قرابة ما يزيد علي شهر، لم يكن المرء ليصدق أن جورج دبليو بوش لم يسمع قط عن شركة، "بينانسولار آند أورينتال نافيجيشن كومباني" أو لم يكن لديه دليل يمكن أن يفيده في معرفة ما ترمز إليه الحروف (World Dp) لكن العاصفة السياسية التي هبت عبر الولاياتالمتحدة هزت أركان البيت الأبيض. وكان رد الفعل المفاجئ للمغالين في الوطنية تجاه التهمة القائلة "إن العرب سيقومون بإدارة موانئنا" مبالغاً فيه، إلي درجة لم تجد العقلانية أمامها من مفر سوي الهروب من النافذة. فرغم أن البعض حاولوا تقديم حجج معقولة، مثل أن الإمارات دولة صديقة وأن موانئها آمنة تماماً، وأن الحقيقة أن عدة وكالات وسلطات أمريكية هي التي تقوم فعلياً بالإشراف علي حركة المواد القادمة إلي البلاد عبر الموانئ، وأن هناك شركات أخري وإنْ كانت غير عربية إلا أنها متعددة الجنسيات تقوم بإدارة عمليات الموانئ الأمريكية، لكن تلك الحجج تعرضت للاجتياح من قبل تيارات الجهل والحسابات السياسية. السؤال الأخير بعد الهزيمة النكراء التي تعرض لها البيت الأبيض بشأن موضوع الموانئ، مؤداه: ألن يؤدي ذلك إلي التأثير سلباً علي الاستثمارات الأجنبية في أمريكا؟ ألن يؤدي ذلك إلي الإضرار بالثقة الائتمانية بالولاياتالمتحدة في الأسواق الدولية؟ ما هي الاستنتاجات التي سيتم التوصل إليها علي ضوء ما حدث في الصين التي تعطيها فوائضها التجارية الضخمة تلالاً من الدولارات الأمريكية التي يمكنها أن تستثمرها في كل مكان؟ ربما لن يؤدي ما حدث إلي إلحاق ضرر كبير -كما يخشي البعض- للتدفقات المالية داخل أميركا حتي من بيوت الاستثمار العربية. التداعيات الأكبر التي ترتبت علي تلك الورطة هي تداعيات سياسية أكثر منها اقتصادية. وهي سياسية بمعنيين: الأول أنها قد تكون بمثابة إنذار لإدارة بوش بأنه لا يمكنها أن تمضي أربع سنوات في تحذير الشعب الأمريكي كل يوم من أيام حياتهم من أنها تواجه حرباً متعددة الأبعاد لا هوادة فيها ضد الإرهاب دون أن تتعرض هذه الإدارة من آن لآخر، وبطرق مختلفة لما قد ينشأ عن مثل هذه السياسة من إحراجات. البيت الأبيض لا يملك السلطة -حتي بين الناخبين الجمهوريين- التي تمكنه من أن يقول إن صفقة "دبي بورتس وورلد" لا غبار عليها وإن أشياء أخري مثل قيام علماء مسلمين بتقديم طلبات لإجراء أبحاثهم في الجامعات الأميركية للاستفادة من إمكانياتها العلمية أمر يدعو للتدقيق ويدعو للتشكك. ثانياً وأخيراً، فإن هذه الحكاية المحزنة يجب أن تدفع الطلاب المهمومين بالشؤون الخارجية إلي التساؤل عما إذا كانت أمريكا قادرة في أي وقت في المستقبل علي تطوير علاقة أكثر سلاسة مع العرب. وهذا السؤال لا يمكن أن يكون سؤالاً من جانب واحد بالطبع فالحقيقة هي أنه من حقنا أيضاً أن نسأل عما إذا كان العالم العربي- الإسلامي قادراً هو الآخر علي الرغم من كل شيء علي تطوير علاقة أكثر سلاسة مع الغرب وخصوصاً مع القوة العظمي فيه. وبصدد موضوع الموانئ الأمريكية، فإن الرسالة التي أرسلتها واشنطن للعالم ليست محددة المعالم بشكل دقيق. فالولاياتالمتحدة ترغب في التفاعل مع العالم العربي بالاستثمارات النفطية، والديمقراطية، لكن ما يظهر هو أنه إذا كان ذلك التفاعل ذا اتجاهين، اتجاه داخل واتجاه خارج، فما هو السبب في أنه عندما تريد المصالح العربية التحرك داخل السوق الأمريكية، فإنها تفاجأ بأن أمريكا قد قامت بوضع الجسور حتي لا تتمكن تلك الاستثمارات من العبور؟ إن الأمر برمته مربكٌ ويبعث علي الحيرة. أستاذ التاريخ بجامعة يل تريبيون ميديا سيرفيس