جاءت زيارة وزير الدفاع الأمريكي "تشاك هيجل" لمصر خلال الأسبوع الماضي لتحمل معها العديد من التكهنات حول أسرار هذه الزيارة في هذا التوقيت، الأمر الذي يطرح كثيراً من الأسئلة حول حقيقة نية الولاياتالمتحدة في تقديم الدعم العسكري لمصر في ظل موجة الاستقطاعات الكبيرة التي طالت ميزانية البنتاجون الأمريكي. وجاء ذلك عقب زيارة سابقة قام بها الرئيس المصري محمد مرسي لروسيا، مما يعدّ مؤشراً على زيادة قلق الولاياتالمتحدة من تلك الزيارة، لاسيما بعدما قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية "باتريك فينتريل"، إن واشنطن اطّلعت على تقارير إخبارية تشير إلى توصل مصر لاتفاق تعاون نووي مع الحكومة الروسية. دوافع خفية والحقيقة أن دوافع عودة العلاقات العسكرية الأمريكية مع مصر في هذا التوقيت لم تكن من قبيل الصدفة البحتة، أو رهن الأسباب المعلنة التي صرح بها المسئولون العسكريون في أمريكا. فعلى المستوى المعلن من هذه الدوافع، جاءت التصريحات من الجانب الأمريكي لتؤكد التزام واشنطن بمواصلة تقديم الدعم العسكري لمصر رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الأولى وتخفيضها للإنفاق العسكري، وأكد وزير الدفاع في تصريحاته خلال الزيارة على حرص بلاده تطوير أداء القوات المسلحة المصرية للتصدي للتهديدات الأمنية الجديدة والمتغيرة، في حين أنها استطاعت بحرفية وانضباط لعب دور مسؤول في حماية الثورة المصرية، ونقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة. وفي هذا السياق، ذهب بعض المحللين إلى أن الزيارة تأتي في سياق طبيعي للتأكيد على التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وللعمل على مكافحة الإرهاب، والاطمئنان على مسيرة الإصلاح السياسي والديمقراطي في مصر. ورغم هذه الدوافع المعلنة، بيد أن الكثير من المحللين أكدوا على أنها جاءت في أعقاب زيارة الرئيس المصري لروسيا، والإعلان عن أن المباحثات المصرية الروسية شملت الاتفاق على التعاون النووي للاستخدامات السلمية. من جانبه، قال المحلل السياسي "ياسر نجم": إن تلك الزيارة العسكرية، ومن قبلها تصريح وزير المالية الأمريكي بدعم الولاياتالمتحدة لقرض صندوق النقد الدولي، جاءا بعد أيام من الإعلان عن مناورات عسكرية مصرية روسية مشتركة، والاتفاق مع موسكو على التعاون في المجال النووي وتولي شركات روسية عمليات التنقيب عن اليورانيوم في مصر، فضلاً عن اتجاه مصر للبحث عن مصادر أخرى للسلاح في الهند وباكستان، وقبل ذلك توطيد العلاقات مع تركيا والصين؛ الأمر الذي أدى إلى تغير موقف الإدارة الأمريكية من مصر. وعلى ما يبدو أن أمريكا غير مطمئنة من مدى سلمية التعاون المصري الروسي في المجال النووي، على الرغم من تأكيد القاهرةوموسكو على ذلك، إلا أن واشنطن تخشى من إرساء بوادر سباق التسلح في المنطقة ووضع بذور برنامج نووي لأغراض عسكرية بمصر، قد يقلب موازين القوى فيها. ملفات شائكة ورغم التوقعات بتحسن العلاقات بين القاهرةوواشنطن، غير أن هناك بعض الملفات الشائكة التي عكرت نسبياً من صفو هذه العلاقات (خاصة بعد أن وصل الإخوان إلى السلطة) ومنها ما يخص الملف الأمني في سيناء الذي يؤثر على أمن إسرائيل الحليف القوي لأمريكا في المنطقة، فضلاً عن الأحداث الداخلية المشتعلة من فتنة طائفية وأزمة الإعلام والقضاء. وعلى مستوى الملف الأمني في سيناء، أكد مسئولون بالخارجية الأمريكية تزايد القلق لدى الإدارة الأمريكية من نشاط الجماعات الإرهابية في سيناء، وقال "لوري سيلفرمان" مدير إدارة الشرق الأدنى: إن الولاياتالمتحدة تقدم كافة أوجه التعاون للجيش المصري لتحديد تلك الجماعات ومواجهتها بما لا يؤثر على عملية السلام، موضحاً أن التعاون يستهدف عدم تكرار هجمات إرهابية على الحليف الإستراتيجي إسرائيل. وفي إطار آخر شهدت العلاقات بين القاهرةوواشنطن بعض التوترات بعد التحقيق مع الإعلامي "باسم يوسف" بتهمة ازدراء الأديان وإهانة الرئيس، حيث أعربت الولاياتالمتحدة عن قلقها «حيال الاتجاه الذى تتحرك نحوه مصر" في أعقاب اعتقال بعض الشخصيات ووقوع أعمال عنف متفرقة فى البلاد، وازدادت عاصفة الغضب الدولي ضد الرئيس "مرسي" خوفاً من عودة مصر للديكتاتورية والاستبداد و«البلطجة القضائية". وعلى جانب آخر من تلك الملفات الشائكة، أثيرت مطالبات من قبل منظمات حقوقية للإدارة الأمريكية لتحذير الرئاسة المصرية من الملاحقات القضائية التي وصفت ب"المسيسة". مسارات مختلفة وفي ظل الاعتراف بما تواجهه البلاد من مشاكل اقتصادية طاحنة عصفت بالاقتصاد المصري، يكون من المحتمل ظهور خيار عودة العلاقات بين القيادة المصرية والأمريكية من قبيل إقرار المصالح المشتركة، بما يحقق للجانب المصري توفير الدعم الأمريكي لإنجاز الحصول على قرض صندوق النقد الدولي والمساعدات العسكرية البالغة 1.2 مليار دولار سنوياً. ولكن على الجانب الآخر، سيؤثر هذا التحالف والتعاون على الصمت تجاه العديد من السياسات الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، باعتبارها الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة، بدليل عدم تأثر مسيرة العلاقات بين البلدين بالتطورات السياسية في مصر عقب ثورة 25 يناير. أما الخيار الآخر الذي يمكن التكهن به هو أن الأجندة المصرية ستتحول إلى البحث عن حلفاء جدد تقيم معهم شراكة على أساس المصالح المتبادلة على حساب العلاقات الأمريكية، ويؤكد ذلك التوجه تعويل مصر في الفترة الأخيرة على البحث عن مصادر أخرى للعلاقات مع تركيا والصين. إلا أنه سواء على مستوى الخيار الأول أو الثاني المطروح أمام القيادة السياسية المصرية، يبقى علينا أن نتعامل بمبدأ تكافؤ المصالح وعدم تقديم التضحيات المطلقة مع صيانة السيادة الوطنية. فحينما تصبح المساعدات وسيلة لابتزاز القرار المصري فى غير صالح الوطن، لابد أن تنأى القيادة السياسية عن هذا الاتجاه، وبدلاً من ذلك يتعين عليها تدعيم التكامل العربي والاستفادة من مقومات تفعيله على أرض الواقع، بجانب فتح أبواب جديدة للشراكة مع قوى اقتصادية أخرى آخذة في النمو مثل اليابان والصين ودول النمور الآسيوي، والاتجاه جنوباً في قلب أفريقيا التي تحتاج مزيداً من الاهتمام لتأمين الأمن المائي المصري .