مع بدء العد التنازلي لجلسة النطق بالحكم في مجزرة استاد بورسعيد المقررة بعد غد (السبت) يعيش شعب مصر حالة من القلق المتأرجح بين الخوف من رد فعل قد يتسم بالعنف على الحكم ورفض أبناء بورسعيد إعادة فتح باب المرافعة في القضية بعد تقديم أدلة جديدة، معتبرين ذلك تدخلا في عمل السلطة القضائية حسب رأيهم فضلا عن التحركات والتحذيرات التي تصدر بهذا الخصوص عن مجموعات الألتراس للنادي الأهلي ولنادي بورسعيد بما في ذلك وقفات ألتراس الأهلي أمس في القاهرة والتي قالوا إنها استهدفت التأكيد على مطلبهم بالقصاص العادل لشهداء مذبحة بورسعيد. وقد حولت قضية مجزرة بورسعيد عشق الألتراس في مصر لكرة القدم من مجرد هواية إلى أسلوب حياة، مشكلة بذلك ظاهرة جديدة لم تقف حدودها عند تشجيع الفرق الرياضية، بل امتدت لتكتسب صبغة سياسية داخل الحراك المجتمعي بل وطرف يحسب له حسابا في المعادلة.
والألتراس فئة تبذل الغالي والنفيس من أجل الفريق الذي تشجعه وتقف بجواره في السراء والضراء ليس فقط داخل ملعبه وخارجه طوال 90 دقيقة كاملة من عمر المباراة ولكن أيضا في محنه وأزماته.
وفى هذا السياق فإن مطالب الألتراس لم تعد تقتصر على المطالبة بالقصاص لشهداء مجزرة بورسعيد بل باتت تدعو كذلك لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد وإعادة هيكلة وزارة الداخلية وتعديل الدستور الجديد.
يؤمن الألتراس في مصر والعالم بالحرية التي يتنفسها ويتحسسها مع كل خطوة ويرفض أن تحاصره وصاية من أي نوع حتى من قبل إدارات النوادي التي يعشقها، وهي حرية يتخللها حماس يبدو زائدا في بعض الأحيان، لكنه مخلص في النهاية لقضيته دون أن يخرج في أي حال من الأحوال عن القانون والإطار المألوف وعن مبادئ الألتراس.
لا أحد ينكر دور "الألتراس" في إضفاء نكهة خاصة في التشجيع الحضاري وإعادة الروح إلى المدرجات التي كان يخيم عليها السكون فهم جماعة من الجمهور الكروي متحمسة لفريقها ولها طقوسها وعاداتها الخاصة في تشجيع الفريق ومنذ انتشارها في المدرجات العالمية، شكلت ظاهرة وطفرة نوعية في كيفية وطريقة تشجيع الفرق، وقد ساهم ظهورها في كسر حاجز التشجيع الكلاسيكي السائد في المباريات.
وفي المقابل فان بعض هذه المجموعات تسلك أحيانا طرقا قاسية في التشجيع خصوصا إذا كانت الفرق المتبارية تملك قاعدة جماهيرية كبرى حيث ينجرف البعض إلى استفزاز جماهير الخصم بما يستتبع من رد فعل عنيف من الطرف الآخر.
وإذا كانت تسمية "الألتراس" وهى لاتينية الأصل، تعنى علميا "الأمر المطلق"أو "الشيء الفائق أو الزائد"، إلا أن مشجعي الكرة يعرفونها بأنها "عبارة تدل على المجموعات (أشبه بالتنظيمات السرية) التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، وتتواجد في المدرجات لتصنع لوحات من الإبداع من خلال استعراض الألوان والأعلام والأهازيج.
وقد أحدثت ظاهرة الألتراس ثورة في عالم التشجيع الرياضي حيث تميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية أو "الشماريخ" كما يطلق عليها في دول شمال أفريقيا، والغناء وترديد الهتافات الحماسية لدعم فرقها بما يضفي البهجة والحماسة على المباريات الرياضية وخاصة كرة القدم، ويقوم أفرادها وعناصرها بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين.
وتتواجد الألتراس بشكل أكبر بين محبي الرياضة في أوروبا وأمريكا الجنوبية وحديثا في دول شمال أفريقيا.
ويعود تاريخ تأسيس أول مجموعة ألتراس إلى المجر عندما قام مناصرو نادى نرنسفاروش بتأسيس رابطة للمشجعين في عام 1929.. لتنقل المسألة بعد ذلك إلى أمريكا الجنوبية عبر بوابة البرازيل حيث نشأت أول "التراس" باسم "تورسيدا" في مطلع أربعينيات القرن الماضي.
وبعد ذلك توالى ظهور "الالتراس" في قارة أوروبا عبر جماهير نادي "هايدوك سبليت" اليوغسلافي عام 1950، وجماهير تورينو في إيطاليا لكن بشكل أكثر تنظيما، ويعود الفضل في إدخال ثقافة "الالتراس" إلى فرنسا إلى جماهير مرسيليا عبر "التراس كوماندو أولمبيك مرسيليا."
وعلى الصعيد العربي ظهرت "الألتراس" في تونس عام 1995 عبر "الافريكان وينرز" للنادي الأفريقي بعد أن استمرت في مساندة الفريق رغم النتائج السيئة، وتعد تونس الأبرز عربيا على صعيد "الألتراس" لتنتشر بعد ذلك الظاهرة في مدرجات شمال إفريقيا مع بداية الألفية الحالية.
وكانت الريادة في إدخال عقلية "الألتراس" إلى عرب آسيا لجماهير الوحدات الأردني عبر "ألتراس جرينز" عام 2008 ،ورغم عمرها القصير إلا أنها خطت خطوات كبيرة ساهمت بنقل التجربة لجمهور الكرامة السوري من خلال رابطة "بلو صن"، بل حتى أثمر تعاون جماهير الوحدات مع جماهير نادي شباب الخليل عن ولادة أول "ألتراس" في فلسطين وهي رابطة "ألتراس خليلي"، في حين مازالت المدرجات الخليجية خالية من هذه المجموعات وإن كانت هناك محاولات لكنها لم ترى النور بشكل رسمي بعد.