تميم البرغوثي يلقي أروع قصائده بدار الأوبرا تميم البرغوثي محيط - رهام محمود بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية لهذا العام ، وإيمانا منها بأن الصراع العربي الإسرائيلي هو ثقافي في جانب خطير منه ، أقامت دار الأوبرا المصرية أمسية شعرية استضافت الشاعر ذائع الصيت والفائز ضمن مسابقة "شاعر المليون" تميم البرغوثي . وقال أسامة هيكل مدير الأمسية : تخطيء إسرائيل حينما تظن أن الوقت كفيل بطمس المعالم الثقافية الفلسطينية، وإخفاء هويتها ؛ فالأجيال الجديدة من الفلسطينيين لم ينسوا الماضي ، ولن ينسوا أبشع الجرائم في العصر الحديث وهي اغتصاب دولة من أهلها وقتلهم وتشريدهم. ثم قدم لشاعر الأمسية الموهوب تميم البرغوثي ، فهو من مواليد القاهرة 1977، ونجل الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، وأستاذة الأدب الإنجليزي د. رضوى عاشور . بالرغم من حداثة سنه إلا أنه أستاذ مساعد للعلوم السياسية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وحاصل على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوسطن عام 2004، ومحاضر بجامعة برلين الحرة، وعمل بقسم الشئون السياسية بالأمانة العامة للأمم المتحدة بنيويورك، وعمل ببعثة الأممالمتحدة بالسودان، وهو باحث في العلوم السياسية بمعهد برلين للدراسات المتقدمة، ويعمل حالياً أستاذاً مساعداً للعلوم السياسية في جامعة جورجتاون بواشنطن. له كتابان في العلوم السياسية، الأول باللغة العربية بعنوان "الوطنية الأليفة" الوفد وبناء الدولة الوطنية في ظل الاستعمار، صدر عن دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة عام 2007، والثاني بالإنجليزية The Umma and the Dawla: the Nation state and the Arab Middle East عن "مفهومي الأمة والدولة في العالم العربي" صدر عن دار بلوتو للنشر بلندن، عام 2008. لدية أيضا أربعة دواوين شعرية، ونالت قصيدة "القدس" شهرة واسعة على مستوى العالم العربي. تميم خلال الاحتفالية احتشد بالقاعة عدد كبير جدا من محبي الشاعر البرغوثي ، وظلوا يصفقون له قبل أن يبدأ لفترة طويلة احتفاءا به ، واستهل تميم إلقائه بقصيدة كتبها إبان الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة ، بعنوان "بيان عسكري" إذا اعتاد الملوك على الهوان فذكرهم بأن الموتَ دانِ ومن صدف بقاءُ المرءِ حَيَّاً على مرِّ الدَّقائقِ والثواني وجثةِ طِفْلَةٍ بممرِّ مَشْفَىً لها في العمر سبعٌ أو ثمانِ على بَرْدِ البلاطِ بلا سريرٍ وإلا تحتَ أنقاضِ المباني كأنَّكِ قُلْتِ لي يا بنتُ شيئاً عزيزاً لا يُفَسَّر باللسانِ عن الدنيا وما فيها وعني وعن معنى المخافةِ والأمانِ فَدَيْتُكِ آيةً نَزَلَتْ حَدِيثاًَ بخيطِ دَمٍ عَلَى حَدَقٍ حِسَانِ فنادِ المانعينَ الخبزَ عنها ومن سَمَحُوا بِهِ بَعْدَ الأوانِ وَهَنِّئْهُم بِفِرْعَوْنٍ سَمِينٍ كَثَيرِ الجيشِ مَعمورِ المغاني له لا للبرايا النيلُ يجري له البستانُ والثَمَرُ الدَّواني وَقُل لمفرِّقِ البَحرَيْنِ مهما حَجَرْتَ عليهما فَسَيَرْجِعَانِ وإن راهنتَ أن الثَأر يُنسى فإنَّكَ سوفَ تخسرُ في الرِّهانِ نحاصَرُ من أخٍ أو من عدوٍّ سَنَغْلِبُ، وحدَنا، وَسَيَنْدَمَانِ سَنَغْلِبُ والذي جَعَلَ المنايا بها أَنَفٌ مِنَ الرََّجُلِ الجبانِ بَقِيَّةُ كُلِّ سَيْفٍ، كَثَّرَتْنا مَنَايانا على مَرِّ الزَّمَانِ كأن الموت قابلة عجوز تزور القوم من آنٍ لآنِ نموتُ فيكثرُ الأشرافُ فينا وتختلطُ التعازي بالتهاني كأنَّ الموتَ للأشرافِ أمٌّ مُشَبَّهَةُ القَسَاوَةِ بالحنانِ لذلك ليس يُذكَرُ في المراثي كثيراً وهو يُذكَرُ في الأغاني سَنَغْلِبُ والذي رَفَعَ الضحايا مِنَ الأنقاضِ رأساً للجنانِ رماديِّونَ كالأنقاضِ شُعْثٌ تحدَّدُهم خُيوطٌ الأرْجُوَانِ يَدٌ لِيَدٍ تُسَلِّمُهم فَتَبْدُو سَماءُ اللهِ تَحمِلُها يدانِ يدٌ لِيَدٍ كَمِعراجٍ طَوِيلٍ إلى بابِ الكريمِ المستعانِ يَدٌ لِيَدٍ، وَتَحتَ القَصْفِ، فَاْقْرَأْ هنالكَ ما تشاءُ من المعاني صلاةُ جَمَاعَةٍ في شِبْرِ أَرضٍٍ وطائرةٍ تُحَوِّم في المكانِ تنادي ذلك الجَمْعَ المصلِّي لكَ الوَيْلاتُ ما لَكَ لا تراني فَيُمْعِنُ في تَجَاهُلِها فَتَرمِي قَنَابِلَها فَتَغْرَقُ في الدُّخانِ وَتُقْلِعُ عَنْ تَشَهُّدِ مَنْ يُصَلِّي وَعَنْ شَرَفٍ جَدِيدٍ في الأَذَانِ نقاتلهم على عَطَشٍ وجُوعٍ وخذلان الأقاصي والأداني نقاتلهم وَظُلْمُ بني أبينا نُعانِيه كَأَنَّا لا نُعاني نُقَاتِلُهم كَأَنَّ اليَوْمَ يَوْمٌ وَحِيدٌ ما لَهُ في الدهر ثَانِ بِأَيْدِينا لهذا اللَّيْلِ صُبْحٌ وشَمْسٌ لا تَفِرُّ مِنَ البَنَانِ وقبل أن يلقي تميم قصيدته الرابعة قال: "جداتنا. لمن لا يعلم الجد ملتقى الحدود بين الأردن والأراضي المحتلة، كنت في إحدى المرات عائدا من "رام الله" وحدث زحام كبير على الجسر لأن امرأتين كبيرتين كانتا عائدتين، حيث كانت حقائب إحداهن تفتش لفترة طويلة، فعطلت كل من يقف على الجسر، فسألتها أختها أو صاحبتها، شو حضرتي معك؟! قالت لها "بلح، ردت عليها "بلح به نوا أم محشي؟"، فقالت "لا أدري هل يفرق؟"، فأجابتها " يفرق، لو محشي تخافي، لكن لو به نوا تمرقي عادي، فخافت السيدة من البلح، وهذه القصيدة لها علاقة بهذه الحادثة: يقول فيها : تمر على الجسر تحمل ما لا يطاق من الأمر هم البلاد ..نعم..وكذلك زيتا لأحفادها وصنوفا من الجبن والمريمية أو قل صنوفا من الحكمة الأبدية مخبوزة في الطوابين مفروشة كالبساتين..مقطوفة من على شجر التين أو كتب الشعر والنثر والدين رأسا إلى قاع زوادها وما كنت أدري لماذا تصمم دوما على حمل كل صنوف الثمار التي خلق الله في زحمة الجسر حتى رأيت مجندة عندها تسعتان من العمر وهي تفتشها وتفتح كل حقائبها ثم تفرشها لأرى بلدا كاملا فوق منضدة الفحص ينشر مثل العلم فقل للعساكر في الجسر يا أمة من غبار الأمم ويا من تهينون أهل الكرامة للعنصرية أو للسأم إلى أن تكون لكم جدة مثلنا إلى أن يدور الزمان وان تحملوا حملنا إلى أن تروا أن قتل سوانا لكم لا يحل لكم قتلنا إلى إن يكون لكم مثل هذا تنحوا وخلوا الطريق لجداتنا إن تمرا لتجعلكم قصة مثل كل من احتلنا هكذا ببراءة حجية لا بقصد ولا نية وبعفوية وهي تصنع شايا لنا بعد ذلك ألقى قصيدة مهداه إلى الشهيد ناجي العلي، حيث أشار إلى أنه "في عام 1984 أتى إلى المجر لعلاج أبنته الطفلة التي لم تتجاوز وقتها السابعة من العمر، فطلبت منه أن يرسم لي "حنظلة" ذلك الطفل الذي يرسمه مواجها لي، وشعره مصفف لا رقعة فيه، فقال لي "أما ترجع أبقا ارسملك إياه"، ورسم لي حنظلة يعطي لي وردة في الصباح يقول لي صباح الخير يا تميم".
