولعلي أتفق كل الاتفاق في الكيفية التي وصف بها كثير من كتابنا واقعة الطالبة آلاء التي كانت كاشفة لنظامنا التعليمي، وكان في التطورات عند امتحانها وما بعده ما يكفي من العار والخجل والذي أدي إلي التدخل الشخصي لرئيس الجمهورية فظهرت حقيقة المؤسسات التعليمية في البلاد كما لم تظهر من قبل، وجعل ذلك البلاد كلها ممتنة لهذه الفتاة وشجاعتها لو قدر إصلاح التعليم في مصر ذات يوم. ولكن كل ما يتعلق بالتعليم لا ينبغي له علي أهميته القصوي أن يغفل أصل القضية كلها وهو الموضوع الذي اختارته الطالبة للتعبير، والكيفية التي علقت بها عليه حيث كان لديها هذه الحالة من فائض الكراهية للولايات المتحدة والذي جعلها تخرج عن الموضوع، أو علي أحسن الفروض تخلق علاقة من خيط رفيع بين الموضوع والرغبة العارمة في التعبير عن الكراهية للدولة الأمريكية. فما أرادته فتاتنا هو نوع من إعلان الموقف ضد واشنطن وسياساتها، ومن المدهش أن القائمين علي تصحيح ورقة إجابتها استنكروا ذلك في الوقت الذي يعد فيه سب الولاياتالمتحدة أو نقدها واحدا من الفروض الذائعة التي لا يصح بدونها بيان لحزب أو حديث في فضائية أو مقال في صحيفة. ولكن حالة وزارة التربية والتعليم ليست قضيتنا في هذا المقام، وإنما القضية هي تلك الحالات الاستثنائية التي أخذت الخطاب العام والذي بات أشبه بالرياضة الوطنية واستوعبته بالطريقة التي تحول معها إلي تصرف من نوع ما كان لحسن الحظ هذه المرة أنه كان موضوعا للتعبير والتنفيس معا، وهو ما خلق فارقا هائلا وشاسعا وبعيدا بعد الأرض عن السماء السابعة بين حالة محمد عطا وحالة آلاء فرج مجاهد. ومع ذلك فإن هذه الحالة وتلك مهما عبرتا عن حالات استثنائية محدودة العدد فإننا لا نعرف أبدا كم منها سوف يكتفي بالتعبير ومن منها سوف لا يرضي بالقنبلة!. وحتي لا يسيء أحد الظن فإن حق النقد والهجوم علي السياسة الأمريكية هو أمر مكفول ولا جدال فيه، بل إنه في أحيان كثيرة ضروري وواجب. وهناك الكثير مما يستدعي النقد والهجوم بما أسلفنا، ولكن يمكن أيضا إضافة ما فعله الأمريكيون البيض مع الهنود والأفريقيين الأمريكيين حتي ولو كان هؤلاء لا يرضون بديلا عن العيش في الولاياتالمتحدة الآن، ومن الممكن أيضا أن نوسع القائمة بإضافة ضرب اليابان بالقنابل الذرية حتي ولو كان اليابانيون يقفون مع أمريكا في العراق وفي كل المواقع العالمية، والقائمة بعد ذلك معروفة في التاريخ العربي والعالمي أيضا. ولكن كل ذلك وما بعده كثير لا ينبغي له أن يقتصر علي خلق حالة من الشحن المعنوي والنفسي الاستثنائي التي تخلق فائضا للكراهية يحتاج إلي شكل من أشكال التصريف إذا لم يكن في الأمريكيين فإنه يكون فينا. ومن ناحية فإنه لا يمكن الحكم علي الولاياتالمتحدة ما لم يوضع ذلك في إطار من تاريخ الإمبراطوريات والدول العظمي وما فعلته كلها خلال التاريخ في أزمان مشابهة اختل فيها التوازن العالمي كما هو مختل الآن؛ وببساطة فإن عبور الفجوة ما بين الشحنة المعنوية والفهم الصحيح لن يحدث ما لم تتخلص الصورة العامة للولايات المتحدة من حالتها الاستثنائية التاريخية التي أخرجت مئات من المصريين من البلاد لقتالها وقتال غيرها في أفغانستان والعراق وروسيا والبوسنة ثم بعد ذلك العودة للقصاص منا لأسباب يرونها وليس لها علاقة بالعلاقات المصرية الأمريكية المركبة والمعقدة معا. فمهما كانت قائمة الاتهام للولايات المتحدة طويلة فلا ينبغي إطلاقا إنكار مساهمتها في استعادة الأراضي المصرية المغتصبة في سيناء مرتين مرة في عام 1956 ومرة في عام 1978، ولا معوناتها للاقتصاد المصري التي تعدت خمسة وعشرين مليار دولار أو معوناتها العسكرية التي حافظت علي قدرة الردع المصرية بما هو أكثر من ثلاثين مليار دولار، ولا تأثير ذلك في العالم الغربي كله ومعوناته لمصر. وإذا كان كل ذلك ليس مهما وهو في النهاية لخدمة الولاياتالمتحدة فإنه علي الأقل كان يمثل نوعا من المصالح المشتركة التي خلقت لنا نصيبا وحظا في أيام شحت فيها الموارد وندرت فيها الإمكانيات. ومن ناحية أخري فإننا لا نستطيع إقامة مجتمع علي الكراهية العمياء التي تحول كل فرد منا إلي حالة معنوية عاطفية نكون محظوظين لو أنها عبرت عن نفسها كتابة، وهي فائدة إضافية لحرية التعبير؛ وإنما نحتاج إلي مجتمع قادر علي إدارة علاقاته الخارجية في ظل ظروف متسمة بعدم التكافؤ والاختلال الهائل في موازين القوي. وربما تقودنا القصة الأمريكية لدي الطالبة آلاء فرج مجاهد في النهاية إلي أصل الموضوع في التعليم والإعلام وكل وسائل التنشئة ونقل الأفكار في مجتمعنا وهو أننا نحتاج تعليما وتنشئة تقوم علي احترام العقل والمعرفة والنسبية والسببية وكل ما يخلق مواطنين قادرين علي التعامل مع عالم غاشم يحتاج إلي العلم للتعامل معه وليس الكراهية لصب اللعنات عليه.