قال مسئولان مصريان إن الحكومة المصرية ستتراجع في مواجهة مع واشنطن بشأن التمويل الأمريكي لبعض منظمات المجتمع المدني لأن السماح باستمرار النزاع يمكن أن يعرض للخطر مساعدات بمليارات الدولارات. ومنعت السلطات المصرية 40 ناشطا أجنبيا ومحليا بينهم 19 أمريكيا من مغادرة البلاد وأحالتهم إلى محكمة الجنايات متهمة إياهم بإدارة منظمات غير حكومية دون ترخيص وتلقي أموال أجنبية دون موافقة رسمية.
ولجأ بعض الأمريكيين إلى السفارة الأمريكية في القاهرة. ويعمل هؤلاء لدى المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي وهما منظمتان تحظيان بتمويل من الحكومة الأمريكية.
وطلبت واشنطن من مصر إلغاء قرار المنع من السفر والسماح للجماعات التي استهدفها التحقيق باستئناف عملها. وحذر الكونجرس والبيت الأبيض من أن الحملة على المنظمات يمكن أن تهدد المساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار سنويا.
وقالت الحكومة المصرية إنها لا تستطيع التدخل في عمل القضاء وردت بغضب على الانتقادات الأمريكية للحملة. وقال أحد الوزراء إن مصر "لا تقبل تهديدات من الولاياتالمتحدة".
ومن المستبعد أن تقبل واشنطن زعم الحكومة الحياد في القضية التي تبرز التوتر بين البلدين منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط الماضي.
لكن مسئولين معنيين بالإستراتيجية الدبلوماسية المصرية قالا إن الحكام العسكريين يريدون تهدئة التوتر لضمان استمرار تدفق المساعدات والحصول على الدعم الأمريكي لضمان الخروج بشروط مواتية لقرض من صندوق النقد الدولي لمصر.
وقال أحد المسئولين لرويترز مشترطا عدم الكشف عن اسمه "سيرفع حظر السفر وسيتوقف التصعيد. مصر تحتاج القروض وأموال صندوق النقد الدولي .. لكن من الضروري تحسين الشروط."
وأضاف أن القادة العسكريين يعتقدون أن الحكومة الأمريكية يمكنها مساعدة مصر في الحصول على تمويل من صندوق النقد بشروط تفضيلية.
وقال المسئول الثاني إن إبرام اتفاق بشروط أيسر مع صندوق النقد الدولي واستمرار المساعدات العسكرية من بين أولويات القادة العسكريين.
وألغى وفد عسكري مصري في زيارة لواشنطن اجتماعات مع مشرعين أمريكيين فجأة وعاد إلى القاهرة يوم الاثنين.
وعقد الوفد اجتماعات مع مسئولين عسكريين بوزارة الدفاع والفريق الأمني للرئيس باراك أوباما ودبلوماسيين كبار معنيين بالشرق الأوسط والشؤون العسكرية.
وأبلغ عضو بارز في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر رويترز يوم الثلاثاء أنه سيسافر إلى واشنطن خلال يومين في زيارة متابعة.
وكشف الخلاف أيضا عن توتر بين الكونجرس والمسئولين الدفاعيين الذين يريدون حل النزاع بشأن المنظمات غير الحكومية دون تهديد العلاقات العسكرية القوية مع مصر.
وقال مسئول أمريكي لرويترز "نحن نشعر أن جانبا كبيرا من قضية المنظمات غير الحكومية في مصر له علاقة قوية بالشؤون السياسية الداخلية. القيادة العسكرية المصرية تراقب هذا الاتجاه عن كثب ومن ثم ربما لا تريد التدخل بشكل متعجل."
وأضاف "ربط المسألة باستمرار المساعدات المالية الأمريكية محتمل أيضا لكن المساعدات الأمريكية لم تكن حقا في خطر كبير أصلا وعلى المصريين أن يعلموا أن قضية المنظمات غير الحكومية تسهل على منتقدي الحكومة المصرية الدعوة لوقف المساعدات ولاسيما في الكونجرس."
وقال المسئولون إن الحكومة المصرية تعتقد أن العلاقات مع الولاياتالمتحدة يمكن أن تعود إلى طبيعتها سريعا نظرا لوضعها كضامن لمعاهدة السلام مع إسرائيل.
لكن واشنطن التي أيدت مبارك إلى أن تحولت الانتفاضة المناهضة لحكمه الى قوة لا سبيل إلى وقفها تلمس صعوبة في إقامة علاقة مريحة مع من تولوا السلطة بعده.
وأشرف المجلس العسكري على إجراء أكثر انتخابات مصر نزاهة في ستة عقود ودعا إلى الإسراع بإجراءات انتخابات الرئاسة وهي الخطوة الأخيرة قبل تسليمه السلطة بحلول منتصف 2012 كما وعد. ويقول منتقدون إن المجلس سيقاوم السيطرة المدنية على ميزانية الدفاع ومصالح الجيش الاقتصادية.
وقتل العشرات في احتجاجات مناهضة للحكم العسكري منذ نوفمبر تشرين الثاني ولم ينفذ التعهد بإلغاء حالة الطوارئ إلا جزئيا.
وزاد التحقيق بشأن المنظمات غير الحكومية التي تحصل على تمويل أجنبي الاتهامات من منظمات حقوقية للجيش بتعطيل انتقال مصر إلى الديمقراطية.
ويريد الكونجرس الأمريكي الآن ربط المساعدات الأمريكية لمصر بخطوات باتجاه التحول إلى الديمقراطية.
غير أن مسئولا في وزارة الدفاع الأمريكية قال إن العلاقات مع مصر "لها أهمية استراتيجيه كبيرة بحيث لا يمكن قطعها" وإن البنتاجون يؤيد "تسليما محكوما للسلطة إلى حكم مدني".
وقال مسئولان مطلعان إن المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحدث هاتفيا مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 20 يناير كانون الثاني وبحث معه حاجات مصر من التمويل الأجنبي والحملة على المنظمات غير الحكومية.
وأضاف أن أوباما أبلغ طنطاوي أنه لا سيطرة للولايات المتحدة على الاتفاق مع صندوق النقد أو القروض الأخرى ورد طنطاوي بأنه لا سيطرة للمجلس العسكري على التحقيقات المصرية بخصوص المنظمات غير الحكومية.
وانتهت المكالمة الهاتفية بتبادل الوعود بإيجاد مجالات اتفاق.
وبدأت المساعدات العسكرية لمصر بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.