اطلق مركز "الحرية للإبداع" التابع لصندوق التنمية الثقافية بالإسكندرية بيانا من أجل الإبداع الحر، والذي اتفق عليه المثقفين والمبدعبن اثناء وقفتهم الاحتجاجية أمام مقر المركز يوم الجمعة الماضية من أجل المطالبة بإبداع حر دون قيد أو شرط، والتصدى للهجمة التي تتعرض لها الثقافة المصرية بجميع أطيافها. وكان مجلس إدارة المركز برئاسة الدكتور مصطفى عبدالمعطى قد ناقش سبل التصدي للهجمة ضد المثقفين والفنانين، وشرح المفاهيم العامة لحرية الإبداع وضروراته وارتباطه بالتنمية في المجتمع، ثم صدق فناني ومثقفي مدينة "الثغر" على البيان المتفق عليه، والذي يروا فيه أنه صوت الإبداع الحر. ومن جانبه أكد الفنان د. وليد قانوش مدير المركز أن هذه الوقفة ليست فقط رمزاً او محاولة للتصدي لما يواجهة الإبداع من صدمات ونكبات، ولكنه يرجو أن تكون لبنة لتحرك فعلي لدعم الحركة الإبداعية والفنية في مصر ما بعد الثورة. وإليكم البيان: "لاشك أن التاريخ المصري يحفل بالكثير من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبالضرورة أيضاً المعرفية، وهو ما استتبع اليقظة المستمرة من كل القوى الشعبية والثقافية على مر الزمان من أجل الحفاظ على الهوية المصرية القائمة على الفكر الوسطىي العقائدي، الذي كان ولم يزل محفزاً على الإستقرار الاجتماعي، والأمان الوطني والوهج الإبداعي .. ولاشك أن ثورة 25 يناير 2011 م هي واحدة من أهم المنعطفات التاريخية في مسيرة الشعب المصري النبيل؛ حيث يتجه الآن نحو تداول السلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعظيم حرية الرأي والتعبير التي تغذي بالتبعية حالة إبداعية منيرة متكاملة الأركان.
وقد تبلور مؤخراً وجود بعض القوى الدينية المتطرفة التي تتربص بالحركة الثقافية المصرية بشكل عام، مستهدفة النيل من حريتها وشموخها باسم الدين الإسلامي عبر تفاسير مغلوطة ومكذوبة تؤدي إلى الفتن والتناحر والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد، علاوة على السباب والشتائم التي أصبحت تنال من السلام الاجتماعى على أرض الوطن، ناهيك عن الحرائق الطائفية التي تسببت فيها تلك الجماعات الخارجة عن أعراف وقوانين المصريين عبر التاريخ، وآخرها محاولات التهجير القسرية لإخواننا المسيحيين من بعض البقاع المصرية، وهو مالم تشهده البلاد في تاريخها على الإطلاق.. وليس خافياً على العالمين ببواطن الأمور المعرفية أن هذا السلوك المتطرف المريض هو في صلب البناء المنهجي لكلمة " ثقافة " التي تحمل في رحمها كل ما ينتمي للمنظومة المجتمعية. يضاف إلى هذا الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإبداع المصري بشكل عام، بدءاً من القدح في المواد الفنية والأدبية دون دراية معرفية بأصولها الإبداعية والحرفية، مروراً بالخوض في حرمات وأعراض المبدعين أنفسهم، وهو ما ينهى عنه ديننا الإسلامي الحنيف جملة وتفصيلاً، ونهاية بالموجات التكفيرية والتفسيقية الكاسحة التي لا تعتمد على جوهر الدين البرىء منها كل البراءة بقدر ما تعتمد على الرغبة الكهنوتية في السيطرة على المقدرات الفكرية لهذا الشعب، الذي علم الدنيا منذ فجر التاريخ الإبداع والعبادة معاً، بما يكفيه شر الكهنوت الذي لا يعترف به الإسلام أصلاً.
