يبدو أن وزير الخارجية التونسي رفيق عبدالسلام أمام موجة عاصفة من القضايا التي تحمل اتهامات بالفساد وإهدار المال العام، فبعد قيام مدونة تدعى ألفة الرياحي بنشر وثائق في مدونتها تتهم فيها الوزير بالخيانة الزوجية والفساد وإهدار المال العام ، أعلنت "مجموعة ال25" محاميا في تونس التي عُرفت بتحركاتها في متابعة قضايا الفساد ، أنها تعتزم أيضاً مقاضاة رفيق عبد السلام بتهمة الفساد المالي. وفتحت النيابة العامة في تونس تحقيقا قضائيا للتحري في الاتهامات ب"الفساد وإهدار المال العام" التي وجهتها المدونة إلى رفيق عبد السلام، صهر راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية الحاكمة.
وذكرت وزارة العدل التي يتولاها القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري، أن وزير الخارجية تقدم بدوره بشكوى ضد ألفة الرياحي بخصوص ما نسبته إليه من تهم.
الشرارة الأولى
وانطلقت هذه القضية التي وُصفت ب "فضيحة" وزير الخارجية التونسي عندما نشرت المدونة الفة الرياحي، في نهاية كانون الاول / ديسمبر، وثائق قالت انها فواتير تظهر ان وزير الخارجية أمضى، وعلى نفقة الوزارة، بضع ليال بفندق "شيراتون" الفخم الذي يقع قبالة مقر عمله، وذلك مقابل أكثر من 330 دينارا ( 165 يورو) لليلة الواحدة. ويتجاوز هذا المبلغ متوسط الدخل الفردي الشهري في تونس البالغ 320 دينارا (160 يورو).
ونشرت المدونة ايضا، وثيقة أخرى قالت انها فاتورة سددها الوزير نفسه، نقدا من ماله الخاص، هي تكلفة ليلة امضتها بالفندق سيدة لم تكشف المدونة عن هويتها. وطالبت المدونة ، السلطات بالتحقيق في ما اسمته "تجاوزات" الوزير وبتطبيق القانون عليه. وقالت الرياحي إن الوزير رفيق عبد السلام "قضى أياماً مع امرأة قام بدفع مصاريف إقامتها في نزل فاخر اعتاد ارتياده خلال عطلته وبتكلفة خيالية".
مجموعة ال"25"
وبناء على تلك الاتهامات تعتزم "مجموعة ال25" محاميا في تونس التي عُرفت بتحركاتها في متابعة قضايا الفساد ، مقاضاة رفيق عبد السلام بتهمة الفساد المالي.
وقال المحامي شرف الدين القليل عضو "مجموعة ال25" في تصريح امس الأربعاء، إنه سيتم رفع قضية عدلية ضد عبد السلام خلال الأسبوع القادم.
وأوضح أن هذه القضية ستستند إلى معنى المادة 96 من قانون الإجراءات الجزائية التي يتحدث عن 'استيلاء موظف عمومي أو شبه عمومي على الأموال العمومية'.
وأضاف "سيتم رفع قضية بقطع النظر عن موقف النيابة العامة من هذه المسألة"، باعتبار أنها أي النيابة العامة "لن تتحرك باتجاه إثارة التتبع في هذه القضية، لأنها تحت وطأة سلطة وزير العدل"
من جانبها طالبت الجمعية التونسية للشفافية المالية رئيس الحكومة بأن يأمر هيئات الرقابة ذات العلاقة بفتح تحقيق حول نفقات وزير الخارجية، وإحاطة الرأي العام بنتائجه في حال ثبوت مخالفة الوزير للقانون، ورفعها عند الاقتضاء إلى دائرة المحاسبة وفقا للتشريع الجاري العمل به في مثل هذه الحالات.
نفي واعتراف ! وانتشرت هذه الوثائق بشكل لافت في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما سارع القسم المالي التابع لوزارة الخارجية التونسية إلى التأكيد في بيان لها على أن جميع نفقات الإقامة بأحد فنادق تونس العاصمة التي سدّدها وزير الخارجية "تمت وفقاً للضوابط والإجراءات المحاسبية للتصرّف في الميزانية المخصصة للوزارة".
