عاشت الكويت خلال الأيام القليلة الماضية حالة غير مسبوقة من اللغط والجدل حول مدى صحة إجراءات صدور مرسوم حل مجلس الأمة، بعد التأجيل المفاجئ لاجتماع مجلس الوزراء، وتسيد المشهد الخبراء الدستوريون الذين تضاربت آراؤهم حول سبل الخروج من المأزق وإن كان هناك "شبه اتفاق" على وقوع البطلان. وللخروج من هذه الحالة أدى أعضاء الحكومة الجديدة اليوم الأربعاء، اليمين الدستورية أمام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الحكومة الجديدة ستكون حكومة تصريف أعمال حتى تنتهي الانتخابات البرلمانية المقبلة، وسيصدر مرسوم جديد بحل مجلس الأمة، منعا للغط الدائر حول عدم دستورية مرسوم حل مجلس الأمة، وكذلك عدم دستورية مرسوم الدعوة للانتخابات القادمة.
الحكومة الجديدة ولحل الفراغ الدستوري الذي تعيشه الكويت حاليا كان الشيخ جابر المبارك قد أعلن تشكيل حكومته الجديدة - القديمة والتي تضم عشر وزراء من حكومة تصريف الأعمال.
وفي التشكيلة التي أعلنها الجابر خرج أربعة وزراء وهم هلال الساير وزير الصحة، ومحمد العفاسي وزير العدل والشئون الاجتماعية والعمل، وعبد الوهاب الهارون وزير الدولة لشئون التخطيط والتنمية، وعلى الراشد وزير الدولة لشئون مجلس الوزراء، وحمل الباقون أكثر من حقيبة نتيجة خروج من يصر على الاستقالة أو يرغب في خوض الانتخابات البرلمانية.
والحكومة الجديدة مشكلة من: الشيخ جابر المبارك رئيس الوزراء وتضم: 1- الشيخ أحمد حمود الجابر الصباح نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية. 2 - الشيخ صباح خالد الحمد الصباح نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية ووزير دولة لشؤون مجلس الوزراء. 3 - مصطفى جاسم الشمالي وزيرا للمالية ووزيرا للصحة. 4 - الدكتور فاضل صفر علي صفر وزيرا للأشغال العامة ووزير دولة لشئون البلدية. 5 - الدكتور محمد محسن البصيري وزيرا للنفط ووزير دولة لشئون مجلس الأمة. 6 - احمد عبد المحسن المليفي وزيرا للعدل ووزيرا للتربية ووزيرا للتعليم العالي. 7 - الدكتورة أماني خالد بورسلي وزيرا للتجارة والصناعة ووزير دولة لشؤون التخطيط والتنمية. 8 - سالم مثيب أحمد الاذينة وزيرا للكهرباء والماء ووزيرا للمواصلات. 9 - محمد عباس ربيع النومس وزيرا للشؤون الاجتماعية والعمل ووزيرا للأوقاف والشئون الإسلامية ووزير دولة لشئون الإسكان. 10 - الشيخ حمد جابر العلي الصباح وزيرا للإعلام .
مسئوليات وتطلعات
وبعد تأدية الحكومة لليمين الدستورية أكد أمير دولة الكويت في كلمة له أن أمام الوزارة الجديدة مسئوليات كثيرة تجاه الوطن والمواطنين وتحديات نأمل تجاوزها ومواصلة الانطلاق نحو خطى الإصلاح والتنمية، لدفع مسيرة العمل الوطني وتحقيق تطلعات المواطنين المنشودة.
وطالب الأمير الوزراء بتوجيه كافة الجهود والطاقات لكل ما ينفع الوطن والمواطنين وترسيخ مبدأ احترام القانون والأنظمة، مشيراً إلى الأسباب والاعتبارات التي صاحبت استقالة الحكومة وحل مجلس الأمة، والتي اقتضت العودة إلى الشعب لحسن اختيار من يمثلهم في هذه المرحلة الدقيقة ومواجهة تحدياتها المختلفة، بعيدا عن العصبيات القبلية والطائفية والفئوية، وأن يكون معيار الاختيار هو الإخلاص للوطن ووضع مصلحته فوق كل اعتبار، وبما يهيئ الأجواء والمقومات الكفيلة بتحقيق الإنجازات المرجوة وما يعلقه المواطنون من آمال وتطلعات لن تتأتى إلا بتعاون تام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وبتضافر كافة الجهود والطاقات للارتقاء بالكويت إلى المكانة المستحقة.