لذا فإن اجتماعنا نحن مثقفى ومبدعي الإسكندرية هنا فى مركز "الحرية للإبداع" بالإسكندرية ليس للتنديد أو الشجب أو الإستنكار ، ولكن لحماية الدماغ المصري من السرطان الفكري الذي بدأ يستشري في نسيج الكيان المصري المتجانس، ويهدد عبقريته الذهنية والوجدانية والروحية التي ميزته عن باقي الأنسجة الشعبية على مر العصور، وهو ماليس بغريب على مدينة الإسكندرية التي تبقى عاصمة للثقافة والإبداع قديماً وحديثاً؛ حيث كانت ومازالت تشع بنورها المعرفي على جنبات الكون من خلال مكتبة الإسكندرية العتيقة.. وعليه فقد اتخذنا القرارات الآتية :
أولاً : مخاطبة وزير التربية والتعليم من أجل إعادة المعمار التربوي للشخصية المصرية عبر الإجراءات المتلخصة فى النقاط التالية : - الإسراع بتطوير المناهج الإبداعية في المدارس بمراحلها المختلفة من الإبتدائي والإعدادى والثانوى، من خلال الحصص التشكيلية والموسيقية والغنائية والأدبية والمسرحية بشكل تخصصي عميق، بما يدعم الوجدان المصري ضد المزاج الديني المتطرف الدخيل على ثقافة مصر. - ربط تلك المناهج الإبداعية بأوصال المجتمع في كل مناحيه من المسجد إلى الكنيسة إلى المصنع إلى الغيط إلى الميدان، وغنى عن التعريف أن الجغرافيا المصرية غنية بكل هذه المعطيات في معظم أركانها. - العناية بزيادة الجرعة الدينية الوسطية عبر تفاسير كبار الأئمة المشهود لهم بالكفاءة والإعتدال، بما يشكل حائط صد ضد التيارات المتطرفة دينياً التي تريد أن تسرطن الجذور الدينية لأمتنا الوسطية عبر أجيالنا المتتابعة . ثانياً : مخاطبة وزير الإعلام بتطوير البرامج المختصة بالمنتج الإبداعي بمختلف ضروبه، وإعطاء مسئوليتها لأهل الاختصاص من خلال تعاون بين وزارات الإعلام والثقافة والتربية والتعليم . ثالثاً : تشكيل جبهة إبداعية شعبية سكندرية من صنوف وطوائف الفن المختلفة للتواصل المباشر مع رجل الشارع المصرى الذي بات هدفاً للتيارات الدينية المتطرفة؛ حيث تستغل بساطته المعرفية بشئون الدين، علاوة على الحساسية والشفافية العقائدية التي يتميز بها المصريون، والتي أمست جسراً إنتهازياً لكل المتاجرين بالدين وغلاوته وقداسته عندهم . رابعاً : تشكيل لجنة من كبار أساتذة القانون والناشطين الحقوقيين بالإسكندرية لملاحقة كل السبابين واللعانين والشتامين الذين يتطاولون على حرمات وأعراض المثقفين والمبدعين المصريين من خلال قنواتهم الدينية ومواقعهم الإليكترونية المحتشدة بالأفكار المتطرفة المعادية للوسطية الإجتماعية والألق الإبداعى معاً ، وهو ما يمثل خطراً على الأمن القومي المصري.. وفي هذا فقد قرر المثقفون السكندريون أنه لا تهاون ولا تراجع في هذا المنحى الذىي لا هزل ولا تردد فيه، مؤكدين أن أيادينا ستطال كل المتجاوزين بالتصريح أو التلميح على أى وسيلة تواصل إعلامي في كل بقاع مصر من خلال أنياب سيادة القانون الذي بدأ يطبق على الجميع في وطننا الجديد بعد ثورة 25 يناير 2011 م، وفى هذا الصدد نقول أننا أعذرنا أنفسنا بهذا الإنذار الواضح".