رغم أن شركة موانئ دبي العالمية بدبي قد سحبت عطاءها الخاص بإدارة موانئ رئيسية في الولاياتالمتحدة إلا أن ثمة أسئلة تتردد بشأن ما حرك معارضة الكونجرس للصفقة، وهل هو مخاوف أمنية حقيقية، أم سياسة الحمائية، أم الخوف المرضي من الإسلام أو سياسة محلية. ويعتقد البعض في الإمارات العربية المتحدة أن الدافع كان مزيجا من كل هذه الأسباب وأكثر. حيث قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الإمارات، في تصريح لآي بي إس إنه يرى في القضية "مركبا من جنون ارتياب الحادي عشر من سبتمبر، ومشاعر عميقة معادية للعرب، ورئيسا ضعيفا (جورج بوش)، وكونجرس يتصرف بهستيرية، وهو المزيج أدى في النهاية إلى إجهاض صفقة تجارية صحيحة، كان من الممكن أن تكون عنصرا رئيسيا في بناء صداقة خليجية أمريكية أقوى". وبحسب صفقة الشراء الأصلية والتي بلغت قيمتها 6.8 بليون دولار أمريكي كان من المقرر أن تقوم شركة موانئ دبي العالمي بإدارة العمليات النهائية لشركة الملاحة البخارية في الشرق وأشباه الجزر (بيننسولار آند أورينتال ستيم نافيجيشن)، وهي شركة بريطانية، وذلك في موانئ نيويورك ونيوجيرسي وبلتيمور ونيو أورليانز وميامي وفيلادلفيا. وعلى الرغم من موافقة إدارة بوش على الصفقة إلا أن شركة موانئ دبي العالمية أعلنت في 9 مارس أنها سوف تتراجع عن عطائها بعد الاحتجاج بحجة الأمن من جانب الكونجرس الذي تسيطر عليه أغلبية جمهورية. ولازال من غير الواضح ما إذا كان نقل الأصول الذي وافقت عليه شركة موانئ دبي العالمية سوف يعني نزع الملكية أم مجرد مسئوليات الإدارة. وقد أكد منتقدو الصفقة على أن اثنين من المختطفين في أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانوا من الإمارات العربية المتحدة، كما أشاروا إلى أن اعتراف الإمارات بحكومة طالبان في أفغانستان باعتبارها مبررات لعدم الثقة. كما أشار المشرعون، الجمهوريون والديمقراطيون، إلى الإمارات العربية المتحدة باعتبارها تقوم بدور قاعدة لعمليات الإرهابيين وتمويلهم، كما قالوا إنهم يشعرون بالقلق من أن الموانئ الأمريكية الرئيسية سوف تكون معرضة لهجمات إرهابية. وقد وصل مستوى عدم الثقة إلى أنه عندما قام موقع سي إن إن على الإنترنت بإجراء استطلاع لآراء القراء فيما إذا كانوا يثقون أكثر بشركة عربية أم بالمافيا الأمريكية فيما يتعلق بإدارة موانئ أمريكية أجاب حوالي 63 بالمائة من بين أكثر من 30 ألف مصوت لصالح عصابات مجتمع الجريمة. والمفارقة هي أن الإمارات العربية المتحدة واحدة من حلفاء واشنطن الرئيسيين في المنطقة في 'حربها على الإرهاب‘، كما أن دبي تقدم خدمات لسفن حربية أمريكية أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وقد كانت دبي هي الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تقوم بالتوقيع على مبادرة الولاياتالمتحدة المعروفة باسم المبادرة الأمنية لمناولة الحاويات للكشف على جميع الحاويات المتجهة إلى الولاياتالمتحدة للمخاطر الأمنية. وبالإضافة إلى هذا فقد قامت دبي في مايو 2005 بالتوقيع على اتفاق مع وزارة الطاقة الأمريكية للمساعدة في منع المواد النووية من المرور عبر موانئها. وفي عدد 11 مارس من صحيفة خليج تايمز اليومية الصادرة بالإنجليزية كتب ماتين خالد: "إن هذا الحقد المعادي لدبي يتعلق بالعنصرية والدين والتحيز، وليس الموانئ أو الأمن أو السياسة. إن منع صفقة شركة موانئ دبي العالمية سوف يؤدي إلى تعرية أوهامنا بأن عربيا أو مسلما يمكن أن يكون صديقا لأمريكا من جديد". كما قال مصطفى الناصر، وهو طالب جامعي: "إن الأمن، وبشكل خاص أمن الموانئ، يمثل بالتأكيد مصدر قلق للولايات المتحدة، لكن اتهام العرب بعدم الأهلية، وربطهم بالإرهاب، ليس هو المدخل الصحيح في وقت لم يخمد فيه بعد الخلاف بشأن