من ضمن الأسباب التي أدت إلي صعوبة العثور علي وسيلة لكبح جماح برنامج إيران النووي ذلك الخاص بأن إدارة بوش لم تكن راغبة في منح الجمهورية الإسلامية الشيء الأهم علي أجندة قيادتها الدينية ألا وهو الشرعية. وطالما أن هناك أصواتاً داخل الإدارة الأمريكية تنادي بتغيير النظام في طهران، فإن هذا النظام سيستمر في اتخاذ مواقف صلبه بشأن برنامجه النووي. ويقال إن مؤيدي الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد يرون أن هذا الوقت تحديداً هو الوقت الملائم لتحدي أمريكا خصوصاً علي ضوء ورطتها في العراق وارتفاع أسعار النفط، وإيمان إيران بأن روسيا والصين ستحولان دون تطبيق أي عقوبات مهمة قد تقوم الأممالمتحدة بفرضها عليها. لذلك يجب النظر إلي الرسالة الأخيرة التي أرسلها أحمدي نجاد إلي بوش من هذا المنظور. ويذكر أن رسالة أحمدي نجاد الطويلة وغير المترابطة هي الرسالة الأولي الرسمية بين رئيس إيراني والبيت الأبيض منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979. لهذا السبب، فإن البعض سوف يذهبون إلي تفسير تلك الرسالة علي أنها محاولة-حتي وإن كانت غير بارعة- لإقامة حوار مع الولاياتالمتحدة في لحظة بالغة الخطورة. وفي الوقت الذي تحفل فيه تلك الرسالة بإشارات متعددة للتوراة والقرآن، وتضم فقرات مطولة عن محنة البشرية، فإنها تغض الطرف عن التصريحات الصاخبة المعادية للسامية التي أدلي بها- ولا يزال يدلي بها الرئيس الإيراني. وهذه الرسالة ستعزز الرأي الذي يتبناه بعض أنصار بوش الأكثر تشدداً الذين ينظرون إلي مواقف وتصريحات أحمدي نجاد والمحيطين به علي أنها تمثل دليلاً واضحاً علي صواب الرأي الذي يتبنونه وهو أن النظام الإيراني سيظل معادياً للمصالح الأمريكية، وأن أي صفقة مع طهران سوف يتم تسويقها للشعب الإيراني الذي يتطلع في نظر هؤلاء إلي حكام إصلاحيين جدد أكثر كفاءة وفعالية من حكامه الحاليين وأنه يجب بالتالي تجنب الدخول في أي حوار مع النظام الإيراني- يتجاوز المناقشات التكتيكية التي تدور حول العراق- لأنه يمكن أن يؤدي إلي اتفاقيات، وتسويات تتضمن الاعتراف بشرعية النظام. أما العصبية الشديدة التي يتعامل بها رجال الدين الإيرانيون مع موضوع المحادثات المباشرة مع الولاياتالمتحدة، فترجع إلي أنهم يعتقدون أن أي علاقات مباشرة مع "الشيطان الأكبر" ستفتح الباب لمزيد من الاتصالات التي ستؤدي بدورها إلي المزيد من تمدد النفوذ الأمريكي علي حساب طهران. وأكثر ما يخافه رجال الدين في طهران هو إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا مع ما يعنيه ذلك من عودة الأمريكيين إلي سفارتهم الضخمة الواقعة في وسط مدينة طهران. ما أود قوله في نهاية هذا المقال إنه ما لم يتم التغلب علي الشكوك العميقة التي يحملها كل طرف نحو الطرف الآخر، وما لم يتم إعطاء سلطة للبراجماتيين من الجانبين للدخول في حوار ذي معني، فإن جمود الموقف السائد بين الولاياتالمتحدةوإيران سوف يستمر، وسوف تظل احتمالات حل الأزمة الحالية الناشبة بينهما بعيدة. أما معرفة ما إذا كان ذلك الحوار سيكون له تأثير علي السياسة فيتوقف علي عدد من العوامل منها المناقشة الدائرة في مجلس الأمن حالياً حول تطبيق مواد الفصل السابع ضد إيران، وكذلك المدي الذي يمكن لروسيا والصين أن تذهبا إليه في دعم المبادرة الأمريكية البريطانية الفرنسية. ودعم هذه المبادرة من جانب هاتين الدولتين لن يحدث ما لم تقم الولاياتالمتحدة بتقديم إيماءات ذات معني لروسيا والصين بدلاً من الهجوم عليهما- كما يفعل نائب الرئيس ديك تشيني. بدون ذلك كله فإنه لا رسالة أحمدي نجاد إلي بوش ولا رد بوش عليها، سيكون لهما تأثير كبير علي إيقاف الأمور من السير نحو حدوث مواجهة أكثر خطورة بين الدولتين. "عن نيويورك تايمز"