ومن قصيدته العامية "عايز أستقيل " قال : عايز أستقيل عَاْيْزَ اسْتَقيلْ عايز استقيل من شرنقة ناسِجْهَاْ مِنْ بحر الطَّويلْ من مُهر معصوبِ العينينْ لكنه معصوم الخُطَى أعْمَى يَبَرْجِسْ في النخيلْ[1] يملا عَبَاْيْةِ النَّخْلِ خيلْ منظر جميلْ وعشان كده بالذات أنا عَاْيْزَ اْسْتَقِيلْ أناْ عاْيْزُه يرجع صفحةْ بيضاْ اْنْ حَدِّ قالْ لَيْ اْرْمِيهاْ في كيسِ الزبالة ماْ اْقُولشِ مِشْ قادِرْ عَاْيْزَ اْسْتَقِيل مِن دِرْعِ من ظِلِّ الحرير الطَّايرْ النور يِعَدِّي منهاْ مِتْسَلِّلْ، مَاْ بالَكْ بالسهامْ كانوا زمان بيشبِّهوها بالغَدِيرْ في الشَّمْسِ سَاْعْةِ العَصْرِ لَجْلِ اللمْعَةْ فوقْ مُوجِ الحديدْ درعي مِرَايَةْ تِتْرِسِمْ فُوْقْهَا وُشُوشِ اللي مِهَاْجْمِيْنِّي، وِتِكْبَرْ لماَّ ييجوا مِن بعيدْ درعي كلامْ، درعي نَشيدْ برد وسلامْ، ع المعتدي وعليّاْ اْنا الحرِّ الشِّديدْ القدس واختتم البرغوثي قصائده بقصيدته الشهيرة "في القدس" قائلا: في القدس مرَرْنا عَلى دارِ الحبيب فرَدَّنا عَنِ الدارِ قانونُ الأعادي وسورُها فَقُلْتُ لنفسي رُبما هِيَ نِعْمَةٌ فماذا تَرَى في القدسِ حينَ تَزُورُها تَرَى كُلَّ ما لا تستطيعُ احتِمالَهُ إذا ما بَدَتْ من جَانِبِ الدَّرْبِ دورُها وما كلُّ نفسٍ حينَ تَلْقَى حَبِيبَها تُسَرُّ ولا كُلُّ الغِيابِ يُضِيرُها فإن سرَّها قبلَ الفِراقِ لِقاؤُه فليسَ بمأمونٍ عليها سرُورُها متى تُبْصِرِ القدسَ العتيقةَ مَرَّةً فسوفَ تراها العَيْنُ حَيْثُ تُدِيرُها
ويقول فيها : في القدس، رغمَ تتابعِ النَّكَباتِ، ريحُ براءةٍ في الجوِّ، ريحُ طُفُولَةٍ، فَتَرى الحمامَ يَطِيرُ يُعلِنُ دَوْلَةً في الريحِ بَيْنَ رَصَاصَتَيْنْ
في القدس تنتظمُ القبورُ، كأنهنَّ سطورُ تاريخِ المدينةِ والكتابُ ترابُها الكل مرُّوا من هُنا فالقدسُ تقبلُ من أتاها كافراً أو مؤمنا أُمرر بها واقرأ شواهدَها بكلِّ لغاتِ أهلِ الأرضِ فيها الزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ والتاتارُ والأتراكُ، أهلُ الله والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ والنساكُ، فيها كلُّ من وطئَ الثَّرى كانوا الهوامشَ في الكتابِ فأصبحوا نَصَّ المدينةِ قبلنا يا كاتب التاريخِ ماذا جَدَّ فاستثنيتنا يا شيخُ فلتُعِدِ الكتابةَ والقراءةَ مرةً أخرى، أراك لَحَنْتْ
العين تُغْمِضُ، ثمَّ تنظُرُ، سائقُ السيارةِ الصفراءِ، مالَ بنا شَمالاً نائياً عن بابها والقدس صارت خلفنا والعينُ تبصرُها بمرآةِ اليمينِ، تَغَيَّرَتْ ألوانُها في الشمسِ، مِنْ قبلِ الغيابْ إذ فاجَأَتْني بسمةٌ لم أدْرِ كيفَ تَسَلَّلَتْ للوَجْهِ قالت لي وقد أَمْعَنْتُ ما أَمْعنْتْ يا أيها الباكي وراءَ السورِ، أحمقُ أَنْتْ؟ أَجُنِنْتْ؟ لا تبكِ عينُكَ أيها المنسيُّ من متنِ الكتابْ لا تبكِ عينُكَ أيها العَرَبِيُّ واعلمْ أنَّهُ في القدسِ من في القدسِ لكنْ لا أَرَى في القدسِ إلا أَنْتْ
صالون الاوبرا الثقافي كما استضاف الصالون كورال "عباد الشمس" باتحاد المرأة الفلسطينية، الذي شدا بمجموعة من أجمل الأغاني التراثية والوطنية الفلسطينية. وقد تأسس هذا الفريق عام 1987، وضم مجموعة من الشباب والأطفال والمسنين، وهدفه الحفاظ على الهوية الفلسطينية بالكلمة المغناة من الشعر والتراث. وللفريق ملحنان مصريان ملتزمان بالفكر الوطني العربي، هما محمد عزت وجمال عطية، وقد حصل هذا الفريق على العديد من الجوائز منها جائزة فريق الكورال العربية من دار الأوبرا المصرية، وجوائز مهرجان الإذاعة والتليفزيون لثلاث دورات متتالية، وأخرى من عدة جامعات مصرية. زار هذا الفريق الأرض الفلسطينية المحتلة عامي 1996 و 1998، وهذا الفريق هو خامس مجموعة كونها اتحاد المرأة الفلسطينية للكورال، والتي يديرها الأستاذة صباح الققرش.