وكادت هذه القضية أن تتحول إلى قضية رأي عام مما دفع الوزير رفيق عبد السلام إلى الخروج عن صمته، حيث نفى في بادئ الأمر صحة الوثائق، ثم عاد واعترف بها، مع توضيح بسيط بأن المرأة المعنية هي قريبته، وأن "الظروف اقتضت قضائه ليالٍ في الفندق"، القريب جداً من مقر وزارة الخارجية.
وأكد أنه ل"أسباب مهنية" يضطر أحيانا للبقاء في المكتب إلى ساعة متأخرة، ويفضّل قضاء الليلة في فندق قريب من الوزارة، معتبراً أن الاتهامات هي "حملة تستهدف تشويهه سياسياً".
من جهته نفى المحامي فتحي العيوني التهم الموجه إلى موكله، وقال إن "مبلغ مليون دولار لم يتسلمه وزير الخارجية في حسابه الخاص، وإنما كان في حساب تابع للوزارة، وذلك بعد موافقة وزارة المالية المكلّفة بجميع التحويلات المالية ومعاينة مصالح المراقبة وهو موثّق" ، واعتبر أن المبلغ كان "مخصصا لمصاريف المؤتمر العربي الصينى المنعقد في تونس مايو الماضي، وذلك عندما وافقت الصين على تقديم هبة لتونس نظرا لظروفها الاقتصادية الصعبة لعقد هذا المؤتمر".
كما ذكر العيوني أن "ألفة الرياحي حاولت إيهام الرأي العام بوجود قضية غير أخلاقية بين الوزير وابنة خالته التي زارته من أقصى الجنوب التونسي، في يونيو "حزيران" الماضي، لشأن عائلي وقد حجز لها من ماله الخاص حسب ما تثبته الوثائق غرفة في نزل قبالة السفارة لمدة ليلة واحدة".
وأضاف أن "المرأة من أقارب الوزير، وهي متزوجة ولها طفلتان، وهي من عائلة محافظة ومن وسط محافظ أيضا، ومن الإدعاءات الباطلة أن تكون بينها وبين موكّلي علاقة مشبوهة".
دعوة للجلد
وأثارت الاتهامات الموجهة لرفيق عبد السلام، استياء حماه راشد الغنوشي ، وذكر الغنوشي، في أحد خطب الجمعة، بان العقوبة الشرعية في الإسلام لمن "ينشر الإشاعات دون دليل هي 80 جلدة ".
ودعا راشد الغنوشي إلى تطبيق حد الجلد، على "المتكلمين في أعراض الناس بلا دليل ولا برهان"، في إشارة إلى المدونة ألفة الرياحي.
ووصف الغنوشي، ما أتته المدونة "بأخلاق المنافقين"، واعتبر "أن المجتمع المسلم السليم ينبغي له أن يتجنب المس بأعراض الناس ونشر الفاحشة بين المسلمين وذكّر بالعقوبة الدنيوية والأخروية التي أقرها الله عز وجل لمن يقذف الناس في أعراضهم بدون وجه حق"، ودعا المسلمين إلى "أن يتحلوا بالأخلاق الحميدة وأن يتعاونوا على ما فيه الخير للأمة كلها".
وعبر الكثير من الإعلاميين والسياسيين، في تونس عن رفضهم لما جاء في خطبة الغنوشي.
وفي هذا الإطار قال المحلل السياسي منذر ثابت :"إن كلام الشيخ الغنوشي، فيه تنكر لمدنية الدولة، ودعوة صريحة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وتحديدا في بعدها المعروف بالحدود".
وأوضح زياد كريشان رئيس تحرير جريدة "المغرب"، أن ما ورد في خطبة الجمعة، على لسان زعيم حزب سياسي، "يعبر عن الخلط بين الديني والسياسي لدى حركة النهضة، وتوظيف للمقدس في الصراع السياسي الدائر في تونس، كما أنه تنكر من الغنوشي لما سبق وأعلن عنه، والمتمثل في تخليه عن الدعوة لتضمين تطبيق الشريعة في الدستور". من جهته، اعتبر الصحفي معز زيود، "أنه كان على الغنوشي، التأكيد على ضرورة الاحتكام للقضاء، وخاصة فيما يتصل باتهامه بالفساد والتلاعب بالمال العام"، مشيرا إلى كون "اتهام صهره بمعاشرة امرأة أخرى، تبقى مسألة شخصية ولا تهم الرأي العام".
