رغم تأكيد رئيس الوزراء العراقى نوري المالكي انه يحمل نية صادقة وارادة قوية وصلبة لايجاد حل نهائي لجميع المشكلات والمسائل والمعوقات التي خلفها النظام العراقى السابق في غزوه للكويت ، وأن الأمور التي حصلت سابقا لن تشكل عائقا للبحث بين الاشقاء عن افضل الظروف والعلاقات التي تخدم عملية الاستقرار والمصالح المشتركة وتقيم نظاما جديدا للعلاقات ، الا أن اختصار الزيارة التى قام بها للكويت امس والتى كان من المقرر ان تستمر يومين اعطى مؤشرا على عدم رضاه لما تمخض عنه اليوم الأول للزيارة ، خصوصا ما قيل عن تأكيد رئيس مجلس الأمة أحمد السعدون له خلال استقباله له بأنه لا توجد نية لإسقاط الديون الكويتية على العراق مطلقا ، وهو الأمر الذي نفاه المالكي قبيل مغادرته قائلا "هذا الكلام غير صحيح وهو من صنع من يريد التشويش على هذه الزيارة " . وحرص المالكي في زيارته على اصطحاب وفد من 39 عضوا ، يتقدمهم وزراء النفط عبدالكريم لعيبي ، والخارجية هوشيار زيباري ، والنقل هادي العامري ، والمالية رافع العيساوي ، والكهرباء عبدالكريم عفتان ، وحقوق الانسان محمد شياع السوداني ، إضافة إلى وزير الدولة لشؤون مجلس النواب صفاء الدين الصافي ، والناطق الرسمي باسم الحكومة علي الدباغ ، والمستشار الإعلامي علي الموسوي ، كما ضم الوفد مجموعة من كبار المسؤولين العسكريين بينهم قائد قوات حرس الحدود ، وقائد القوات الجوية ، ومدير المساحة العسكرية ، إضافة إلى مجموعة من المستشارين يتقدمهم رئيس هيئة المستشارين في مكتب المالكي ثامر الغضبان ، ثم خمسة من عناصر الحماية الشخصية لرئيس الوزراء . زيارة هامة وقد وصفت مصادر حكومية رفيعة المستوى زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي للكويت بالمفصلية والهامة ، كونها تأتي قبل انعقاد القمة العربية المزمع عقدها في بغداد بأسبوعين ، مؤكدا أن الأجواء التي سادت المباحثات كانت ايجابية ومؤشرا الى اتفاق الجانبين على حسم الملفات العالقة بين البلدين ، مشيرة الى ان الشيخ جابر المبارك رئيس الوزراء والمالكي اتفقا على وضع خارطة طريق لحسم ملفات الديون والحدود وخروج العراق من البند السابع لعقوبات الأممالمتحدة ، إضافة إلى بناء الكويت لميناء مبارك الكبير. وذكرت المصادر ان من الملفات التي حرص الجانبان على حسمها أيضا خلال المباحثات التعويضات والديون العراقية للكويت ، وترسيم الحدود البرية بين البلدين ، وتنظيم الملاحة في خور عبدالله ، إضافة إلى قضايا الأسرى والمفقودين والمزارع العراقية على الحدود مع الكويت. كما تناولت المباحثات التعاون النفطي في حقلي الرتقة وسفوان الحدوديين وتنظيم الخدمات الجوية بين البلدين ، إضافة الى سبل تفعيل التبادل التجاري بينهما ، ومناقشة سبل منع التجاوزات البحرية من قبل الصيادين وبحث الأوضاع القانونية لاستعادة وحرية التصرف بالممتلكات الخاصة بالمواطنين الكويتيين في العراق.