التعامل مع قضية الرسوم الكاريكاتورية التي تصور النبي محمد في صحف أوروبية". وأضاف الناصر: "إن دبي هي أكثر مكان مؤيد للغرب في المنطقة. وربما يكون الخلاف قد كيفته السياسة الضيقة قبيل الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي، لكنهم سوف يدفعون ثمنا باهظا لهذا". وأولى نتائج هذه القضية هي تأجيل محادثات التجارة الحرة بين الإماراتوالولاياتالمتحدة، وهي المحادثات المضطربة أصلا، ليتم استئنافها في 13 مارس. ورغم أن واشنطن قالت إن الجانبين في حاجة إلى المزيد من الوقت من أجل الاستعداد إلا أن التوتر كان واضحا. من جانبه قال محافظ البنك المركزي الإماراتي سلطان بن ناصر السويدي: "ليس من الصواب خلط القضايا السياسية بالقضايا التجارية. وما تفعله الولاياتالمتحدة يعارض مبادئ التجارة الدولية، التي قاموا هم بتأسيسها في المقام الأول. إن المستثمرين سوف ينظرون في الاستثمارات المستقبلية في الولاياتالمتحدة من منظور مختلف". كما قال ك. س. سريكومر، وهو صحفي في الشئون التجارية في صحيفة 'جلف توداي‘ (الخليج اليوم): "إن التاريخ ليس لديه في سجلاته لأي دولة أنها تطورت بشكل ناجح من خلال تمسكها بمبادئ 'التجارة الحرة‘، ومن المؤكد أن الولاياتالمتحدة ليست هي هذه الدولة. إن سياسة الحمائية أصبحت سمة مميزة للسياسات الأمريكية، وهذا الخلاف يوضح هذا بشكل مفصل". ويمكن أن تكون الإصابة التالية في الاستثمارات. ورغم أن المنطقة تملؤها الأموال في أعقاب ارتفاع أسعار النفط إلا أن عرب الخليج يمكن أن يكونوا حذرين بشأن الاستثمار في الولاياتالمتحدة في المستقبل القريب رغم كونها سوقا مغريا. وقد قال بوش نفسه إنه شعر بالقلق بسبب الرسالة التي يمكن أن ترسلها الصفقة التي تم إجهاضها إلى العالم العربي. كما قال وزيرة الاقتصاد الإماراتية الشيخة لبنى القاسمي: "إن هذا (الخلاف) يمكن أن يصرف الاستثمار (العربي) عن التوجه إلى الولاياتالمتحدة"، مضيفة أن رءوس الأموال يمكن أن تتحول الآن إلى آسيا وأوروبا. وقد قام المستثمرون الخليجيون باستثمار أمثر من 30 بليون دولار في عمليات نقل للسيادة في شركات في عام 2005، وهو ما يزيد عن السنوات الخمس الأخيرة مجتمعة. لكن نظرية المؤامرة تسود في هذه الأثناء؛ حيث تساءلت افتتاحية صحيفة جلف نيوز اليومية الصادرة في الخليج في عدد 12 مارس قائلة: "هل كان 'العنصر الإسرائيلي‘ كما أشار البعض هو السبب؟ ربما. وإلا لماذا قام بعض أعضاء الكونجرس بمهاجمة إدارة شركة موانئ دبي العالمية في أثناء إحدى جلسات الأسبوع الماضي، متسائلين عن المقاطعة العربية لإسرائيل؟ فهل أرادو إجبار الإمارات العربية المتحدة على إنهاء المقاطعة العربية الشاملة لإسرائيل من أجل الموافقة على الصفقة؟" وقد كان رد فعل وسائل الإعلام في كل مكان في المنطقة قاسيا أيضا. ففي افتتاحيتها يوم 10 مارس تساءلت صحيفة عرب نيوز في المملكة العربي السعودية: "إذا كانت الولاياتالمتحدة لا تثق في شركة عربية في أن تدير شيئا مثل ميناء فهل ينبغي علينا أن نثق في الشركات الأمريكية في أن تقوم بشيء مماثل هنا؟ هل نستطع أن نثق بها؟ وإذا كان الأمريكيون لا يثقون بنا هكذا فلمصالح من ستعمل شركاتهم؟؟ وفي محاولات لإصلاح ما فسد قالت مجموعة من رجال الأعمال الأمريكيين في الإمارات العربية المتحدة إنهم قد خططوا لتنظيم برامج حوارية تهدف إلى تغيير الرأي العام في الولاياتالمتحدة. ولكن الولاياتالمتحدة بدأت أيضا تحقيقا بشأن خطط شركة دبي إنترناشيونال كابيتال للحصول على مصانع في ولايتي جورجيا وكونيكتيكت، والتي تقوم بتصنيع مكونات للطائرات العسكرية. من جانبه قال الدكتور عبد الله إن صفقة الموانئ التي تم إجهاضها من المؤكد أنها سوف "تترك آثارها على الروابط الثنائية في المستقبل". المصدر (آي بي إس)