يعتبره الخبراء "جريمة" بحق الفقراء الوقود الحيوي سبب رئيسي لتفجر موجة الغلاء في العالم
محيط - محمد السيد
تواجة دول العالم موجة غير مسبوقة من الغلاء، يصحيها نقص في الحبوب الغذائية، خاصة في الدول الفقيرة التي لا تكتفى بإنتاجها المحلي من الغلال، بل تضطر إلى الاستيراد من الدول الكبري لسد حاجتها من الغذاء.. وقد دفعت هذه الموجة العاتية خبراء الغذاء في العالم للبحث عن الأسباب الخفية وراء أزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً .
وبعد دراسات مستفيضة، وجد خبراء الغذاء بالأممالمتحدة أن اتجاه الدول الكبري إلى تحويل المحاصيل الزراعية كالذرة والقمح والسكر، إلى وقود حيوي نظراً لارتفاع أسعار النفط عالمياً، يعتبر سبباً رئيسيا في تفجر موجة الغلاء في العالم، واعتبروا أن التأثير الذي تركه هذا النوع من الوقود على أسعار الغذاء حول العالم يمثل "جريمة ضد الإنسانية" بحق الفقراء.
وأشار خبراء الغذاء إلى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا قد سلكا "طريقاً إجرامياً"، عبر اللجوء إلى استخدام الحبوب الغذائية في إنتاج الوقود الحيوي "الإيثانول"، وهو ما اعتبره الخبراء أنه ساهم بشكل كبير في "تفجر" موجة غلاء شملت أسعار الغذاء بجميع أنحاء العالم.
وأوضح جون زيجلر المقرر الخاص المعني بحق الغذاء بالمنظمة الدولية أن سياسات الوقود الحيوي التي تنتهجها كل من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، تعتبر أحد أهم الأسباب لأزمة الغذاء العالمية الراهنة، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من الدول الفقيرة نقصاً حاداً في المواد الغذائية.
وأشار الخبير الأممي، في مؤتمر صحفي بالمقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، إلى أن الولاياتالمتحدة قد استخدمت ثلث محصولها من الذرة في إنتاج الوقود الحيوي، فيما يعتزم الاتحاد الأوروبي استخدام الوقود الحيوي بنسبة تصل إلى عشرة %، وفقا لشبكة CNN.
وكان زيجلر قد طالب، في وقت سابق، بوقف اختياري لاستخدام الوقود الحيوي لمدة خمس سنوات على الأقل، لتجنب هذا الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء عالمياً، وفقاً لما جاء في بيان نُشر على موقع الأممالمتحدة.
وفي العاصمة الإيطالية روما، قال أندور ثورن ليمان خبير التغذية بمنظمة الأغذية والزراعة "فاو" إن "ارتفاع أسعار الغذاء تعني تحديدًا نزع الطعام من أفواه الأطفال الجوعى، الذين لا يستطيع ذووهم إطعامهم".
وقال ليمان، في تصريحات نقلها راديو الأممالمتحدة، إن الأسر في الدول النامية قد تناقصت قوتها الشرائية للطعام، بسبب ارتفاع الأسعار، مما يعني شراء كمية أقل من الطعام أو الحصول على غذاء أقل فائدة.
مخاوف أوروبية
وفي هذه الأثناء، أكد ستافروس ديماس المفوض الأوروبي للشئون البيئية، إن الاتحاد الأوروبي لم يتوقع المشاكل التي يمكن أن تتسبب فيها سياسته الهادفة إلى تخصيص نسبة 10 في المائة من وقود السيارات للوقود الحيوي، المستخرج من النبات.
وحذرت دراسات أجريت مؤخراً من احتمال ارتفاع سعر المواد الغذائية وتدمير الغابات الاستوائية، بسبب عملية استخراج الوقود الحيوي، وتعهد الاتحاد الأوروبي بإعداد دليل جديد لضمان تنفيذ سليم لسياسته في هذا المجال.
وأوضح المفوض الأوروبي لشئون البيئة أنه من الأفضل التخلي عن هذه الأهداف، إذا كان بلوغها سيؤذي الفقراء، والبيئة على السواء، وقبل عامين كان الوقود الحيوي طوق النجاة بالنسبة لمصنعي السيارات، الذين تعاظمت الضغوط عليهم من أجل العمل على تخفيض انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، واقتنع الاتحاد الأوروبي بالفكرة، وأعد خطة، للشروع في استخدام الوقد الحيوي.
وأضاف الباحثون، أن الاتحاد الأوروبي سيعتمد نظام توثيق خاص بالوقود الحيوي، كما تعهد بأن يحد من استعمال وقود الديزل المستخرج من زيت النخيل والذي يتسبب في تدمير الغابة بإندونيسيا.
كارثة أخرى
ولم يتسبب الوقود الحيوي في ارتفاع أسعار الغذاء فحسب، بل تخطت التداعيات إلى أبعد من ذلك، فقد أكد خبراء بيئيون من خلال ثلاث دراسات حديثة أن عملية إنتاج الوقود الحيوي يمكن أن تعجل حدوث التغير المناخي لكوکب الأرض في الكثير من الحالات بشكل هائل.
ووجد الباحثون في الدراسات التي نشرتها مجلة "ساينس" الأمريکية ومجلة "تموسفيريك شيمستري اند فيزيكس" أن زراعة نبات الذرة والشلجم ونخيل الزيت بشكل واسع يؤدي غالبا إلى انبعاث غازات احتباسية أکثر مما يتم توفيره من الوقود الحيوي المستخلص من هذه النباتات، لأن إنتاج الوقود الحيوي يتطلب تدمير غابات مدارية وتحويلها الى أراضي زراعية.
وأوضح البروفيسور بول کروتزين الحاصل على جائزة نوبل للكيمياء إن الأسمدة المستخدمة بكثافة في زراعة النباتات التي يستخلص منها الوقود الحيوي تؤدي إلى انبعاث کميات أکبر مما کان يعتقد حتى الآن من أحد انواع الزيوت الاحتباسية الخطيرة.
وأضاف کروتزين أن استخدام النفايات الزراعية ونفايات الغابات أو الحشائش التي لا يستخدم فيها الکثير من الأسمدة في انتاج الوقود الحيوي يعتبر صحيا بالنسبة للمناخ.
من جهة أخرى، أشار البروفيسور جوي فراجيون، المشرف على هذه الدراسات من منظمة نيتشر کونسيرفين لحماية البيئة, إلى أن إخلاء الغابات من أشجارها باستخدام النيران في اندونيسيا لزراعة محاصيل تدخل في انتاج الوقود الحيوي يتسبب في انبعاث کميات من ثاني أکسيد الکربون أکثر 400 مرة مما يمکن توفيره من خلال إنتاج زيت النخيل في نفس المساحة هذا العام.