إعادة كارت البنزين.. فخري الفقي يكشف عن الآلية الجديدة لدعم المحروقات    "12 قتيلا من الفصائل الموالية لإيران".. آخر إحداثيات هجوم دير الزور    عاجل| صهر «قاسم سليماني» في دائرة الضوء هاشم صفي الدين ومستقبل حزب الله بعد نصر الله (التفاصيل الكاملة)    بايدن يتلقى إفادة بشأن الشرق الأوسط ويراجع وضع القوات الأمريكية بالمنطقة    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    موعد مباراة ريال مدريد ضد أتلتيكو مدريد في الدوري الإسباني والقنوات الناقلة    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    التصعيد مستمر.. غارة إسرائيلية على الشويفات قرب الضاحية الجنوبية لبيروت    الصحة اللبنانية: استشهاد 33 شخصًا وإصابة 195 بالغارات الإسرائيلية    وزير الخارجية: مصر حريصة على تعزيز التعاون مع الأمم المتحدة    عمرو أديب يشكك بركلة جزاء الأهلي ويقارنها بهدف منسي: الجول الحلال أهو    مدحت العدل: جوميز يظهر دائمًا في المباريات الكبيرة وتفوق على كولر    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    حار نهارا.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأحد    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    صلح شيرين عبد الوهاب وشقيقها محمد.. والأخير يرد: انتى تاج راسى    بعد انخفاض عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (بداية التعاملات)    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    نجم الزمالك السابق: هذا الشخص السبب في خسارة الأهلي بالسوبر    «غرور واستهتار».. تعليق ناري من نجم الأهلي السابق على الهزيمة أمام الزمالك    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    نشرة التوك شو| أصداء اغتيال حسن نصر الله.. وعودة العمل بقانون أحكام البناء لعام 2008    الأوراق المطلوبة لتغيير محل الإقامة في بطاقة الرقم القومي.. احذر 5 غرامات في التأخير    انخفاض جماعي.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    أسعار الذهب اليوم في مصر بنهاية التعاملات    ضبط شاب لاتهامه بتصوير الفتيات داخل حمام كافيه بطنطا    التحويلات المرورية.. بيان مهم من الجيزة بشأن غلق الطريق الدائري    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    وزير الخارجية يتفقد القطع الأثرية المصرية المستردة في القنصلية العامة بنيويورك    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    المنيا تحتفل باليوم العالمى للسياحة على كورنيش النيل.. صور    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    «احترم نفسك أنت في حضرة نادي العظماء».. تعليق ناري من عمرو أديب بعد فوز الزمالك على الأهلي (فيديو)    المخرج هادي الباجوري: كثيرون في المجتمع لا يحبون فكرة المرأة القوية    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لكيلا نواجه التطرف بالمزيد منه
نشر في نهضة مصر يوم 12 - 02 - 2006

بقدر ما كان وقع الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دانماركية لنبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم مرتدياعمامة علي شكل قنبلة تناقلته عنها صحف ومجلات أخري عديدة في أكثر من دولة أوربيةأليما شديد الوطأة علي كل مسلم غيور علي دينه وعقيدته
كما كان أليما علي وكل إنسان يجل حقوق ذويه ويرفض الاساءة للمعتقدات والتعدي علي المقدسات علي إعتبار أنها ركن ركين غير منبت الصلة بحقوق الإنسان،بقدر ما يأسف المرء لبعض ردود الفعل التي صدرت من جماعات وشعوب مسلمة لا تعرف سوي العنف والتدمير آليات للتعاطي مع كل ما من شأنه أن يثير حفيظتها أو يستفز مشاعرها،علي شاكلة ما جري في منطقة الأشرفية المسيحية بلبنان والتي شهدت أعمال عنف و تخريب واسعة النطاق قبل أيام علي أيدي متظاهرين همجيين ممن يدعون الغيرة علي الإسلام ونبيه ويسعون بشكل فوضوي وعبثي إلي التعبير عن جام غضبهم وبالغ سخطهم علي من سولت له نفسه الإساءة إلي النبي الخاتم.
لقد أوشكت الخروقات والإعتداءات التي صاحبت التظاهرة التي شهدتها منطقة الأشرفية، والتي كان في ثناياها إحراق المحال والكنائس والأبنية،أن تؤجج نيران الفتنة الطائفية في لبنان مجددا بعد أن خبت جذوتها أو كادت، الأمر الذي من شأنه أن يعود بهذا البلد العربي إلي عهود ظلامية يربأ كل عربي ولبناني عن إستحضارها حتي في مخيلته.