ووجه أمير الكويت التحية إلى الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح والوزراء السابقين على ما قاموا به جميعا من أداء لمسئولياتهم بكل اقتدار وجدارة.
وعود حكومية
من جهة أخرى، أكد الشيخ جابر المبارك الحمد الصباح، أنه تقديرا لجسامة المسئولية وأهمية عنصر الزمن في اتخاذ التدابير والإجراءات الكفيلة بمعالجة الأوضاع القائمة، وتسريع خطى الإصلاح المنشود، ودفع مسيرة العمل الوطني نحو تحقيق الغايات الوطنية المرجوة، والتي لا يتيحها القيام بالمهام المحدودة المخولة للوزراء في إطار تصريف العاجل من الأمور، فكان الإسراع في ترشيح الوزراء أعضاء الحكومة الجديدة، وذلك حتى يكون الانجاز رائدنا ونتمكن من مواصلة الليل بالنهار للنهوض بالكويت وتحقيق الأمن والاستقرار وخلق الأجواء الكفيلة بدفع مسيرة البناء والتنمية.
وشدد المبارك في كلمته عقب أداء أعضاء الحكومة اليمين الدستورية على أن الوزارة الجديدة ستضع نصب أعينها مصالح الكويت العليا، من اجل انطلاق مرحلة جديدة من العمل الوزاري لدفع مسيرة العمل الوطني في رحاب التنمية الشاملة، لتحقيق المزيد من الازدهار والرخاء، وان تبذل ما في الوسع لتحقيق آمال وتطلعات أبناء الكويت.
الحكومة غير دستورية
ويبدو أن التشكيل الحكومي الذي أعلن في الكويت، لن يحل الأزمة الدستورية التي تشهدها الكويت منذ استقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد في 28 نوفمبر الماضي، وما استتبعها من تكليف الشيخ جابر المبارك بتشكيل الحكومة، وأدائه اليمين منفردا أمام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، ثم ترؤسه للمجلس القديم وتقديم كتاب عدم تعاون مع مجلس الأمة مما أدى إلى صدور مرسوم بحل المجلس.
وكان مصدر مطلع في اللجنة القانونية التي شكلتها الحكومة لبحث الوضع دستوريا وقانونيا وعقدت أول اجتماع لها الثلاثاء، أكد أن الأمور معقدة ولا ترتبط فقط بتشكيل حكومة، بل بعودة المجلس المنحل من خلال سحب مرسوم حله، لأن الحكومة الموجودة حالياً غير دستورية لعدم وجود نائب من المجلس فيها، باعتبار أن العضو النائب في الحكومة المستقيلة والحالية علي الراشد سقطت عضويته النيابية بصدور مرسوم حل المجلس، وأن الحكومة التي رفعت مرسوم الحل هي أصلا غير شرعية لعدم وجود العضو النائب.
وتساءلت مصادر كيف يتم تشكيل حكومة جديدة ودستورية في غياب المجلس؟، مشيرة إلى أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة هي إعادة بناء جميع الإجراءات دستورياً بما يتوافق ونصوص الدستور والقانون، وان تعاد الشرعية للمجلس المنحل بسحب مرسوم حله حتى يعود لممارسة صلاحياته، على أن يختار الشيخ جابر المبارك عضوا من المجلس يشكل حكومة صحيحة على الأقل شكليا لأن الحكومة ذات الصلاحية الكاملة لا تحصل على غطاء دستوري إلا بعد أن تؤدي اليمين الدستورية أمام المجلس، وبعد ذلك يحق لهذه الحكومة الشرعية أن ترفع كتاب عدم التعاون وتطلب حل المجلس، وبذلك يمكن اجتياز شبهات عدم دستوريتها أو دستورية حل المجلس.
وذكرت المصادر أنه وبناء على وجود شبهات دستورية في مرسوم حل المجلس فإنه يعتبر المجلس قائماً، وعضوية النواب فيه سارية وبالتالي فإن حصانتهم مستمرة، ولذلك فإن مثول بعض الأعضاء أمام النيابة في قضية غسل الأموال تعتريها شبهة عدم القانونية لأن مثولهم في هذه الحالة يتطلب قراراً من المجلس برفع الحصانة عنهم وما يتبع ذلك من إجراءات طلب النيابة هذا الإذن من المجلس.