تضامن الحكومة
وسارعت حركة "النهضة" الإسلامية، التي تقود الحكومة الحالية، إلى تكذيب الاتهامات، واعتبرتها محض إشاعات "تداولتها بعض المواقع الإلكترونية" لاستهداف شخص الوزير.
وأعربت رئاسة حكومة النهضة الإسلامية في تونس عن تضامنها مع الوزير، ضد ما وصفتها بأنها "حملة التشويه" التي تستهدفه.
وقالت رئاسة الحكومة التونسية في بيان لها تعقيباً على تلك المعلومات ، إن النفقات التى قام بها الوزير "تبقى خاضعة لقواعد المحاسبة العمومية والهياكل الرقابية المعنية المخول لها النظر والتقصى فى كل التجاوزات المحتملة".
وعبّرت في بيانها عن تضامنها مع رفيق عبد السلام، ومع كل أعضاء الحكومة، ضد ما وصفته ب"حملات التشويه وافتعال الإشاعات وإصدار أحكام نهائية قبل انتظار نتائج البحث والتقصي من طرف الهياكل المعنية".
الاستقالة
وباتت قضية وزير الخارجية رفيق عبدالسلام الشغل الشاغل للشارع التونسي ولوسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث أثار نشر هذه الوثائق ضجة إعلامية في تونس واتهم معارضون ونشطاء على الإنترنت وزير الخارجية ب"إهدار المال العام" و"سرقة أموال الشعب الجائع"، إضافة إلى اتهامه ب"الخيانة الزوجية"، وطالبوه بالاستقالة.
وتباينت المواقف، بين مندد بما حصل- لو تم التأكد فعلا من حدوثه-، وبين رافض للسقوط في مثل هذه "الاتهامات" لتصفية الحسابات السياسية، على اعتبار أن المزاج العام وكذلك "الثقافة السياسية" في تونس، غير متعودة على مثل هذه القضايا، بل هناك رفض لها، وتبنى لمقولة النأي بالحياة الشخصية عن الوظيفة العمومية، وهي من إرث الثقافة الفرنسية التي تعطي بعدا قدسيا للشأن الشخصي للمسئول السياسي.
وأصبحت الوثائق والفواتير المسربة موضع تعليقات ساخرة لشباب الفيسبوك في تونس على غرار " بعد حملة إكبس الناجحة جدآآآ… ننطلق على بركة الله في حملة رجع المليار". و"فمّا رش من رش ورش الشيراتون بفلوس الشعب ما كيفو رش".
وكتب رفيق عبد السلام عل صفحته الشخصية على فيسبوك "إن السهام الطائشة لن تنال شيئا بحول الله من مضاء عزيمتنا وتصميمنا على المضي قدما نحو تحقيق أهدافنا وتطلعات شعبنا". لكن متابعيه طالبوه ب "عقد ندوة صحفية يوضح فيها ملابسات الحكاية". وعلق آخر "قدم استقالتك لحفظ ماء وجه تونس".
وقال آخر "تابع حملة التشهير بك لا في الصحافة التونسية وفي كبريات الصحف العالمية. البعض ذهب الى إحصاء الكلمات التي نطقتها في مقابلتك مع هيلاري بعد أزمة السفارة ليستنتجوا فشلك في مهمتك وتعريض الإرث الخارجي التونسي إلى نكسة".
وقال آخر "مكانك في السجن يا فاسد! ليبرمان الصهيوني في دولة ديمقراطية استقال للتفرغ لتهمة الفساد أما أنت يا نسيب الغنوشى تستهبل… كل شيء تكشف يكفى اعذار أقبح من ذنب انتهيت سياسيا".
وفي النهاية نؤكد أن هذه القضية سوف ترمي بظلالها على المشهد السياسي التونسي، وسيكون لها تأثير كبير على المستقبل السياسي لوزير الخارجية، كما أنها ستزيد من تغذية الانتقادات التي يتعرض لها ، بعد أن عبر العديد من المعارضين وكذلك من داخل حزب النهضة الحاكم عن عدم رضاهم عن أداء وزير الخارجية، وتعدى ذلك إلى المطالبة بإقالته في التغيير الوزاري القادم. مواد متعلقة: 1. وزير الخارجية التونسي : النهضة ستستمر في الحكم لسنوات طويلة 2. الشرطة التونسية تعتقل رجل أعمال بشبهة التخطيط لاغتيالات 3. بدء التحقيق في اتهام مدونة تونسية بالإساءة لوزير الخارجية