ألقت الاحتجاجات الغاضبة في تركيا بظلالها على الزيارة التي كان مقرراً أن يبدأها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى المغرب اليوم الاثنين، في مستهل جولة مغاربية، حيث تظاهر عشرات المغاربة أمس، رافضين هذه الزيارة. وقد تزامن انفجار الأوضاع في تركيا مع مظاهر الأزمة الحكومية في المغرب، مما قد يقلل - بحسب مراقبون - من الرهان على وضع الزيارة في سياق تعاون شامل بين البلدين على مستويات إقليمية عدة. وتعد زيارة أردوغان هي الأولى منذ تولي زعيم «العدالة والتنمية» عبدالإله بن كيران رئاسة الحكومة المغربية، خاصة بعد أن صرح أكثر من مرة بأنه «يعتز بالتجربة المغربية». الفساد مرفوض وجاء استقبال المغاربة لزيارة أردوغان بمسيرة "رد الاعتبار"، حيث تظاهر عشرات المغاربة من حقوقيون وأعضاء حركة 20 فبراير الأحد، للاحتجاج على ما قالوا أنه عنف تعرضوا له الأحد الماضي، ورفعوا شعارات منددة بالفساد ورافضة لزيارة اردغان إلى المغرب التي من المقرر أن تبدأ اليوم الاثنين، مثل "الشعب يريد إسقاط الفساد". كما رفع المتظاهرون لافتة "لا لزيارة المجرم أردوغان" ورددوا شعار "تركيا الفاشية.. لا عدالة لا تنمية"، تضامنا مع المحتجين الأتراك على حكومة اردوغان، ومرت المظاهرة في جو سلمي. وكان أعضاء من حركة 20 فبراير وحقوقيون من الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تظاهروا الأحد الماضي في الرباط للمطالبة بالافراج عن المعتقلين السياسيين وقالوا: "إنهم تعرضوا للعنف والسحل في الشارع العام". الغالبية والمعارضة وحول ملامح العلاقة بين المعارضة والغالبية بالمغرب، فقد شهدت في الآونة الأخيرة أزمات متكررة، كان آخرها مقاطعة فصائل كتل المعارضة في مجلس النواب الجمعة الماضية، جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة عبدالإله بن كيران الذي وجد نفسه يخاطب كتل الغالبية فقط بعد انسحاب كل من «الاتحاد الاشتراكي» و «تجمع الأحرار» و «الأصالة والمعاصرة» و «الاتحاد الدستوري». وذكرت جريدة «الحياة» اللندنية أن الكتل النيابية في المعارضة اتهمت حكومة بن كيران ب «إيهام الرأي العام بأن الخلافات تطاول المحاصصة الزمنية في المداخلات، لتحويل الأنظار عن حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تهز البلاد». وأكدت المعارضة أن المسألة تخص «ممارسة الحكومة رقابة قبلية على البرلمان» من خلال اختيار القضايا موضع المساءلة، ووصفت تمسك الحكومة بصيغتها بأنه «ينقض حق المعارضة في الرقابة». ودعت بن كيران إلى مصارحة الرأي العام بحقائق الأزمات التي تجتازها البلاد، خصوصاً تراكم الديون الخارجية ومعاودة فرض وصاية صندوق النقد الدولي، ورأت أن تبرير العجز الحكومي «بوجود قوى خفية هلامية» لا يسعف في التهرب من المسئولية. وفي مقابل ذلك، أصر رئيس الحكومة أمام مجلس النواب على التزام حكومته مواصلة الإصلاحات، وقال: "إنه سيمضي قُدماً في معاودة النظر في دور صندوق المقاصة (دعم الدولة المواد الاستهلاكية الأساسية، مثل الدقيق والزيت والسكر) وإصلاح نظام الإحالة على التقاعد مهما كلفه ذلك من تضحيات". واتهم الجهات التي تعرقل الإصلاح بأنها تسعى إلى الإفادة من استمرار مظاهر الفساد، وقال: "إن حكومته جاءت للوفاء بأجندة إصلاحية تستند إلى ثقة الناخبين الذين وضعوا ثقتهم في حزبه«العدالة والتنمية»". عراقيل الرهان وحول زيارة أردوغان إلى المغرب المقررة اليوم، فكانت لها مطامع خفية وأهداف معلنة بحسب بعض المصادر الحزبية المغربية، حيث رأت أن حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي الذي يقوده بن كيران كان يعول على الزيارة لدعم نفوذه الذي بات يتعرض للاهتزاز في مواجهة مطالب