من هذا المنطلق، تأتي النظرة التأملية النقدية لردود الفعل التي أطلقتها الشعوب الإسلامية علي الإساءة للنبي محمد عبر الصحف،و التي بدأت دانماركية ثم غدت أوربية،فتلك الردود التي بدت إنفعالية متشحة بسواد الاندفاع والتهوربعد أن أحاطت بها أعمال العنف الإحتجاجية، قد تأثرت- لا محالة _ بتصور ذهني نمطي قابع في مخيلة معظم مسلمي هذا الزمان مؤداه أن ثمة تربصا غربيا بالإسلام والمسلمين يعمد القائمون عليه والضالعون فيه إلي النيل من أولئك القوم وذلك الدين،ومن ثم فإن ما أقدمت عليه الصحيفة الدانماركية وما تناقلته عنها نظيراتها الأوربيات من رسومات مسيئة لنبي الإسلام الكريم إنما تأتي في سياق الحرب الغربية الضروس والأبدية ضد الإسلام والمسلمين والتي تعود بجذورها الدينية والحضارية الصريحة إلي قرون مضت ثم ما لبثت أن هدأت جذوتها حتي عادت للاشتعال مجددا علي نحو سياسي أو اقتصادي يفضي بدوره إلي صدامات ثقافية أو عسكرية علي غرار ما يأتي بجلاء في أعقاب التفجيرات التي زلزلت الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 .
ولعل ما رسخ من هذا التصور الذهني النمطي، الذي يجد في بعض المحطات الفاصلة من تاريخ ومسيرة العلاقات بين الشرق والغرب شيئا مما يبرره نسبيا، هو تجاسر الصحيفة الدانماركية وكذا نظيراتها الأوربيات علي معاودة نشر ذلك الرسم الكاريكاتوري المثير ، فضلا عن ذلك الإصرار المستفز من جانب القائمين علي أمر تلك الصحف علي المضي قدما في مسلكها غير الأخلاقي،بل وكذا تمسك الحكومة الدانماركية بموقفها الرافض لفكرة تقديم أية إعتذارات رسمية مباشرة وعلنية للمسلمين جراء ما ينشرمن إهانات لنبي الإسلام بزعم إحترامها لحرية التعبير وحرص الدولة هناك علي عدم التدخل في أعمال ونشاط القطاع غير الحكومي، لاسيما ذلك الذي يزاول مهنا من المفترض أن تكون إبداعية وثقافية بالأساس،ومن ثم لا سلطان للدولة عليه ولا رقابة. علاوة علي ذلك وعلي غير ما كان متوقعا،فقد جاء جنوح المزيد من الصحف والمطبوعات الأوربية في دول أوربية أخري نحو تبني ذات التوجه المشين والغير مسؤول بالرغم من أجواء السخط العارم التي تجتاح العالم الإسلامي مصحوبة بإجراءات وردود فعل إنتقامية حادة من جانب شعوب وحكومات إسلامية علي أصعدة إقتصادية وسياسية حيال الدولة الدانماركية ليسكب المزيد من الزيت علي النار المستعرة،وكأن ردود الجهات المناصرة لذلك التطاول الممقوت علي الإسلام ونبيه تريد أن تؤكد للمسلمين أن إستجابتهم الإنفعالية العنيفة قد تمخضت عن ردود فعل سلبية ونتائج عكسية من شأنها أن تزج بالجانبين إلي دائرة مفرغة من الإساءات والإساءات المضادة بوتيرة متسارعة لا هم لها سوي تعزيز فكرة إستهداف الغرب للاسلام والمسلمين.
وظني أن ما تدور رحاه هذه الأيام من حروب كلامية ومهاترات بين المسلمين من جهة ومن يظنونهم مسؤولين عن التطاول علي نبيهم من جهة أخري،ليستنكف أن يدنو إلي مستوي المواجهة الحضارية أو الصدام العقائدي بين الإسلام والغرب. وإلا فما قولنا فيما يجري من وقائع مماثلة داخل أروقة الغرب المسيحي وبين ظهرانيه عبرأقلام وفنون درامية وأخري تشكيلية لا تتواني عن الإساءة إلي المسيح والمسيحية، بل وتتطاول عليهما وتنعتهما بما يتأفف منه العاديون من البشر؟! لقد وصل الفجور والتطاول بأمثال هؤلاء أن نالوا من المسيح وأمه ووصموهما بالفسق والفجور وهما منهما براء، كما سولت لهم أنفسهم التشكيك في حقيقة المسيحية وصدق من بشر بها. وحتي الحكومات الغربية التي تأبي تصحيح ما وقع من أخطاء في حق الإسلام والمسلمين أو حمل مقترفيهاعلي التراجع والإعتذار، والتي أباحت البغاء و زواج المثليين من الرجال والنساء،هي نفسها التي أظلت أولئك المعتدين والمتطاولين علي قدسية الأديان وحرمة الأنبياء بمظلة الشرعية القانونية وأسدلت عليهم أستار حرية الرأي والتعبير في مناخ ديمقراطي وبيئة علمانية .
