تقف إسرائيل مكتوفة الأيدي تجاه ظاهرة الانتحار المتفشية بين الشباب وتتفاقم يوما تلو الأخر حتى طالت الجنود، وبالرغم من تجنيد اختصاصيين نفسيين في صفوف الجيش لمواجهة هذه الظاهرة إلا أنها تزداد وتضع الحكومة في موقف تعجيزي حيال الحد من الانتحار. تكشف معطيات جديدة أن ظاهرة الانتحار في الأراضي المحتلة بازدياد، وأن شخصين ينتحران كل يوم فيها وأن آلاف الإسرائيليين يحاولون الإقدام عليه سنويا. ووفق دراسة لجمعية «طريق للحياة» المتخصصة في معالجة ظاهرة الانتحار، فقد ارتفع عدد ضحاياها في العقد الأخير من نحو خمسمائة إلى سبعمائة شخص ينتحرون كل عام. وذكر الدراسة أن ستة آلاف إسرائيلي يحاولون الانتحار سنويا ويصلون المستشفى، بينما هناك آلاف آخرون يحاولون ولا يصلون العيادات العامة. ويستدل من المعطيات أن الظاهرة منتشرة بين الأحداث والشباب حيث يتراوح عدد المنتحرين من هذه الفئة العمرية 12-6 سنويا، يضاف لهم ستمائة إلى سبعمائة محاولة انتحار فاشلة. انتحار بالأرقام ووفقا لدراسة إسرائيلية سابقة، فإن نسبة الانتحار في وسط الشباب الإسرائيلي بلغت 18.5% من إجمالي عدد الشباب الإسرائيليين. وتناولت الدراسة عددًا من محاولات الانتحار غير الموثقة بين أبناء الشباب الإسرائيليين، خاصة في مجموعة الشواذ والشاذات. وبينت الدراسة أن 3.5% ممن شملتهم الدراسة قد عاشوا محاولات انتحار، معظمهم لا يذهبون للعلاج، لذلك هم غير مسجلين في أوراق وزارة الصحة". وبحسب البيانات الرسمية الإسرائيلية، فإن المستشفيات في كافة أنحاء إسرائيل يصل إليها كل عام نحو 5000 شخص حاولوا الانتحار. وأشارت البيانات إلى أن هذه البيانات أظهرت أنه خلال السنوات ما بين عامي 2006-2009 كانت نسبة الشباب الذين حاولوا الانتحار بلغت 17%، أي 178 لكل 1000 ألف شاب. وعلى جانب أخر كشفت إحصائيات إسرائيلية رسمية بأنّ الانتحار ما زال هو السبب المركزي للوفاة في صفوف الجيش الإسرائيلي، وإن كانت حدّة الظاهرة قد تراجعت خلال العام المنصرم. وكشف الناطق بلسان جيش الاحتلال أمس الجمعة أنّ عام 2012 شهد 14 حالة انتحار بين جنوده، فيما قتل ثمانية جنود في حوادث مرورية، وثلاثة آخرون خلال تدريبات عسكرية. ويُستدلّ من لوائح الأرقام أنّ ظاهرة الانتحار في صفوف الجيش الإسرائيلي تصاعدت في السنوات الأخيرة رغم تراجعها في العام المنصرم. ففي عام 2007 انتحر 17 جنديا، وفي العام التالي ارتفع العدد إلى 20، وفي 2009 توفي 23 جنديا انتحارا، وفي 2010 بلغ عددهم 28 جنديا، وفي 2011 انخفض العدد إلى 21 جنديا؛ ويبلغ عدد الجنود الإسرائيليون الذين انتحروا في العقد الأخير (2002-2012) 278 جنديا. عجز ومواجه ويرى الاختصاصي النفسي جمال دقدوقي أنّ الأرقام الرسمية أقل من العدد الحقيقي، إذ إنّ الجيش الإسرائيلي يحجب جزءا من الحقيقة لاعتبارات أمنية وحفاظا على دافعية الالتحاق بالجيش، إضافة لمراعاة مشاعر المجموعات اليهودية المحافظة. وتتهم أوساط تربوية وإعلامية