كانت جامعة الدول العربية في 27 ديسمبر الماضي علي موعد مع تنفيذ بعض خطوات الإصلاح التي أقرتها القمة العربية التي عقدت في الجزائر في الفترة من 21- 22 مارس الماضي، حيث انطلقت في القاهرة فعاليات البرلمان العربي الجديد بحضور الرئيس حسني مبارك وممثلين عن كل من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة_ باعتباره رئيسا للقمة العربية الأخيرة والرئيس السوري بشار الأسد باعتبار دمشق دولة المقر الدائم للبرلمان العربي وعمرو موسي الأمين العام للجامعة العربية وأعضاء البرلمان الجديد. ويضم البرلمان العربي 88 عضوا يمثلون 22 بلداً عربياً بواقع أربعة نواب عن كل بلد، وستستضيف دمشق المقر الدائم للبرلمان الذي يطلع بعدة اختصاصات منها تعزيز العلاقات العربية البينية في إطار ميثاق الجامعة العربية، ومناقشة التحديات التي تواجه الدول العربية خاصة في مجال التكامل الاقتصادي، ومناقشة كافة الموضوعات التي يحيلها إليه مجلس الجامعة علي مستوي القمة أو الوزاري أو الأمين العام، مع إبداء الرأي بشأنها ، كما يتولي البرلمان مهام تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم العربي، وتنسيق وتوحيد التشريعات وخاصة قوانين الأحوال الشخصية والتشريعات المدنية والجنائية وإصدار توصيات بشأنها، بالإضافة إلي مناقشة القضايا التي يحيلها إليه مجلس الجامعة، كما يحق للبرلمان إصدار توصيات ترفع إلي مستوي القمة. وركزت الدورة الأولي للبرلمان التي عقدت في مقر الجامعة العربية علي انتخاب رئيس له وتكوين لجنة صياغة لوضع اللائحة الداخلية للبرلمان ، ورحبت الدول العربية بانطلاق فعاليات البرلمان العربي وأكد الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشوري السعودي أهمية الاجتماع الأول للبرلمان العربي في ظل الأوضاع الدولية الراهنة، وانعكاساتها علي القضايا العربية، والإسلامية المصيرية، ولما يشهده العالم من تنامي ظاهرة الإرهاب، وتأثيراتها علي شعوب الدول العربية والإسلامية. وأوضح الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد أن مشاركة مجلس الشوري السعودي في البرلمان العربي الجديد تأتي امتدادا لمواقف المملكة الواضحة تجاه العمل العربي المشترك بما يخدم القضايا العربية والإسلامية ، وقال: "إن المملكة كما هو معروف عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وفي هيئة الأممالمتحدة، وتحتضن وترعي منظمة المؤتمر الاسلامي، والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، إضافة إلي انضمامها مؤخراً إلي منظمة التجارة العالمية مما يؤكد حرصها علي الدخول، والاندماج في جميع التكتلات السياسية، والاقتصادية والبرلمانية، لتعزيز مواقفها المتوازنة، وحضورها الفعال علي خريطة السياسة والاقتصاد الدوليين". ومن جانبه ، وصف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسي بدء فعاليات البرلمان العربي الجديد بأنها خطوة نوعية مهمة في مسيرة العمل العربي المشترك ، مشيرا إلي أن مهمة هذا البرلمان سيكون جهازا تشريعيا عربيا مكملا للأجهزة العربية ويرفع تقاريره للقمة العربية وتحال إليه القضايا ذات الأبعاد العربية ويري مراقبون أن البرلمان العربي الجديد سيساعد علي تمكين المجتمع المدني من المشاركة في صناعة القرارات القومية. ومشاركة المواطن العربي في اتخاذ القرار الخاص بقضايا أمته وأنه في حال نجاحه قد يغير مسيرة جامعة الدول العربية، المشرفة عليه، من جامعة حكومات إلي جامعة شعوب، وأوضح المراقبون أيضا أن انطلاق هذا البرلمان يعتبر تحولا إيجابيا لأنه تنفيذ حقيقي لبعض قرارات القمم العربية وهو أمر لم تعهده الشعوب العربية من قبل ، وفي مواجهة الرؤية السابقة المتفائلة، يشكك مراقبون آخرون في جدوي إنشاء البرلمان العربي وأن هذا البرلمان لن يتجاوز كونه امتداداً لإرادات بعض الحكومات العربية، خاصة وأن أغلب ممثلي الشعوب العربية فيه سيأتون من برلمانات منتخبة بطريقة ال99% أو بطريقة التعيين، وتساءلوا إذا ما كانت العديد من البلدان العربية لا تمتلك برلمانات ليبرالية وديمقراطية بالمعني الصحيح والحرفي للكلمتين، فكيف نتوقع أن يكون البرلمان العربي ديمقراطيا وكيف سيتكون البرلمان العربي؟ يقولون إن كل دولة سترشح ممثليها. وإذن كيف سيكون برلمانا رشحت أعضاءه الحكومات. ثم ما هي نسبة التمثيل؟ فإذا كانت متساوية فسيكون الخلاف حول الالتزامات المالية التي يفترض أن تكون متساوية. ثم كيف يمكن أن يكون هناك برلمان عربي وعدد من الدول الأعضاء في الجامعة ليس لديها برلمانات. ثم كيف تستطيع حكومة عربية تعيين أعضاء في البرلمان العربي الموحد ولديها برلمان منتخب. هل سيتم الاختيار من البرلمان المنتخب، أم سيتم تجاوزه وتعيين آخرين، وما هو موقف البرلمان المنتخب من هذا التعيين. ولنفترض أن كل هذه الصعوبات تم تجاوزها، فهل سيكون لدي هذا البرلمان صلاحيات التشريع أو الرقابة؟ أم هو مجرد منبر يتحدث فيه الأعضاء، وليس في يدهم قدرة علي التشريع والمراقبة؟ "ووفقا لتلك الرؤية فإن البرلمان العربي الجديد لن يختلف عن الجامعة العربية، وسيكون عبئا علي ميزانيات الدول العربية، وسيفشل، لنفس الأسباب التي أدت إلي فشل الجامعة العربية. فالتنسيق العربي غائب، والاستراتيجية العربية غائبة، ولا يمكن الحديث عن برلمان عربي في غياب الديمقراطية داخل كل قطر عربي، بينما كل البرلمانات تتشكل من أطياف مختلفة، ومن معارضين وموالين وأحزاب وغيرها وأخيرا، يمكن القول إنه وأيا كانت وجهات النظر بشأن إنشاء البرلمان العربي الموحد، فإنه يعتبر خطوة علي طريق دعم وإصلاح منظومة العمل العربي المشترك". علي غير العادة انتهت اجتماعات القمة العربية في الجزائربتحقيق نتائج إيجابية واتخاذ قرارات بشأن العديد من القضايا التي تهم الشارع العربي، وكانت أولي ثمراتها منح الشعوب صفة الشريك في أنشطة الجامعة العربية عبر إقرار البرلمان العربي وكان من نتائج تلك القمة إدخال 3 تعديلات علي ميثاق الجامعة العربية تعتبر الأولي من نوعها منذ تأسيس الجامعة قبل 60 عاما وهي إنشاء البرلمان العربي وتعدل المادتين المتعلقتين بالتصويت. وفي حالات الاعتداء علي دولة عضو وتفعيل آلية اتخاذ القرارات وتميزت تلك القمة بالإجماع غير المسبوق والنأي عن الخلافات وإمضاء القرارات بسلاسة من شأنها إعادة ثقة الشعوب العربية في منظومات العمل المشترك، بعد أن درجت القمم السابقة علي إنتاج المرارات وتوسيع الهوة بين الحكومات والحكومات من جهة وبين الحكومات والشعوب من جهة أخري ، وأكد مراقبون أن قمة الجزائر ركزت علي إصلاح منظومة الجامعة العربية وتفعيل آلياتها لتلبية تطلعات الشعوب العربية من ناحية ومواجهة الضغوط الخارجية التي تطالب بالإصلاح وإقرار الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان. ورغم تلك الإيجابيات إلا أن التحدي الذي مازال يواجه الجامعة العربية هو إدخال القرارات التي تتخذها القمم العربية المتتالية دائرة الفعل الحقيقي ومتابعة تنفيذها علي سائر الأصعدة بماينقذ الواقع العربي من داء الخلافات وعدم الفاعلية في التعاطي مع التحديات الراهنة، فالواقع يحتّم التوجه مباشرة إلي تنفيذ هذه القرارات وتحويلها إلي عمل عربي فاعل علي مختلف الساحات المحلية والعالمية، بدءاً من تأكيد الذات، والقدرة علي التحرك الجماعي، ومخاطبة الآخرين بلغة وموقف موحدين، وانتهاء بالتسلح بسلاح الحق والشرعية الدولية والقدرة العربية فائقة التأثير في الملمات، إن مواجهة تحدي العدوانية الإسرائيلية والضغوط الأمريكية تحتاج إلي إصلاح البيت العربي وإعادة النهوض بما يتوافق مع روح العصر تقنياً، وتكريس المزيد من الجهود لبناء الديمقراطية المنسجمة مع الشخصية والحاجات العربية.