ما كان لذلك الكابوس الذي يطبق علي عالمنا هذه الأيام أن يكون صداما بين الحضارات وإنما أراه فهما مبتورا لحرية الرأي والتعبير،وتفسيرا مشوها لما يجب أن تكون عليه علاقة الدين بالدولة، أحسبه إستنجادا بالرمضاء من النار. فالأمم الغربية التي عانت طويلا من سطوة المؤسسات الدينية الكنسيةالتي ظلت لقرون تحتكر كل ما يتصل بحياة الإنسان من علم ومعرفة إلي دين وعقيدة وحتي أموره الحياتية، معتبرة نفسها المرجعية الأولي والأخيرة لأي سلوك إنساني قولا كان أو فعلا أو فكرا،ما لبثت أن تحررت من تلك القيود علي خلفية حركة الإصلاح الديني الشهيرة التي قادها كالفن في سويسرا ومارتن لوثر في ألمانيا مع نهاية العصور الوسطي الظلامية في أوروبا حتي أفرطت في مجافاة الأديان وأوغلت في محاصرة دورها في الحياة وكأنها تريد الانتقام لمعاناة عهود مضت أو الحيلولة دون عودة الماضي المؤلم مرة أخري. لقد نفضت الأمم الأوربية عن نفسها غبار التطرف لتكتسي برداء أكثر تطرفا حيال كل ما هو مقدس بوجه عام وما يتصل منه بأمور الدين والعقيدة علي وجه الخصوص حتي أضحت الفتاة الغربية تستثقل الإحتفاظ ببكارتها أو عذريتها وتعتبرها عبئا يستجدي التخلص منه في أقرب فرصة. وأوغل العقل الأوربي في تقدير ذاته وبلغ في الإعلاء من شأنه حد جنون العظمة حتي بات يتخذ منه مرجعية لكل شيء وغدا بمرور الوقت بديلا عن الدين أو المقدسات، فهو المحدد لسلوك البشر والمقرر لما يجب وما لا يجب، وإلي أبعد من ذلك هرب الأوربيون من ماضيهم ذي الخبرات المؤلمة والتجارب المريرة مع الدين والمقدسات، حيث شمروا عن سواعدهم لتأسيس حياة خالية من المقدسات الإلهية أو اللاهوتية،حتي غدا كل شيء مباحا ولا شيء يعلو فوق المصلحة الفردية . من رحم هذا المعترك الفكري والحضاري الموبوء تولد التطرف الغربي، وتحت أستار الحرية والديمقراطية والعلمانية والتحرر من سطوة الأديان والمقدسات ترعرع هذا التطرف وقويت شوكته حتي أصبحنا هذه الأيام نألف الإساءة إلي الأنبياء ونعتاد التشكيك في وجود الله عز وجل أو السخرية من الرسالات السماوية وطقوسها التعبدية.
من هنا، أحسب أن وضعا حرجا كهذا الذي نحن بصدده كمسلمين إنما يستجدي التحرك لمواجهته عبر إستراتيجية عقلانية مستنيرة بمقدورها أن تربأ بالرصيد الإنساني الزاخر من التراكم الحضاري والتعايش الإنساني عن الإرتداد إلي الوراء والتخبط في غياهب الجاهلية الأولي،وأن تضيع الفرصة في ذات الوقت علي أعداء الإسلام والمتربصين به للنيل منه عبر استفزاز المتهورين من أتباعه واللعب بمشاعرالمندفعين من معتنقيه . وأحسبني لا أنأي كثيرا عن الصواب حينما أزعم أن مسلمي هذا العصر لهم في أمس الحاجة إلي خطاب إسلامي يسمو بمضمونه عن الزلات ويتجاوز بغاياته الردود الإنفعالية التي يتعالي ضجيجها لكنها سرعان ما تخبو بعد أن تأتي بنتائج عكسية وتزيد النار إضراما. فالمسلمون وسط هذا المنعطف الشديد الوطأة هم في أوج الإحتياج لتوجيه رسالة رصينة ومتماسكة إلي الآخرعن حقيقة الإسلام ونبيه الذي هو أكبر من أية إساءة وأعظم من أي تطاول .
إن خطابا إسلاميا حضاريا قوامه التسامح وقبول الآخر ومجادلته بالتي هي أحسن حسبما يأمرنا ربنا وكيفما كان يتعامل نبي الإسلام مع مهاجميه والمسيئين إليه،وتساميا عن الإنزلاق إلي مهاوي الفوضوية والهمجية في التعبير عن الغضب لهما أمثل السبل للتعاطي مع ما يتعرض له الإسلام والمسلمون من إساءات بغير انجرار إلي مقارعة التطرف بالمزيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.