مع كل كتاب تكشف أحلام مستغانمى عن ولعها أكثر بالموسيقى ، التى تتخلل رواياتها ، لتكون أشبه بنوتاتها الموسيقية الخاصة ، و ظهر ذلك جليا فى روايتها " الأسود يليق بك " ، قائلة " نثرت كل هذة النوتات الموسيقية فى كتاب ..علنى أعلمها الرقص على الرماد .. من يرقص ينفض عنه غبار الذاكرة " . و مع كل حركة راقصة ننتقل من فصل لآخر فكما تقول أحلام " الحب لا يعلن عن نفسه ، لكن تشى به موسيقاه ،شئ شبيه بالضربات الأولى فى السمفونية الخامسة لموزار " ،و " الحب قبل أن يكون كيمياء هو إيقاع كائينين متناغمين .. الحب هو اثنان يضحكان للأشياء نفسها ، يحزنان فى اللحظة نفسها ، يشتعلان و ينطفئان معا بعود كبريت واحد ، دون تنسيق أو اتفاق " و تبدء القصة مع فتاة " من حيث جاءت تولد النساء جبالا أما الرجال فيولدون مجرد رجال "من مدينة " مروانة " بجبل الأوراس بالجزائر عاشت هالة " حيث لا يبكى فيها الناس إلا غنائا " ، و مع ذلك فيجب أن تخشى على نفسك إن كنت فنانا ، فخرجت هالة من الجزائر مع والدتها بعد أن اغتيل والدها المغنى و عازف العود ، و أخوها على يد الإرهابيين . و رغم أن وظيفة هالة التدريس و لكنها ورثت عن والدها موهبة الغناء ، و أبت رغم الخطر أن تمر الذكرى الأولى لوفاة والدها دون أن تغنى أغنيته المفضلة ، قائلة " أنازل القتلة بالغناء ليس أكثر .. إن واجهتهم بالدموع يكونوا قد قتلونى أنا أيضا " ، فهى تؤمن أن الإرهاب المعنوى يفوق جرائم الإرهابيين " . هكذا بدأت كفاحها و مسيرتها الفنية متسلحة بصوتها ، مرتدية الحداد فى ثوب أسود ، و فى أول ظهور تلفزيونى لها جذبت نظره ، رجل أعمال لبنانى لم يكن جمالها هو من آسره ، بل حديثها و ذكائها ، حسدها لأنها تملك قضية و ما عادت له قضايا منذ زمن ، كانت شجاعة و مكابرة و تملك حسا وطنيا . فى ثانى لقاء تلفزيونى لها أرسل لها باقة ورود التوليب ، و كارت يحوى ثلاث كلمات فقط دون اسم " الأسود يليق بك " . رجل الغموض لون حياتها بالورود و ثلاث كلمات يختصر فيهم الآلآف الكلمات لا تدرى من أين يقطفها لها كل مرة ، فلم يترك حفلا لها أو لقاء إلا و أرسل لها وروده ، و لم يزد أبدا عن الثلاث كلمات . كانت حياتها ساكنة حتى جاء وألقى حجراً في بركة أيامها الراكدة، مُخلّفاً كلّ دوائر الأسئلة ، جعلها تفضل وهم الحب على اللاحب ، فمن حيث جائت كان" الحب " من المحرمات ، يواجه أى رجل و امرأة يجلسون وحدهم خطر الاعتقال ، و عندما خط تلميذ لزميلته كلمة أحبك على ورقة ، طرد من المدرسة فبعدها " سيكون صعبا على هذا الفتى أو أترابه أن يكتبوا بعد اليوم هذة الكلمة .. أو أن يقولوها فى حياتهم لأحد " . كانت تنقصه إمرأة مثلها كى يتعافى و يتخلص من كل الأجهزة الصناعية التى يستعين بها على حياة فقدت مباهجها ، ، حلق بها بجنون المواعيد المبهرة حيث لن تصل قدماها أبدا ، و كأن كل شئ بينهما حدث سينمائيا فى عالم افتراضى . و لكن كان عاشقها كالطغاة ، فهى من نازلت بحنجرتها القتلة وتصدت لإرهاب الدولة ، و إرهاب العائلة ، ها هى أمام الاستبداد العاطفى ، كان الغناء لها ضربا من الكرامة و لم يفارقها إحساس أن الرجل يهين سخائها بثرائه ، و لكنها اشترت ألمها بعملة الكرامة . و رغم أنه أتى بأفعال العشاق و لكن ذلك لا يجعل منه عاشقا ، فكان كالصياد يتلذذ بالأذى ، و كالحكام يعشق السيطرة المطلقة . و نقرء من الرواية " منذ أدركت أن طغاة الحب كطغاة الشعوب جبابرة على النساء ، و صغارا أمام من يفوقهم جبروتا و أن سيدك أيضا له سيده ، و طاغيتك له من يخشاه صغر السادة فى أعينها و غدت سيدة نفسها لا تخاف غير الله ، و لا تنبهر سوى بأصغر كائناته " خطت مستغانمى بقلمها قصص الحب و العشق و ما تحكى بها إلا حال أمتنا العربية ، قائلة " كما تأكل الثورة أبنائها ، يأكل الحب عشاقه " . فعلى خلفية العشق ترسم معاناة الشعوب العربية بين المذابح و الأسى ، و الطغاة الذين يصرون إلا تفوز حتى بموتك دون أن يمنحوك إياه بالتقسيط . فتلخص بجمل قليلة ما قد يقوله مخضرموا السياسة فى ساعات طوال ، فصورت مستغانمى حالة هالة و هى مأخوذة بعاشقها بقولها " انها فى النهاية كالشعوب العربية ، حتى و هى تطمع للتحرر ، تحن لجلادها " ، " شعوبا بكاملها مهرولة خلف طغاتها تستجدى أبوتها ! " و لكن كانت الكرامة سبيل تحررها ، فنقرء من الرواية " ما الذى يخرج المرء عن صوابه غير أن يرى لصوصا فوق المحاسبة ، ينهبون و لا يشبعون ، و يضعون يدهم فى جيبك ، و يخطفون اللقمة من فمك ، و لا يستحون ! إنه القهر و الظلم و " الحقرة " ما أوصل الناس للجنون ، اذا فقد الجزائرى كرامته فقد صوابه ، لأنه ليس مبرمجا جينيا للتأقلم مع الإهانة " . و هكذا كانت هالة مثال للجزائر و الشعوب العربية التى لا تعرف الخضوع و لا بديل لديهم عن الكرامة ، فتمردت هالة على عاشقها المستبد فى حبها من أجل الكرامة كما تتمرد الشعوب على مستبديها . و بكلمات قليلة ترسم مستغانمى حال الدول العربية قائلة " هذة المرة ليس الجيش من يقتل الناس بشبهة إسلامهم ، بل الإرهابيون يقتلون الناس بذريعة أنهم أقل إسلاما مما يجب!! " ، و " كل شئ ممكنا فى وطن من فوق قبوره تبرم صفقات الكبار ، و تحت نعال المتحكمين بمصيره يموت السذج الصغار " . و نختم بقولها " كنا نريد وطنا نموت من أجله ، و صار لنا وطن نموت على يده ."