يعرفه المترددون على ميدان قصر الدوبارة (سيمون بوليفار حالياً) باسم "أردوغلى" وأحياناً يطلقون عليه اسم (لاظوغلى) فى خلط واضح بينه وبين الميدان الشهير الذى تقع به وزارة العدل فى القاهرة.. والحقيقة أن القصر الأثرى الفخم اسمه "قازدوغلى" و تم بناؤه عام 1900 وسكنه صاحبه "إيمانويل قازدوغلى" وشيده على الطرازالبيزنطى الذى كان يعشقه.. القصر بناه المهندس النمساوى الشهير إدوارد مناسك الذى بنى بعد ذلك قصر البارون إمبان فى مصر الجديدة.. وكان مالكه الأول المليونير اليهودى فيلكس سوارس ثم انتقلت ملكيته إلى "قازدوغلى" الذى ظل فيه إلى أن توفى فى 1946 وأصبح بعدها مقراً لإقامة السفير الأمريكى فى مصر حتى عام 1947 إلى أن قامت الثورة المصرية عام 1952 وانتقلت ملكية القصر إلى وزارة التعليم المصرية وتحول إلى مدرسة إعدادية.. غير أن مركز احياء التراث التابع لليونسكو وضع خطة متكاملة لترميم هذا المبنى من خلال دراسات كاملة مولتها السفارة الأمريكية احياء لذكرى بعثتها الدبلوماسية الأولى فى مصر.. هيئة اليونسكو صنفت القصر باعتباره واحدا من ثلاثة قصور فقط فى العالم.. ويتميز من الداخل ب 18 لوحة تعبر عن مؤلفات "فاجنر" الموسيقار العالمى .. كما تعتبر ديكورات القصر وأثاثه من أجمل وأرقى الأثاث فى العالم حيث قام بيت الأثاث العالمى "كريجر" فى ألمانيا بفرش القصر من الألف للياء.. كما أن به مرآة رائعة تقول اليونسكو فى سجلاتها أنها الوحيدة فى العالم.. لا أريد أن أطيل فى وصف القصر , لكن ما يهمنى أن ثورة يناير 2011 قد أثرت بالسلب عليه وأصبح مأوى للبلطجية والفتوات وأطفال الشوارع وتم سرقة معظم نفائسه رغم أن وزارة الثقافة تنكر هذا.. وقبل شهور كما قلت كان "قصر قازدوغلى" الأثرى يشمخ فى ميدان سيمون بوليفار ، فى حى جاردن سيتى المطل على ميدان التحرير فى قلب القاهرة , مزهواً ببراعة تصميمه وجمال زخارفه المنقوشة على بوابته ونوافذه الزجاجية ، وحتى سوره الحديد الخارجى، ليكون متعة للناظرين من المارة إلى تلك التحفة المعمارية القابعة فى حضن أشجار حديقته. لكن هذا القصر التراثى انهار كما أشياء أخرى أمام "الخلافات السياسية" التى تحولت منذ نوفمبر الماضى إلى اشتباكات ضارية بين الأمن والمتظاهرين فى محيط ميدان التحرير، وكان لميدان سيمون بوليفار نصيب منها. فترك القصر الأثرى مذاك وحتى الآن نهباً للبلطجية الذين سرقوا تحفاً نادرة من محتوياته،وشوهوا جمالاً قلما وجد فى عاصمة تضربها العشوائية فى تفاصيلها. "وقصر قازدوغلى" تبلغ مساحته حوالى 700 متر وشيد فى قطعة أرض تتجاوز 1800 متر مربع ومكون من طبقتين بارتفاع 16 متراً، ويضم عشرات الغرف ، وزينت جدرانه بزخارف نحاسية وخشب البندق المطعم بسن الفيل. وضم مدافىء رخامية مزينة بمرايا بلجيكية. وتحول القصر لفترة إلى مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم قبل أن يشتريه رجل أعمال بارز , ولم تمهل الثورة الدولة اتخاذ إجراءات مصادرته لمصلحة وزارة الآثار. ومع انتقال الاشتباكات التى شهدها شارع محمد محمود إلى ميدان سيمون بوليفار، لجأت السلطات المصرية كدأبها إلى الحل السهل: بناء أسوار خرسانية لعزل المتظاهرين عن قوات الشرطة التى تتمركز خلف سور كبير يفصل السفارتين الأميركية والبريطانية عن محيط ميدان سيمون بوليفار. وتمركزت قوات الأمن أمام السفارتين, تاركة منطقة القصر الأثرية "فى عهدة" المتظاهرين، ومن بعدهم البلطجية الذين هدموا السور الخارجى للقصر، وكسروا بوابته الشامخة، وحولوه إلى وكر لهم ، يبيتون فيه ومعهم "أطفال بلا مأوى". وانتزع المخربون كل نوافذ القصر المصنوعة من خشب البندق المطرز بالصدف، وبوابته الداخلية وكسروا زجاج النوافذ المزخرف. وبفعل الاشتباكات وتساقط قنابل الغاز المسيل للدموع وزجاجات المولوتوف داخل القصر،اندلعت حرائق أتت على زخارفه الجدارية التراثية. وعلى رغم أن وزارة الآثار أكدت أن مبنى القصر فقط هو المسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية، وأن مقتنياته الداخلية ليست أثرية.فى مسعى للتقليل من وطأة "ضياع تراث" نادر ، الا ان الأضرار التى لحقت بالقصر يصعب ترميمها. فالأبواب والنوافذ نهبت والسقوف والجدران شوهت والمدافىء والمرايا والزخارف النحاسية انتزعت والأعمدة الخشبية المطرزة دمرت. ولم يبق من المبنى الأثرى إلا جدران يكسوها غبار أدخنة الحرائق. وجزء من السور الخارجى كتب عليه: "بيت أطفال الثورة" ويبدو أنه التعبير الحديث لكلمة ملجأ أو دار أيتام. وبعدما انتهت الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين ،انتبهت السلطات إلى أن قصراً أثرياً نهب وتحول وكراً للبلطجية، فأرسلت قبل أيام عمالاً تحميهم قوات أمن لإعادة بناء السور الخارجى تمهيداً لترميم الداخل. وبعد أن بنى العمال نهاراً جزءاً من السور، هدمه قاطنو القصر من البلطجية ليلاً. فغضب العمال وحماتهم من رجال الأمن وقرروا ألا يعيدوا الكرة، ليرتع "البلطجية فى قصرهم" الملاصق لمبنى مقر الأمن العام التابع لوزارة الداخلية!! إنها المرة الأولى التى يمرح فيها البلطجية فى قصر تاريخى عالمى تحاول اليونسكو انقاذه لكنها تفشل أمام الإنفلات الأمنى السائد، ويخشى المثقفون والأثريون أن يلحقه ما لحق المجمع العلمى الجغرافى فى شارع القصر العينى بعد حرقه.. إنها أهم وأخطر عيوب الثورة التى أنجبت مجرمين وبلطجية تحت عباءة التظاهر السلمى والتعبير عن حرية الرأى فكانت سوءتهم الكبرى قتل الثقافة والحضارة المصرية..