لقد مرت الذكري السنوية الثالثة للغزو الذي قادته الولاياتالمتحدةالأمريكية علي العراق، بين الكثير من الشد والجذب بين مؤيدي الغزو ومعارضيه. وبعد تسعة أشهر فحسب من الآن، سيكون النزاع العراقي قد تخطي المدة التي استغرقها دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية طرفاً في الحرب العالمية الثانية. والحال هكذا، فليس غريباً أن تزعم إدارة بوش أن الكوب لا يزال نصف ممتلئ، وأن النصر، ربما بدا بعيداً وضبابياً حتي الآن، غير أنه سيتحقق حتماً، وإن استغرق ذلك مدة زمنية أطول وبتكلفة أعلي مما كان مقدراً لها قبل الغزو. أما نقاد الغزو في الجانب الآخر من الخلاف، فإن من رأيهم أن الحرب، وإنْ لم تكن قد بلغت مرحلة الفشل التام، فإنها لا شك ماضية إلي حيث تتعذر كلياً رؤية جدوي استمرار النزاع في خدمة المصالح الحيوية الأمريكية، وحيث لا يوجد مبرر واحد لذلك الاستمرار، عدا الخوف من أن يتحول الفشل نفسه، إلي كارثة فظيعة جراء الانسحاب الفوري من العراق. وما بين أولئك وهؤلاء، يعيد عدد كبير من المؤيدين الأوائل للحرب النظر في موقفهم السابق كله الآن. نشير هنا إلي أن أحد أقوي الأصوات المنادية بالانسحاب الفوري من العراق، هو النائب "الديمقراطي" والجنرال السابق "جون مورثا"، الذي كان "صقراً ديمقراطياً" في مرحلة ما قبل الغزو. والمعلوم عنه تأييده القوي للحرب، وأنه بطل من أبطال حرب فيتنام. ولكنه تحول اليوم إلي أقوي صوت ناقد ومعارض للرئيس بوش في الكونجرس. كما ينضم إلي معسكر المنتقدين نفسه، "ويليام إف. باكلي"، زعيم الحركة "المحافظة الأمريكية". فهو يعتقد اليوم أن الحرب لم تسفر سوي عن خيبة أمريكية كبيرة، وكتب مقالاً بهذا المعني في مجلة "ذي ناشونال ريفيو" التي أسسها بنفسه. ولعل الأكثر جدية وخطورة بين كل هذه الآراء، ما يتردد الآن عن عدم رضا الجيش الأمريكي بالمسار الذي سارت عليه الحرب، سواء ما يتعلق بخوضها أم بالطريقة التي أديرت بها. يجدر بالذكر أن كتاب "كوبرا2: غزو واحتلال العراق" الذي صدر حديثاً، من تأليف كل من الجنديين السابقين، "بيرنارد ترينور" و"مايكل جوردون"، يقدم رصداً دقيقاً وموثوقاً به لمجمل الأخطاء التي ارتكبتها وزارة الدفاع، في التخطيط لغزو واحتلال العراق. وانهالت سياط نقدهما بالذات علي ظهر دونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وقائد القوات الأمريكية الموحدة تومي فرانكس، اللذين حملهما المؤلفان الوزر الأعظم مما ارتكب من أخطاء صاحبت شن الغزو وما بعده. وعلي رغم ما توفر من أدلة كثيرة وكافية علي الأخطاء الكارثية التي ارتكبها مسئولو وزارة الدفاع_ مدنيين وعسكريين علي حد سواء- فإنه من الملاحظ أن البيت الأبيض، لم يجرؤ علي فصل أي من المسئولين عن تلك الأخطاء. بل علي نقيض ذلك تماماً، تحول رامسفيلد إلي ما يشبه مانعة الصواعق، لمنتقدي الحرب والإدارة، في يمين ويسار السياسة الأمريكية. وفي الوقت ذاته، واصل الرئيس بوش حمايته لظهر يده اليمني في إدارته. ولذا فقد دب الاعتقاد في أوساط بعض نخب واشنطن بأن في امتناع الرئيس بوش عن فصل بعض معاونيه ومستشاريه الذين لم يحسنوا خدمته، ما ينم عن عنجهية وضعف، أكثر من كونه تعبيراً عن مشاعر ولاء وانتماء لتلك العناصر. وفي غضون ذلك كله فقد انخفضت معدلات تأييد الرئيس بوش إلي أدني مستوياتها في استطلاعات الرأي العام الأمريكي، بينما انحدرت أكثر منها المعدلات المنسوبة لنائبه ديك تشيني. والشاهد أن تعنت الإدارة ورفضها الاعتراف بالأخطاء، ومواصلتها الترويج لوهم النصر والنجاح في العراق، قد أصبحا موضوعاً للنقاش والحوار العام بحد ذاتهما. والملاحظ أن أجرأ الآراء وأكثرها صراحة عن المصاعب والعراقيل التي تكتنف مسيرة الاحتلال في العراق، إنما ترد من زلماي خليل زاد السفير الأمريكي هناك. ومهما يكن فهو من يتحدث من أرض المعركة وواقعها اليومي، وهو الأدري به دون شك. فهل تستمع إليه الإدارة؟