وأكدت المصادر أن الاجتماعات والمباحثات التي عقدت ايجابية حيث أوضحت الكويت موقفها من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك ، مع تأكيد الكويت أنها ترفض أن تسيء لأي دولة وخصوصا دول الجوار وبالتالي اقامة أي مشروع على الأراضي الكويتية تتم دراسته جيدا من جميع الجوانب الفنية للتأكد من عدم تأثر دول الجوار بهذه المشاريع وهذا ما تم في مشروع ميناء مبارك الكبير الذي سبق وحضر وفد فني من الحكومة العراقية واطلع على هذه التفاصيل ، لافتة إلى أن الكويت لا تملك إخراج العراق من البند السابع باعتبار أن هذا القرار صادر من الأممالمتحدة
القضايا العالقة ورغم أن المحادثات الكويتية - العراقية أمس لم تسفر عن حسم قضيتي الديون ولا التعويضات ، كما لم تضع حدا لقضية الحدود المشتركة ، فإنها توصلت لاتفاق بقيمة 500 مليون دولار لتسوية ديون تعود لفترة حرب الخليج منعت الخطوط الجوية العراقية من تسيير رحلات إلى الغرب ، حيث تم الاتفاق على أن يدفع العراق للكويت 300 مليون دولار نقدا وتستثمر 200 مليون دولار أخرى في شركة طيران كويتية - عراقية مشتركة ، وبذلك توقف الكويت اجراءاتها القانونية ضد الخطوط الجوية العراقية ، الذى يعد جزءا من نزاع طويل الأمد بين العراق والكويت بشأن تعويضات بمليارات الدولارات عن غزو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للكويت في 1990-1991 ، حيث استولت القوات العراقية على طائرات وقطع غيار خلال احتلالها للكويت إبان حكم صدام ، وذلك قبل طردها من هناك خلال حرب الخليج الأولى التي قادتها الولاياتالمتحدة ، وتنظم الخطوط الجوية العراقية رحلات منتظمة إلى بيروت ودبي وطهران وعمان ، ولكن الدعاوى القانونية التى اقامتها الكويت جعلت من الصعب إطلاق رحلات إلى مدن أوروبية دون المخاطرة بمصادرة طائراتها . وقد أعلن المتحدث الرسمي للحكومة العراقية د.علي الدباغ عن أن لجنة مشتركة عليا كويتية - عراقية سوف تجتمع بعد القمة العربية للانتهاء من كل الملفات العالقة التي لم يتم الاتفاق عليها نهائيا خلال محادثات رئيس الوزراء العراقي مع امير الكويت والمسؤولين الكويتيين ، موضحا أن هناك تأكيدا من الطرفين على أن بقاء هذه الملفات عالقة ليس من مصلحة الطرفين ويجب أن يتم حلها ، وهذه اللجنة سوف تقارب هذه المسائل ، مؤكدا ان هذا الأمر كان نقطة ايجابية وخطوة مهمة من اجل الانتهاء من هذه الملفات ، وهناك فرصة كبيرة جدا للبلدين، وحول مسألة الحدود بين البلدين قال هذه نقطة مهمة وبتوجيهات من الطرفين سيتم مقاربتها وحلها بالروح التي سادت المباحثات أمس ولا يوجد أي مانع من المضي لحل كافة المسائل العالقة بما فيها الحدود وسوف تتفق اللجنة على هذا الأمر بما يعطي كل طرف حقه ، أما فيما يخص التعويضات والديون فأكد أنه لم يتم الاتفاق على حسمها بل أن يتم بحثها على طاولة المفاوضات ، لأن هناك توجيهات بالذهاب سويا إلى الأممالمتحدة بعد الاتفاق فيما بيننا . جدير بالذكر أنه في عام 1994 اتخذت الأممالمتحدة قرارا ينص على انشاء صندوق للتعويضات على العراق دفعها للكويت وقيمتها 15ر30 مليار دولار ، اضافة الى 2ر22 مليار أخرى كديون بين البلدين. واشار المتحدث الرسمى باسم الحكومة العراقية د . على الدباغ إلى انه تم طرح افكار عديدة مثل أن تكون هناك ادارة مشتركة للممرات المائية ، لافتا إلى ان هذا الامر ستتم