موجة الغضب التي تجتاح العالمين العربي والإسلامي هذه الأيام ضد 12 رسما كاريكاتوريا تم نشرها في صحيفة دنمركية يوم 30 سبتمبر الماضي، اي منذ 126 يوماً، وتضمنت إساءة لنبي الإسلام، صلي الله عليه وسلم، لها وجهان: الوجه الأول .. إيجابي.. حيث تمثل هذه "الانتفاضة" شكلاً من أشكال رفض الإساءة للإسلام والمسلمين بعد ان طفح الكيل وبعد ان تعاظمت هذه الإساءة في الأعوام الأخيرة واتخذت صوراً متعددة، سياسية واقتصادية وثقافية، حتي أصبحت الصورة الذهنية الشائعة هي ان المسلمين باتوا "الحيطة المايلة" في وقتنا الراهن و"الملطشة" لمن يساوي ومن لا يساوي. كما تمثل هذه الغضبة الواسعة النطاق شكلاً من أشكال إعادة اكتشاف قانون الوحدة، وحدة الصف ووحدة الهدف، وإعادة تذوق بشائر ثمار هذا العمل القائم علي التنسيق -حتي في أبسط نماذجه- حيث اعتذر اليوم من كان يرفض ذلك بالأمس بصورة متغطرسة. أما الوجه الثاني ... فهو وجه سلبي، ويمكن تلخيصه في كلمة واحدة هي "النفاق" وأبعاد هذا النفاق كثيرة: 1- لا تستطيع الدول والجماعات التي أساءتها الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية أن تنفي علمها بتدنيس القرآن الكريم علي يد الجنود والضباط والمحققين الأمريكيين في معتقل جوانتانامو الرهيب وغيره من معسكرات الاعتقال الأمريكية المنتشرة داخل العراق وأماكن سرية في القارة الأوروبية وربما غيرها أيضا. ولا تستطيع ان تنفي علمها بوجود كتب وصحف ومجلات وأفلام اكثر من الهم علي القلب في الجامعات والمكتبات والأسواق الأمريكية تحتوي علي إساءات أشنع بكثير من الرسوم الدنمركية. ومع ذلك لم تحرك ساكنا. فلماذا هذه العنترية إزاء الدنمرك وتلك الرخاوة أمام أمريكا؟! 2- ولماذا يتحمس هؤلاء لرفع شعار المقاطعة الاقتصادية في وجه تلك الدولة الاسكندنافية الصغيرة بينما يهاجمون نفس الشعار إذا تمت المناداة باستخدامه ضد السلع والبضائع الأمريكية والإسرائيلية؟! 3- وهل الإساءة إلي نبي الإسلام -صلي الله عليه وسلم- هي الأمر الوحيد الذي يؤذي مشاعر المسلمين؟ أليس احتلال أراضي بلدان عربية وإسلامية إساءة لكل العرب المسلمين والمسيحيين علي حد سواء؟ أليس الاحتلال الاستيطاني الصهيوني وتهويد الأراضي العربية في فلسطين إساءة لكل العرب المسلمين والمسيحيين جميعا؟ أليست الإملاءات الإمبراطورية، السياسية والاقتصادية والثقافية، ومن بينها مشروع الشرق الأوسط الكبير، إساءة لكل العرب المسلمين والمسيحيين واعتداء علي سيادتهم الوطنية؟! وإذا كنا غيورين حقاً علي شخص نبينا -صلي الله عليه وسلم- وأشخاص صحابته العظام الذين توفاهم الله منذ قرون، فهل يمكن ألا نكون غيورين بنفس القدر علي مصالح أمته واتباعه الذين يسامون العذاب والمذلة وهم علي قيد الحياة؟! 4- ولماذا نظهر كل هذا التشدد مع الدنمركيين، حتي بعد اعتذار اكثر من جهة، بما فيها الصحفية التي نشرت تلك الرسوم القبيحة -التي لم يرها معظم الغاضبين- بينما لا نبدي عشر معشار هذا التصلب مع الأمريكان والإسرائيليين رغم الجرائم والمذابح وحروب الإبادة التي يقترفونها في حق العرب المسلمين والمسيحيين، بما في ذلك مطالبة أحد زعماء إسرائيل بهدم الكعبة؟! 5- وما هدف تصعيد هذه الحملة، والنفخ المستمر في نيرانها، بعد الاعتذارات والتوضيحات الدنمركية؟ وما هي -بالضبط- مطالبنا كي نطوي هذه الصفحة، أم أن البعض يريدون أن نستمر فيها إلي مالا نهاية.. ولماذا؟! 6- ولماذا كل هذه الغوغائية التي يتم الزج بها، وحشرها حشراً في الجدل الدائر حول قضية الرسوم الدنمركية، وبالذات من جانب أشخاص ليس معروفاً عنهم التبحر في السياسة أو الدين حيث لم يتم ضبطهم متلبسين ولو مرة واحدة ب"النضال" الوطني أو الديمقراطي؟ مثال ذلك إبداء شخصيات محسوبة علي التليفزيون المصري، اي تليفزيون الدولة، امتعاضها من النص الإنجليزي للاعتذار الدنمركي، لا لشئ إلا لأنه ذكر اسم النبي محمد دون أن يشفع ذلك بجملة -صلي الله عليه وسلم. أليست هذه غوغائية خائبة؟! فما معني أن نطلب من أناس غير مسلمين ان يصلوا ويسلموا علي نبي الإسلام -صلوات الله وسلامه عليه-؟! أم هل يذهب هؤلاء في غيهم ويطالبون اي دنمركي بان ينطق بالشهادتين حتي نتيقن من أن اعتذاره حقيقي ونابع من القلب؟! 7- أما السؤال المحير الذي لا أجد إجابة برئيه له.. فهو لماذا صمتت معظم الأطراف الغاضبة ثلاثة شهور كاملة بعد نشر الرسوم الكاريكاتورية، ثم انتفضت فجأة منذ بضعة أيام؟ لماذا؟ ألا يذكرنا ذلك بقضية كنيسة محرم بك بالإسكندرية التي تعرضت للهجوم بحجة المسرحية إياها.. التي عرفنا فيما بعد إنها عرضت منذ عامين ولمدة ليلة وحدة.. ونفي بيان النائب العام وجودها من الأصل؟! هل هذه اليقظة بأثر رجعي مسألة طبيعية ؟!