شهدت الأيام القليلة الماضية الاحتفال بعيد العمال، وهو أول عيد يحتفل به الرئيس "محمد مرسي" منذ توليه السلطة في يونيو 2012 مع العمال المصريين، ويأتي هذا الاحتفال في ظل نضال العمال المصريين عبر سنواتٍ وعقود مضت من أجل انتزاع حقوقهم وحرياتهم، فهم مستعدون للدفع بأنفسهم وأرواحهم ثمناً لذلك، وبالفعل فعلوها سجناً وتشريداً ودماءً - في مناسبات أليمة - فسقط منهم شهداء في مصنع الحديد والصلب عام 1989، وفي "كفر الدوار" عام 1994، وفي "المحلة الكبرى" عام 2008. وبالرغم من أن العدالة الاجتماعية كانت دافعاً رئيساً لثورة 25 يناير ومطلباً أساسياً لها، فلا تزل بعيدة المنال عن فئات كثيرة (ومنها الطبقة العمالية)؛ الأمر الذي يوحي باحتمالات خطيرة تهدد بقاء النظام الحالي، لا سيما بعد ما شهدت الأيام الماضية خروج مسيرة عمالية للتنديد بأوضاعهم، وشارك فيها العديد من القوى السياسية والعمالية، أبرزها: «النقابات المستقلة، دار الخدمات النقابية، تيار العمال الديمقراطي، عمال البترول الحر والأحزاب الناصرية والتيار الشعبى ومصر القوية»، ورفع العمال أعلاماً حملت صور الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر"، كتبوا عليها «جمال نصير العمال»، كما رفعوا لافتات أخرى كتبوا عليها «صوت العامل طالع طالع.. من الميدان والمصانع» و«عاش كفاح الطبقة العاملة». مفاهيم وتعريفات وطبقة العمال هي طبقة اجتماعية ومهنية، يختلف الآراء حول تحديد طبيعتها ودورها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فتعرف أحياناً على أنها طرف أساسي من أطراف علاقات الإنتاج، لا يمكن فهمه إلا من خلال فهم طبيعة النظام الاقتصادي الذي يفرزها، وتعرف أحياناً أخرى على أنها فئة اجتماعية تتميز بصفات ثقافية واقتصادية ومهنية مشتركة. وفي المدارس المختلفة، يركز الماركسيون على التعريف الأول، في حين تركز المدارس الليبرالية والرأسمالية على التعريف الثاني في محاولة لتحجيم دورها السياسي. حقوق ومطالب ولهذه الطبقة حقوق ومطالب كثيرة، تشمل الأجور العادلة، وتحديد سن للتقاعد، وتوفير تأمين اجتماعي، ورعاية صحية، والحماية ضد مخاطر العمل وتحقيق السلامة المهنية. ويعد إصدار قانون للحريات النقابية بمثابة ضمان لعدم تدخل أي جهة في شئونهم ووقف التعسف ضدهم، وإلغاء كل أحكام الحبس، وتعد كلها من أهم وأبرز حقوق تلك الفئة، ولكنها ترتبط بمدى ديمقراطية الدولة. وفي هذا الصدد، يطالب العمال المصريون بممارسة حقهم في الإضراب، وإلغاء كل القوانين التي تجرمه، علاوة على مطالبتهم بتنفيذ أحكام القضاء الخاصة بعودة الشركات التي تمت خصخصتها للقطاع العام، ووضع خطة عاجلة للقضاء على البطالة وتثبيت كل العمالة المؤقتة، وإلزام الحكومة بتوفير فرص عمل للشباب، وصرف إعانة بطالة للعاطلين تساوى الحد الأدنى للأجور لحين توفير العمل لهم، وتمكين العمال من تشغيل مصانعهم التي يغلقها أصحاب الأعمال ويشردون عمالها. وما يهمنا في هذا الإطار هو توضيح أحوال الطبقة العمالية في "مصر" في ظل الرئيس الحالي "محمد مرسي" عن سابقه، ورغم اعترافنا بصعوبة الحكم عليه في ظل هذه الظروف الصعبة، غير أن ذلك لا يمنع من ضرورة كشف الحقيقة كي لا نفاجئ بأشباح تهدد بقاء الدولة بالأساس. مؤشرات خطيرة لم