خبراء: الحكومة سليمة دستورياً
ولكن في المقابل، أكد الخبير الدستوري الدكتور محمد الفيلي سلامة هذه الحكومة دستوريا، وقال: "إنها شكلت في ظرف ضرورة وهو استثناء يجيزه الدستور بتشكيل حكومة بدون نائب، كحالة إن تعرض الوزارة على النواب جميعا ويعتذرون، إلا انه أكد ضرورة عدم التوسع في هذا الاستثناء".
وأشار الخبير إلى أن الحكومة الجديدة ليست ملزمة بأداء القسم أمام مجلس الأمة للحيازة على دستوريتها، ويكتفي لذلك بقسمها أمام أمير الكويت، معتبرا أن صدور مرسوم التشكيل هو بداية التصويب الدستوري.
وأوضح الفيلى أن المنتظر في شأن مرسوم الحل هو بين سيناريوهين أولهما الإبقاء على المرسوم الحالي وإصدار آخر، والثاني وهو الأسلم أن يتم سحب مرسوم الحل وإعادة إصدار مرسوم جديد من خلال الحكومة الجديدة الدستورية.
وقال الخبير الدستوري الدكتور محمد المقاطع لصحيفة "الراي" الكويتية أنه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وأداء القسم أمام الأمير لإثبات الوضعية الصحيحة، تنوّه الحكومة الجديدة بأن مرسوم الحل السابق لمجلس الأمة غير دستوري وتُقَرّر سحبه، ثم تصدر مرسوما جديدا بحل المجلس.
وبين المقاطع أن الحكومة تتخذ في حال تشكيلها قرار إيقاف الأعمال التي اتخذت منذ يوم الحل وحتى تشكيل الحكومة الجديدة، لأنها أمور غير دستورية، وبعد ذلك يصدر مرسوم دعوة الناخبين الى انتخابات جديدة ، وأكد أن تكرار السبب الذي ذكر عند إصدار مرسوم الحل ليس له وجود ولا يعتد به ، وأن ذكر السبب نفسه عند إصدار مرسوم الحل الجديد لا يعتبر مخالفا للدستور، وتحديدا للمادة 107 التي تشترط عدم تشابه أسباب حل المجلس ، ولا إشكالية في ذلك.
وأعلن النائب السابق سعدون حماد العتيبي المضي في دعوى الطعن في مرسوم حل المجلس والطلب المستعجل بوقف إجراء الانتخابات لحين تصحيح المخالفات الدستورية، مشيرا إلى انه تم إجراء مراجعة للمذكرة بشكلها النهائي والبناء القانوني، الذي كيفت فيه بعد تطورات تشكيل الحكومة ومدى وجاهة وقانونية الإجراء الواجب اتخاذه من إجراءات لتصحيح الوضع.
ولفت النائب سعدون إلى أن المذكرة ستودع في المحكمة الإدارية صباح اليوم الأربعاء، متضمنة الطلب المستعجل لوقف الانتخابات.
أوساط دستورية
في الوقت ذاته حملت أوساط دستورية وقانونية بشدة على كتلة العمل الشعبي إجمالا وعلى رئيسها النائب السابق أحمد السعدون على وجه الخصوص، مستغربة صمته المريب والمثير لعلامات الاستفهام حيال الشبهات المتعلقة ببطلان إجراءات حل المجلس، وقالت: "إن السعدون هو أول من يدرك وأكثر من أي شخص آخر بطلان إجراءات حل مجلس الأمة، ومع ذلك فقد لاذ بالصمت المريب ولم يحرك ساكنا للدفاع عن الدستور لمجرد توافق هذه الإجراءات مع مصالحه ورغباته، وعلى رأسها إقالة الحكومة وتغيير رئيسها، وبطبيعة الحال حل مجلس الأمة، الذي يمني نفسه بالعودة إلى اعتلاء منصة رئاسته من جديد بعد إعلان الرئيس السابق جاسم الخرافي عن قراره عدم الترشح مجددا"، معربة عن أسفها العميق لتبني السعدون مثل هذا الموقف .
كما ذكرت مصادر مطلعة عن إجراءات حازمة ستتخذ ضد عدد من المستشارين والخبراء الدستوريين والقانونيين الذين قدموا آراء غير سديدة وتتناقض مع صحيح النص الدستوري، وتسببوا لاحقا في وقوع شبهة البطلان.
وأشارت المصادر إلى أن هناك استياءا عارما من رئيس إدارة الفتوى والتشريع فيصل الصرعاوي الذي تأكد رسوبه في أول امتحان حقيقي له منذ شغل المنصب على حد قول المصادر.