المعارضة. ولكن وفي خضم هذه المطامع، جاءت أحداث «ساحة تقسيم» بتركياً وألقت بظلالها على هذا الرهان، خصوصاً أن أردوغان يواجه صعوبات في تدبير الشأن العام. ومن الجانب المغربي، فقبل أن يحل المسئول التركي بالرباط اشتدت التظاهرات الرافضة للزيارة، كما جاءت مقاطعة فصائل كتل المعارضة في مجلس النواب الجمعة الماضية جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة . وعن الزيارة فمن المقرر أن يجري رئيس الوزراء التركي محادثات سياسية مع نظيره المغربي، كما سيجتمع مع رئيسي مجلس النواب كريم غلاب والمستشارين محمد الشيخ بيد الله. ورجحت مصادر سياسية أن تعرض المحادثات تطورات الوضع الإقليمي في منطقة شمال أفريقيا، خصوصاً أن المسئول التركي من المقرر أيضاً أنه سيزور الجزائر وتونس، إضافة إلى تنسيق الجهود في مواجهة الأزمة السورية ومحور العلاقات الثنائية والاقتصادية بين البلدين. كما ينتظر كذلك أن تقدم إحدى الجامعات المغربية بمناسبة زيارة اردوغان للمغرب، منحة دكتوراه فخرية تقديرا له على مجهوداته و مستواه المعترف بها دوليا. أهداف مسبقة وحول خلفيات ومرامي زيارة أردوغان للمغرب، قبل ظهور تلك المستجدات وهذا الانفجار، أكد الدكتور إدريس بوانو الخبير في الشأن التركي لجريدة "هسبريس" الإلكترونية المغربية، أن هذه الزيارة تكتسي أهمية كبرى بالنسبة للبلدين، انطلاقا من الروابط الحضارية والتاريخية والثقافية والاقتصادية التي تجمع بين البلدين. كما ذكر أورد بوانو أن زيارة أردوغان للرباط ستزيد من تمتين العلاقة بين البلدين، كما ستكون مناسبة لتعميق التشاور في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، فالبلدان يكتسبان بمصداقية كبيرة لدى المنتظم الدولي، لكونهما يتمتعان باستقرار سياسي ومناخ ديمقراطي، وأيضا بدينامية اقتصادية وتنمية اجتماعية. وبخصوص أهداف الزيارة، قال بوانو: "إنها تحمل في أجندتها عدة أهداف؛ منها السياسية والاقتصادية"، فعلى المستوى السياسي، ذكر بونو أنها تهدف إلى دعم المسار الإصلاحي الذي سلكه المغرب، والمتمثل في إحداث التغيير والإصلاح من داخل الاستقرار، وهو نفس النهج الذي سلكته تركيا في العشرية الأخيرة فيما يعرف بالثورة الصامتة التي قادها حزب العدالة والتنمية التركي، وأدت إلى المكانة التي تبوأتها اليوم على الصعيد الإقليمي والدولي. وتابع بوانو بأنه على الصعيد الاقتصادي، هناك أهداف اقتصادية ضمن أجندة الزيارة الرسمية، والدليل حجم الوفد المرافق للسيد طيب أردوغان في زيارته الرسمية الثانية للمغرب، فهناك حوالي 300 رجل أعمال من الصناع والتجار ومسؤولي كبار الشركات والمصانع التركية. واضاف بوانو أن هناك طموح لدى مسئولي البلدين إلى تطوير حجم التبادل التجاري، حيث انتقل حجم التبادل التجاري من 500 مليون دولار خلال سنة 2006 إلى أكثر من مليار خلال سنة 2011 ، غير أن رغبة البلدين تكمن في رفع هذا الرقم ليصل إلى خمسة مليارات دولار في السنوات القليلة المقبلة. وأضاف بوانو قائلا: "أنه كان هناك طموح لتعديل كفة الميزان التجاري بين البلدين، فهي لحد الآن لصالح الدولة التركية، لكن أتوقع خلال اجتماع المسؤولين أن يتم البحث في سبل تصحيح هذا الاختلال من خلال مقترحات، لعل من أبرزها جعل المغرب منصة صناعية كبرى لفائدة المصانع والشركات التركية نحو إفريقيا وباقي دول العالم، بدل أن يكون المغرب فقط سوقا للسلع التركية، باعتبار أن المغرب يملك مؤهلات جد هامة ستساهم لا محال في تحقيق هذا الغرض، وبالتالي سيعم الرفاه والازدهار كلا البلدين". ولكن بعد انفجار الأوضاع بتركياً والانقسام المشتعل بالمغرب والذي يواصل مهاده، هل ستتحقق أهداف تلك الزيارة أم سينشغل كل طرف بأمور بلاده الداخلية؟