إسرائيلية الحكومات المتعاقبة بعدم مواجهة الظاهرة المتفاقمة، وتخصيص ميزانية لمعالجتها. لكن مدير جمعية «طريق للحياة» أفشالوم أديرت يعيب على الإعلام الإسرائيلي تعمده تغييب الظاهرة خوفا من تشجيع الآخرين واقتدائهم بالمنتحرين. ويعتقد أديرت بإمكانية خفض الظاهرة بنحو 40 إلى 60% في حال تبنت الطريقة الأوروبية، مشيرا لنجاح مشابه في مجال حوادث السير التي انخفضت بفعل الإرشاد المكثف. ويشير أديرت إلى أن دولا أوروبية سجلت نجاحا كبيرا في خفض حجم الظاهرة بواسطة برامج توعوية وإرشادية يتم دعمها بالخبراء والميزانيات اللازمة؛ ويضيف "مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة نطالب بزيادة الميزانيات المخصصة لمعالجة ظاهرة الانتحار". في المقابل قال محللون إنّ إسرائيل كرّست في العقود الثلاثة الأخيرة جهودا كبيرة لتقليص هذه الظاهرة المتفشية، مشيرا إلى أنّ هذه الظاهرة المتفاقمة لدى الإسرائيليين تنتقل إلى الجيش، ومردّها أسباب كثيرة منها اتّساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع البطالة والفقر. كما يشير لعوامل أخرى منها ارتفاع نسب الطلاق، وتأثير تفشي داء فقدان المناعة المكتسب «الأيدز»، وتفشي الكحول والسموم، والاكتئاب المرضي، والاعتداءات الجنسية، واستخدام الإنترنت، وازدياد وسائل الانتحار كالسلاح والسيارات. وهذا ما يؤكده ضابط محجوب الهوية قال لصحيفة «هآرتس» إنّ الجيش الإسرائيلي يبذل مساعي كبيرة لخفض حجم الظاهرة بفعاليات وقائية واسعة، وأبرزها تجنيد اختصاصيين نفسيين في صفوف الجيش، مرجحا أنّ «السلاح المتاح بين أيدي الجنود يسهّل عملية الانتحار». ويفيد بأنّ نسبة المنتحرين لدى الجنود أعلى منها بقليل لدى الإسرائيليين بشكل عام، ويلمح لما يؤكده دقدوقي من أنّ واقع الاحتلال والخدمة العسكرية في الضفة الغربية، التي تميّزها حالة من الرتابة والملل، يساهم هو الآخر في رفع حالة الاكتئاب والاندفاع نحو الانتحار، رغم أنّه محظور وفق تعاليم الديانة اليهودية. وتشير صحيفة «هآرتس» إلى أنّ ظاهرة انتحار الجنود في الجيوش المختلفة بالعالم خلال أوقات السلم هي السبب المركزي لموت الجنود فيها أيضا، مشيرة إلى أنّها ما زالت واسعة كما هو الحال لدى المجتمع الإسرائيلي والمجتمعات الغربية. وورد في دراسة جديدة صادرة عن مركز العلوم في الكنيست «البرلمان» أنّ إسرائيل تشهد 400-500 حالة انتحار كل عام، ثلاثة أرباعها بين الذكور والمسنين، وأنّ الانتحار ما زال سبب الوفاة الثاني لدى جيل الشباب 15-24 كما في الدول الأوروبية. يذكر أن عدد حالات الإقدام على الانتحار حرقاً احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة في إسرائيل ، في ازدياد مستمر، حيث وقعت في 23 يوليو 2012 ثلاث محاولات انتحار من بينها محاولة جندي إضرام النار في نفسه. وفي الشهر نفسه أقدم إسرائيلي في الأربعينيات من عمره على إضرام النار في جسده داخل أحد المستشفيات في منطقة "هشارون"، قرب تل أبيب.