"إرهاصات نهاية العالم".. عنوان أثار الجدل في الساحة التشكيلية حينما أطلقه الفنان د. سيد القماش كعنوان لمعرضه، فتساءل البعض أحقيقة يظن الفنان أننا أصبحنا في نهاية العالم؟ وهل كان يعلم بسقوط النيزك على روسيا خلال الأيام الماضي ولذلك أقام معرضه في هذا التوقيت؟، ولو كان هذا النيزك أكبر في الحجم لكان العالم انتهى بالفعل؟. هكذا تساءلت أيضا "شبكة الإعلام العربية محيط" حينما توجهت لهذا المعرض فأوضح الفنان أنه لم يقصد بهذا العنوان نهاية العالم بمعناه الحقيقي لأنه لا يعلمه سوى الله، لكنه قصد طرح بعض الأسئلة من خلال عناصر لوحاته التشكيلية أهمها "هل نحن بالفعل في نهاية العالم؟". وفكرة نهاية العالم هنا تعني نهاية بعض الدول، حكومات، أفراد، وعصور واقتصادها؛ ففي الشهور الماضية واجهت بعض دول العالم إعصارات تسونامي وساندي، زلازل وحروب، ثورات في العالم العربي، وأمريكا اللاتينية، أوروبا، جنوب أفريقيا، السودان وروسيا؛ فالعالم يموجه بحالة من حالات التغير حتى في المناخ؛ ولذلك عنى المعرض بأنه هل سينتهي عالم ليأتي عالم آخر لا نعرف متى سنشهده؟. طبيعي أن الفنان التشكيلي يتأثر بكل ما حوله من أحداث؛ ولذلك أعتبر هذا المعرض تعبيرا عن الثورات التي شهدها العالم العربي والكثير من الدول الأخرى، وكان من المقرر أن يكون هذا المعرض في بدايات عام 2011، لكنه تم إلغاءه بعد انطلاق ثورة 25 يناير، وظل الفنان يبدع أعمالا تعبر عن إحساسه بتلك الأحداث التي تمر بها مصر من حراك ثوري، وتغيرات اقتصادية وسياسية متعددة في العالم العربي ككل، فأنتج نحو 25 لوحة جديدة لم نجد فيها مدفع أو دبابة، بل تضمنت فكرا فلسفيا من باطن المجتمع محوره البحث عن الإنسان الذي يعد مشروعا كبيرا عمل عليه الفنان منذ حرب الكويت والعراق في عام 1990، وكان قبل هذا يرسم الطبيعة الصامتة والموديلات والطبيعة الحية ويدخلها في عوالم الأسطورة والأحلام، فأقام بعد ذلك معرض بعنوان "ضد الحرب" في عام 1990، وبدأت بهذا المعرض رحلته في البحث عن الإنسان وأصبح هو قضيته وشاغله، فأقام عدة معارض خلال السنوات الماضية وهي "رؤية للإنسان في القرن 21"، "رحلة الصمت المسكون"، "أمنا الغولة"، "الخيال الجامح"، حتى معرضه الأخير "إرهاصات نهاية العالم" الذي أقامه في قاعة "صلاح طاهر" بدار الأوبرا المصرية. استخدم الفنان في هذا المعرض رموزه التي اشتهر بها في أعماله السابقة كي تعبر عن الأحداث من حوله وتمتزج بقضايا المجتمع، ومن تلك الرموز والعناصر المسمار، القبقاب، الشجرة، الخيال، الجدران، والآلات الموسيقية. ولم يرسم الفنان اسكتش مسبق للعمل قبل تناوله، بل يعكس أفكاره المتدفقة على اللوحة مباشرا؛ حيث يمتلك فلسفة عناصره وتكوينها التشريحي مما يجعلنا نصدق أعماله. مستخدما الألوان الزيتية، الباستيل، الأحبار، الأكولين، والأكريليك. وعن تناول الفنان الاتجاه "السريالي" في أعماله قال أنه لا يتمسك بهذا، كما أنه لم يصنف نفسه فنانا سرياليا، لكن هذا ما أطلقه عليه النقاد، أما عنه فهو يرسم ما يخطر ببالة وتمتلكه يده ويخرج من مشاعره، وكيفما يكون فالأهم هو أن تصل فكرته للمتلقي. وأضاف أنه من الممكن أن يكون هذا الأسلوب هو المتمسك به، ربما لأنه نشأ في مدينة "طنطا"، تلك البلد ذات الفكر الصوفي الشعبي، التي تحوي الأحلام والزار، فمازال يتمسك به هذا العالم، الذي يسميه النقاد أحيانا عالم سريالي، وأحيانا أخرى عالم فانتازي، وغيرها عالم خيالي. يضم هذا المعرض نحو 45 عملا، ما بين الرسم والتصوير والجرافيك، جديد خلاله في استخدام الطبقات الورقية واختيار نوع الورق والخطوط عليها، والتي تقوم بعمل بعد ثاني داخل اللوحة لم يقصده الفنان، لكن كان من متطلبات العمل، وكانت هذا الأبعاد مرة للتأكيد على الظل والنور، وأخرى للتأكيد على الكتلة ولون الورق نفسه، واللون الدرامي الذي استخدمه في العمل في أماكن محددة لتضيف بعدا دراميا له. ويعتبر الفنان أن هذه الأعمال تؤرخ لمرحلة عاشها، وهي ثورات العالم العربي وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، يحاول تسجيلها تشكيليا في لوحات أكدت على البعد الدرامي والارتباط بمنودراما الأبيض والأسود، ومونودراما اللون، كي تحقق الهارمونية في العمل الفني الذي توازن تشكيليا ومساحيا، حتى فكرته الطازجة التي خرجت دون التحضير لها باسكتش مسبق، لا يوجد مؤثر عليها سوى التأثير النفسي والتعبيري من خلال ما حدث في العالم. والفنان بهذا المعرض كان يؤكد على البحث عن الحرية بشكل عام سواء للطير أو الإنسان أو النبات، متناولا الطوب الأحمر في أعماله ولأول مرة بتزايد كبير ليثير التساؤل، هل يعني بها الفنان البناء؟ أم الحماية؟ أم السجون؟، أم البحث عن الانطلاق؟.