تشهد الطبقة العمالية قبل الثورة تحسناً، ولم تشهده بعد الثورة أيضاً، حيث ازدادت الاحتجاجات العمالية بنسبة كبيرة، ووصلت إلى أكثر من 6 آلاف احتجاج خلال ال 9 أشهر الماضية (على حد قول المرشح السابق للانتخابات الرئاسية "خالد علي"). ويشير البعض إلى أن نسبة تسريح العمّال زادت في عصر الرئيس "مرسي"، نتيجة الحالة الاقتصادية السيئة التي تعيشها "مصر"، والتي أدت إلى جعل بعض رجال الأعمال يتجهون إلى إغلاق مصانعهم خوفاً من الخسائر أو تسريح عدد من العمال لخفض التكلفة عليهم. وتتضح خطورة الموقف وصعوبته، من خلال التقرير الصادر عن المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والذي كشف عن ارتفاع عدد الاعتصام والإضرابات العمالية إلى ثلاثة أمثالها خلال الأشهر القليلة الماضية من عهد الرئيس "محمد مرسي" عن نظيرتها في الأعوام السابقة، وأشار إلى أنه تم فصل 650 عاملاً في 8 أشهر من حكم "مرسي"، وهو ما يعني أكثر ممن تم فصلهم في عهد النظام السابق 10 مرات، ليصل بذلك عدد المفصولين تعسفيًا إلى 13 ألف عامل. ورصدت إحصائية المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 271 اعتصاماً وإضراباً عن العمل، في حين كان عدد تلك الاحتجاجات قبل تولي "مرسى" للرئاسة ما يقرب من 119 احتجاجاً، بالإضافة إلى تنظيم أكثر من 2000 احتجاج عمالي في عام 2012، وتزايد معدل الاحتجاجات لأكثر من الضعف خلال النصف الثاني من العام الماضي. وعود كاذبة شعر العمال بالمزيد من التفاؤل والأمل عند ما قدم الرئيس "مرسي" العديد من الوعود خلال برنامجه الانتخابي أثناء فترة ترشحه للرئاسة، والتي تتضمن إعادة هيكلة الأجور حتى تحقق الحد الأدنى لتوفير فرصة حياة كريمة للأسرة المصرية، مع إقرار زيادة سنوية تكفى لمواجهة التضخم، بالإضافة إلى تحديد الحد الأعلى للأجور، فضلاً عن الوعود بتعديل بعض مواد قانون العمل 12 لسنة 2003 بما يصنع توازنا عادلاً بين صالح العمل ورجال الأعمال، وبين تحقيق رواتب وخدمات وظروف عمل أفضل للعمال، وتعديل القانون 35 لسنة 1976 الخاص بالنقابات العمالية، والقانون 12 لسنة 95 بما يزيد من مساحة الحريات النقابية، ويحول دون تفتيت التنظيم النقابي. ولكن لم يلمس العمال أي تغير ملحوظ منذ توليه الحكم، الأمر الذي أدى إلى عودتهم إلى الاحتجاجات والتظاهرات من جديد؛ أملاً في الحصول على بعض حقوقهم، والتي كان أبرزها سرعة إصدار قانون تنظيم النقابات العمالية، والانتهاء من إقرار الحدين الأدنى والأقصى للأجور، وتثبيت العمال المؤقتين وعودة المفصولين، وحصر دقيق للمصانع المتوقفة، وأسباب التوقف، وحصر سريع للمشاكل التي تمر بها المنشآت والمصانع، ومحاولة حلها قبل تفاقم الأزمة، وتحسين الرعاية الصحية للعاملين في "مصر"، وإصدار قانون عمل جديد يحقق الأمان والرعاية للعامل المصري. ومن ثم، توحي جميع المؤشرات السابقة إلى خطورة بالغة في هذا الشأن - حتى وإن كانت معظم البيانات من طرف واحد- فيجب الانتباه كثيراً ويلزم على الدولة المصرية، بضرورة إعادة النظر في القوانين والتشريعات العمالية الحالية، والتخفيف على العمال من خلال تلبية متطلباتهم من أجور وتأمينات اجتماعية ومعاشات وغيرها من الحقوق المذكورة؛ كي تنأى الدولة بنفسها عن خطر الثورات العمالية.