بعد مرور ما يقرب من ثلاثة أسابيع من الحوار والمشاورات مع قادة المجتمع المدني والبرلمان، خرجت الحكومة الأردنية رقم تسعة وتسعين إلى النور، لكنها لم تختلف كثيراً عن سابقتها بعد احتفاظها بطابعها التكنوقراطي. وفي هذا الإطار تصاعدت الانتقادات لهذه الحكومة الجديدة، ما بين الاتهام بالتركيز فقط على الإصلاحات الشكلية دون الاهتمام بتفعيل قيم التشارك الحقيقية، والخوف على مستقبلها نتيجة عدم الاستقرار السياسي الذي غلب على طابع الحكومات في المملكة، التي تتابع عليها تسعة وتسعون حكومة في اثنين وتسعين عاما منذ إعلان الاستقلال.
الأصداء الأولى وفي الأصداء الأولى التي تركتها الحكومة الجديدة، أكد نواب برلمانيون أن الأسماء التي ضمها الفريق الوزاري، لم تأت من رحم المشاورات المطولة التي أجراها "النسور" مع مختلف الكتل النيابية، مؤكدين أن رئيس الحكومة يتحمل وحده نتائج وتبعات اختياره، وكان هذا هو نفس حال الكثير من الحزبيين والنقابيين، الذين أكدوا أن التشكيل الحكومي لم يأت بجديد.
ومن جهته شدد نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين "زكي بني أرشيد"، على أن النواب الآن أمام تحد صعب بعد هذه التشكيلة متسائلاً: "هل يستطيع مجلس النواب اليوم أن يمارس دوره الحقيقي ويحجب الثقة؟!".
وأوضح الناطق باسم كتلة "الوسط الإسلامي" النيابية، النائب الدكتور "مصطفى العماوي"، أن "حوار رئيس الوزراء "عبد الله النسور" وتشاوره مع النواب، لم يكن بالعمل المجدي، فلا يوجد في تشكيلة الحكومة أي نائب أو ناشط سياسي، مما يؤكد عدم اتجاه الحكومة إلى الإصلاحات الحقيقية أو تطوير الحياة الحزبية"، مضيفًا "أن تشاور الكتل النيابية مع رئيس الحكومة، كان يستغرق (5) ساعات أو أكثر، فلماذا هذا الوقت؟".
وعلق الناشط الحراكي والمنسق العام للحراك الشبابي الإسلامي، "ثابت عساف"، على تشكيلة الحكومة الجديدة، من خلال بيان صحفي، قائلاً: "إن تشكيلة الحكومة الجديدة لم تفاجئنا أبدًا، لكونها نتاجاً طبيعياً للنهج السياسي المتبع، ونتاجاً متوقعاً لحالة التزوير التي شكلت سمة عامة لمجلس النواب، وتعكس التشكيلة النهج الأمني البارز في التعامل مع القضايا السياسية المتوقعة، كما تعكس النهج الاقتصادي المتبع في حل المشاكل على حساب جيب المواطن".
وفيما يتعلق باختيار سيدة واحدة في تشكلية الحكومة، أفادت جمعية "المعهد الدولي لتضامن النساء"، أن تراجع التمثيل النسائي في مواقع صنع القرار خلال العام الماضي، وبخاصة في الحكومة وعضوية المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب، والتمثيل الضعيف في مواقع قيادية أخرى، لم يعبر إلا عن إنكار لقدرات النساء الأردنيات العلمية والعملية والمهنية، وتجاهل لإمكاناتهن القيادية ودورهن في التنمية الشاملة المستدامة.
أما الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية "د: سعيد دياب"، فأكد أن البلاد تشهد صورة مكررة للمشهد السابق في تشكيل الحكومات، وقال: إن الحكومة حتى اللحظة "كأنها تتعامى عن ملف الفساد".
ملفات شائكة وفي ظل هذه الانتقادات التي اعترضت حكومة "النسور" منذ الوهلة الأولى، تصاعدت العديد من الملفات الشائكة أمام هذه الحكومة على مختلف الأصعدة.
فعلى الصعيد الاقتصادي يصفه المحللون بالصعوبة الشديدة والتعقيد البالغ، ويتطلب وفق خبير الاقتصاد والتنمية الدكتور "منير حمارنة" "إعادة نظر في السياسة الاقتصادية بشكل عام".
ويشير الخبراء إلى وجود أربعة فروع للمشكلة الاقتصادية هي عجز الموازنة الكبير، وارتفاع حجم الدين العام، وغلاء الأسعار بشكل كبير، وتراجع الدخول، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة المالية التي تعيشها البلاد، والتي تتوقع سفارات غربية أن تتفاقم في شهر مايو المقبل في إطار جهود الحفاظ على سعر الدينار.
بالإضافة إلى ذلك المشكلة الأمنية المتعلقة بمسألة التعاملات الأمنية التي تستهدف فئات في المجتمع الأردني، فضلاً عن الملف الأمني للاجئين السورين في "الأردن"، الذي بدت خطورته في الأوقات الراهنة، فضلاً عن سخونة ملف المياه والطاقة ومشاكل التعليم وانهيار الجامعات.
وبجانب كل ذلك من الملفات الشائكة، يرى الكثير من المحللين أن حكومة دكتور "عبد الله النسور"، ستواجه أزمة ثقة بعد أيام عندما تسعى لنيل ثقة البرلمان الأردني الجديد.
مستقبل غامض وفي نفس الحين، يرى بعض المراقبين أنه في ظل غلبة الاضطراب السياسي، الذي اتسمت به كل الهياكل والتشكيلات الحكومية في المملكة الأردنية، يحيط بهذه الحكومة كغيرها حالة من الغموض في المستقبل، بداية من عدم اليقين حول نجاحها في كسب ثقة البرلمان، الأمر الذي قد يعصف بها من البداية.
ومع الافتراض جدلاً تمكنها من النجاح في ذلك، فهل تستطيع السير قدماً في الإصلاح الاقتصادي المزعوم؟ وكيف تواجه تيار المعارضة؟ وهل ستقوم الأخيرة بإشعال الاحتجاجات من جديد في إطار من تيار الربيع العربي؟