في معسكر للمتمردين علي طول الحدود القاحلة التي تعصف بها الرياح بين السودان وتشاد تصطف عشرات الشاحنات وعليها مقاتلون يثيرون في النفس الرهبة وبحوزتهم أسلحة آلية ثقيلة. وخلفهم كُدِست صناديق مُعَبأة بالذخيرة وعليها رموز صينية. ومعرفة المكان الذي أتت منه هذه الذخيرة يكاد يكون في حكم المستحيل، لكنها تُعطي لمحة عن الطرق المُعَقدة والملتوية لتجارة السلاح العالمية. وتوصل محققون تابعون للامم المتحدة الي ان غالبية الاسلحة الصغيرة التي تؤجج الصراع في منطقة دارفور بغرب السودان أسلحة صينية رغم حظر الأسلحة الذي فُرض علي المنطقة التي قتل فيها عشرات الالاف ويعيش بها نحو 2.5 مليون في مخيمات بائسة. وأوضح ايرنست يان هوجندورن وهو واحد من أربعة خبراء في لجنة تابعة للأمم المتحدة أوصت بفرض عقوبات علي 17 من القوي الفاعلة في دارفور لاعاقتها السلام "الصين كانت ولا تزال موردا كبيرا للاسلحة الخفيفة لحكومة السودان والعديد من الدول المجاورة." ووجد تقرير اللجنة ان جيران السودان تشاد وليبيا واريتريا زودوا دارفور بالاسلحة وان الجانب الاكبر من الاسلحة الصغيرة والذخائر في المنطقة صيني. وأضاف هوجندورن "الاسلحة والذخائر الصينية رخيصة نسبيا مقارنة بالامدادات الاخري.. البعض يري ايضا ان الصين تسأل اسئلة أقل، لكنه اكد علي أنه لا يوجد هناك دليل علي ان الصين تتحدي الحظر وتقدم الاسلحة مباشرة الي دارفور. ولكن بعض الاسلحة التي بيعت للخرطوم انتهي بها الامر في دارفور علي الارجح. وتقول الصين انها تتبني منهجا مسؤولا فيما يتصل بالصادرات العسكرية وترفض الاتهامات الواردة في تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية هذا الشهر بأنها تبيع أسلحة لعدد من الدول التي تنتهك حقوق الانسان بما فيها السودان وميانمار. وذكرت منظمة العفو ان الصين زودت السودان بالمئات من الشاحنات العسكرية في عام 2004 أي في ذروة صراع دارفور المستمر منذ ثلاث سنوات. واضافت ان افراد الجيش السوداني والميليشيا العربية المتحالفة معه والمعروفة باسم "الجنجويد" استخدموا مثل هذه الشاحنات في التنقل بل ونقلوا بها اشخاصا لاعدامهم. وارتكبت ميليشيا الجنجويد جرائم قتل وتعذيب واغتصاب مع مدنيين من غير العرب في دارفور وحتي في تشاد المجاورة. كما ان متمردي دارفور متهمون بانتهاك حقوق الانسان في صراع وصفته الاممالمتحدة بانه ابادة جماعية. وقال كولبي جودمان خبير الاسلحة في منظمة العفو الدولية في التقرير "استخدمت الصين عبارة (حريصة ومسؤولة) لوصف ترخيصها بتصدير الاسلحة غير ان سجلها في تجارة الاسلحة في المناطق التي بها صراع مثل السودان.. يظهر ان اجراءاتها خلاف ذلك بالمرة." وردا علي التقرير قالت جيانج يو المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ان الصين تصدر أسلحة أقل بكثير من دول أخري حيث بلغت قيمة صادراتها من الاسلحة 1.44 مليار دولار بين عامي 2000 و 2004 وهي واحد علي 20 من صادرات الاسلحة الامريكية خلال نفس الفترة. وتقول شبكة التحرك الدولي بخصوص الاسلحة الصغيرة (ايانسا) ان الصين هي سابع أكبر دولة مصدرة للاسلحة النارية. وتأتي الولاياتالمتحدة في المرتبة الاولي. وتعدد اوجه الدور الصيني في افريقيا، فالصين التي تتعطش للنفط والمواد الخام ضخت مليارات الدولارات الي دول افريقية لديها ثروات معدنية مثل السودان الذي لديه ثروة نفطية مستفيدة من ميراث النوايا الحسنة الذي اكتسبته بدعم حركات التحرر في الستينيات والسبعينيات. وكانت واشنطن قد قالت ان السودان بلد يرعي الارهاب وفرضت عليه عقوبات علي مدي سنوات مما منع الشركات الغربية الكبري من العمل في مجالات مربحة في اكبر دولة افريقية من حيث المساحة بينما دخلت فيها الشركات الصينية. وانتهت الحرب الاهلية في جنوب السودان في يناير 2005 مما فتح الباب امام استثمارات بملايين الدولارات. ويحتوي الجنوب ايضا علي حقول النفط الرئيسية في السودان والتي ستضخ قريبا نحو 500 الف برميل يوميا من الخام. والصين هي أبرز لاعب في صناعة النفط السودانية حيث تمد خطوط أنابيب وتقيم منشآت جديدة ومصفاة تكرير. كذلك تساعد بكين في بناء السدود والطرق ووقعت عقدا لتعميق ميناء بور سودان الرئيسي كما اتفقت علي تزويد السكك الحديدية بالسودان بخمس وعشرين قاطرة من جانبها، رهنت الحكومة السودانية قرارها النهائي بنقل مهمة قوات الاتحاد الأفريقي إلي الأممالمتحدة بشأن مشكلة دارفور، بما ستسفرعنه نتائج البحث والتقييم التي أجرتها البعثة الأممية في الخرطوم والإقليم المضطرب. وقد حذرت الحكومة من أن الإقليم ربما يصبح مسرحا لنشاط تنظيم القاعدة إذا ما أصر مجلس الأمن الدولي علي إرسال قوات أممية دون موافقتها هي والقبائل الأخري الرافضة لأي وجود أجنبي في دارفور. واعتبر وزير الداخلية الزبير بشير طه أن نقل التفويض الممنوح للاتحاد الأفريقي إلي الإمم المتحدة سيمثل انتهاكا واضحا للسيادة الوطنية، فيما حذر والي ولاية جنوب دارفور الحاج عطا المنان من صوملة السودان.