- خطاب : ملحمة بنى هلال إحدى محاولات العولمة المبكرة - بمسرحية " الزناتى " عندما يضيع الأهل و الوطن فى سبيل العشق - تسقط المدن عندما يتسائل حماتها عن جدوى حمايتها "فضاء ملحمى يجمع بين الواقع و التاريخ و الأسطورة" هكذا وصف د. سيد خطاب الرئيس السابق للرقابة على المصنفات الفنية مسرحية "الزناتى" تأليف محمد أمين عبد الصمد، و الصادرة عن هيئة قصور الثقافة. ووصف خطاب فى تقديمه للعمل أنه ليس فقط عمل إبداعى تراثى بل هو مزيج بين الفن و الواقع، بين حادثة تاريخية أو سلسلة من الحوادث فى تاريخ حروب القبائل العربية. و الجديد فى هذة المسرحية أن بها راويان، كما عبر أمين أن أحد الراويان تقليدى ، يدافع عن الأبطال و يحافظ على شكلهم التقليدى و يبرر لهم أفعالهم، أما الراوى الثانى فيناقش الأحداث و يفسرها، و يسخر من البطولات الزعومة والخرافات. و شبه خطاب ذلك بأنها حالة صراعية بين رؤيتين أو أكثر تتحول فيها المادة التراثية إلى نسيج حى من شخصيات و صور تتحرك فى الزمان و المكان بحرية شديدة . كما صور خطاب ملحمة بنى هلال بإحدى محاولات العولمة المبكرة التى صاغت القبائل فى دول، و الدول فى قوميات، و أسهمت فى انصهار ثقافاتها المتعددة، ووصف معالجة أمين للمسرحية ب " عقلنة التراث"، و يمثل إعادة قراءة للتراث . و يكمل خطاب أن المسرحية تطرح سؤالا عن مدينة الزناتى " تونس " التى حاصرها بنو هلال لسنوات لم تستلم فيها، و استسلمت لمحاصريها عندما سلمت نفسها للخرافة، قائلا ً " المدينة المحاصرة لا تسقط لضعف أسوارها أو قلة حراسها، و لكن عندما يتساءل حماتها عن جدوى حمايتها" . كما تطرح المسرحية تساؤل عن " الديكتاتور العادل " الذى يمثل نمط الأبطال و الحكام العرب، ويمثله " الزناتى " الذى يرتبط مصير مدينته بمصيره، و يختم بقوله الإنسان هذا الكائن الصغير كبير بإرادته التى يواجه بها مصيره المحتوم حتى و إن اتخذ شكل نبوءة أو لعنة متوارثة . المسرحية مكتوبة باللهجة الصعيدية التى قد تشكل صعوبة لبعض القراء، و لكنها تحمل رؤية جديدة للتراث و معانى البطولة و الفروسية و الديكتاتور العادل . تحكى المسرحية عن تناحر القبائل العربية قديما بين " الهلايلة " بدو و حكام نجد، الطامعين فى تونس الخضراء ، و بين حاكم تونس " الزناتى خليفة " الذى يقف بالمرصاد كالأسد القابع ليحمى عرينه ، و الذى ينتظر الجميع سقوطه بفارغ الصبر لتقع تونس بين أيديهم . لقد كان حاكم تونس " الزناتى خليفة " فارس شديد البأس و حاكم عادل و محبوب من شعبه، لكنه يحكم بسلطة مطلقة، و لم يكن يشرك الأمراء فى الحكم و لا الشورى، كان يرى أنهم لا يصلحون، و عدم استعانته بهم جعلهم يمضون فى اللهو و الترف، و أخذ الحقد يتزايد فى قلوبهم لاستبعاده إياهم . أما عن " أبو زيد الهلالى " فهو فارس مغوار شديد المكر و الدهاء، لا يمانع الخيانة والغدر و استخدام النساء لتحقيق أغراضه فكان يبرر كل شئ ، و عندما يسأل عن الشرع و الدين يجيب الضرورات تبيح المحظورات !! ، تخفى أبو زيد فى صورة عبد و أخذ معه الأمراء الثلاثة "مرعى و يونس و يحيى "، و اتجه إلى تونس . و من حيث لم يتوقع " الزناتى " جائت الخيانة ، فلم يبيعه الأمراء فقط بل ابنته " سعدى " التى اشتعل قلبها بحب مرعى ، و كذلك ابنة أخيه " عزيزة " التى أحبت يونس ، فباعا وطنهم و أهلهم فى سبيل العشق . فساعدتا الأمراء و أبوزيد لمعرفة أخبار الزناتى ، و أعطت سعدى لمرعى خرائط تونس و كم الأسلحة و العتاد بها، و كانت سعدى تحاول التأثير على والدها بالخديعة لتسير الأمور لما فيه صالح الهلايلة، فمن أجل العشق ساعدتهم على التخلص من أبيها و الاستيلاء على تونس ، فى حين كان المخلص الوحيد للزناتى هو " الهصيص " الذى كان ينصحه بالعقل و المنطق . و استغل أبو زيد أسر الأمراء الثلاثة لدى الزناتى لقتلهم عبيده ، و عاد لنجد ليشعل الحرب ، و موت الأمير يحيى بلدغة ثعبان فى الأسر أشعل نيران الحرب أكثر و أكثر ، و انضم أمير العراق " الخفاجى " بجيوشه للهلايله تاركا وطنه و أهله ورائه ليحارب قوم ليس بينه و بينهم عداوة ، فقط من أجل العشق. حيث وقع فى غرام " وطفا " ابنة " دياب الزغبى " و الزغايبة من نجد ، و لكن دائما ما ينظر لهم الهلايلة بنظرة دونية ، و كان هناك عداء بين دياب و أبو زيد ، و لكنه استغل الصداقة التى بين دياب و الخفاجى لإقحامه فى الحرب معهم . و لم يكتفى أبو زيد بذلك و أغرى الأمير " العلام " من أمراء تونس لينضم لهم ،و أغراه بحب " الجازية " ، و مرة أخرى ينتصر العشق و الأحقاد على حب الوطن و الأهل . و مع ذلك وقف الهلايلة عاجزين 14 عاما أمام أسوار تونس الحصينة ، و برغم كبر سن " الزناتى " و لكنه كان سدها المنيع ، فى قلب المعركة كان يفر الجميع من أمامه حتى أبوزيد ، و كانت " سعدى " تقرء الرمال لتعرف منها الطالع ، و أخبرت والدها و أعدائه أن نهايته على يد " دياب " و لا أحد غيره. لم يهتم الزناتى بنبوءة سعدى فكان يعلم أن الله وحده من يعلم الغيب ، و لكن القدر لعب لعبته ، و خان أبوزيد الخفاجى و قتله فى ساحة المعركة ليجبر دياب على المشاركة و قتل الزناتى ، و لكن لم يغرى دياب سوى الملك . و مات البطل الزناتى على يد دياب ، و آخر كلماته أن موته سيكون على الهلايله لعنة سيتوارثوها ، و بسقوط الزناتى استولى دياب و الزغايبة على تونس ، فانقلب الهلايله و الزغايبة ضد بعضهم ، و قتل دياب أبوزيد ، و قتل مرعى دياب ، ثم قٌتل مرعى ، و أنتهى بهم الأمر يقتلون بعضهم البعض ، ليتوارثوا لعنة الزناتى من جيل لآخر و " كل دين أصله سلف " .