مناقشته في المستقبل ، وأنه ستتم أيضا مناقشة ميناء مبارك رغم تأكيد الكويت سابقا أن الميناء أمر سيادي ولن يكون خاضعا للنقاش. ميناء مبارك يذكرأن سعى الكويت لإنشاء ميناء مبارك الكبير على جزيرة بوبيان التي تقع في أقصي شمال غرب الخليج العربي جاء ليضع الكويت فى مصاف الدول العملاقة في قطاع النقل البحري وهو من أهم روافد التقدم والتطور الاقتصادي من خلال العمل علي تقليل تكلفة نقل السلع والبضائع ودعم الروابط التجارية والاقتصادية مع دول الجوار والعالم الخارجي. ويري العراق أن المشروع يحمل تأثيرا سلبيا على الموانيء العراقية التي تعد رئة العراق وأحد المنافذ البحرية المهمة ..وأنه سيشل عمل ثلاثة موانيء عراقية هي ميناء أم قصر الشمالي والجنوبي وخور الزبير ، بالإضافة للتأثير في التيارات البحرية وفي عملية المد والجزر وكمية المياه المتحركة داخل قناة خور عبدالله التي تستخدمها السفن التجارية للوصول من وإلى الموانيء العراقية والتي يمر من خلالها نحو 75 فى المئة من تجارة النفط. وقد بلغت نسبة الانجاز فى ميناء مبارك الكبير 29 فى المئة ، وهو يتكون من اربع مراحل سيبدا تشغيل الميناء بعد انتهاء المرحلة الاولى منه ، وتحتفظ الكويت بوثيقة عراقية تقر بوقوع الميناء ضمن حدود الكويت وأنه تمت مناقشة عملية تشييده في عام 2007 وهو ما ينفيه المسئولون العراقيون . ومن زاوية القانون الدولي ، فإن الكويت عليها التزام بعدم إعاقة الملاحة البحرية، حيث يقضي القانون الدولي للبحار 1982 بعدم إعطاء الحق لأي بلد بتشييد ميناء دون أخذ موافقة الدولة المتشاطئة معها في المياه وحماية حق الدول في المرور البري عبر المياه الإقليمية للدولة. وجاء الاعلان العراقى عن موافقة مجلس الوزراء على السماح للكويتيين المالكين للعقارات في جمهورية العراق بالتصرف في عقاراتهم ما لم يوجد مانع قضائي ، مع مراعاة مبدأ المعاملة بالمثل من الجانب الكويتي بخصوص حقوق العراقيين ، على ان يتم تبادل هذه الالتزامات والموافقة عليها عبر القنوات الديبلوماسية ومن خلال تلقي الطلبات الفردية وتوثيقها من قبل الجهات المعنية في الدولتين ، متزامنا مع زيارة المالكى لابداء حسن النية من الجانب العراقى ، ولتذليل بعض الصعوبات الى تواجه حل الكثير من المشاكل التى تعترض مسيرة التعاون بين الكويت والعراق. كما وعد رئيس الوزراء العراقى بحل قضية الطالب الكويتى علي الحربي المعتقل في العراق منذ عام 2004 ، حيث انه اعتقل مع طلاب اماراتيين وقد تم الافراج عن الاماراتيين بعام 2008 والطالب الكويتي لايزال معتقلاً. ولعل تأكيد المالكي ان العراق يتبنى في سياساته الخارجية اتجاه حل جميع مشكلاته وفق السياقات والعلاقات الدبلوماسية والمصالح المشتركة ، بعيدا عن التدخلات في شؤون الاخرين، وأن المسائل الكبيرة كافة اذا توفرت لها النية الصادقة والارادة الصلبة ، فسننتهي الى حلول ليس لصالح طرف واحد وانما لصالح البلدين حينما تستقر العلاقات ونعود كبلدين جارين شقيقين يتعاونان لما فيه مصلحتهما ، يعطى بصيصا من الامل فى فتح صفحة جديدة بين الكويت والعراق بعد سنوات من العداء والتربص. ويبدو أنه لا مفر للبلدين من بناء علاقة اساسها الثقة والامن المشترك ، وتناسى الماضى بكل ما يحمله من جراح والام ، وان يطل الجانبان على المستقبل من خلال نافذة مضيئة تحمل الكثير من الامال للشعبين والبلدين.