الأحداث المؤسفة الجارية بميدان التحرير تعود بنا إلي نقطة الصفر فلا فرق بين ما حدث في 25 يناير وما يحدث الآن وتنقله القنوات الفضائية للإعلان السافر عن فشل الثورة ، فقد كانت دوافع الجماهير في الخروج إلي الميدان الرئيسي بوسط القاهرة والميادين المختلفة بمحافظات الجمهورية هي القضاء علي الفساد والإستبداد والتمييز وإقرار الحرية والعدالة ، تلك الأساسيات التي شهدتها مصر ودفعت في سبيلها ضريبة غالية من الدماء والأرواح .. الآن وبعد مرور ما يقرب من عام علي الثورة نجد أنفسنا في مواجهة أسباب إنعدام تحقيق المنجزات كأننا لا زلنا في معية الحزب الوطني ورموزة ومحكومين بنظريات حبيب العادلي الأمنية ومطوقين بسياجات الحديد والنار فما كدنا نلتقط الأنفاس ونستنشق هواء الحرية حتي خنقتنا الغازات المسيلة للدموع وصعقتنا العصيان الكهربائية وطحنتنا الهروات الثقيلة . المشكلة بدأت بتحركات الفلول في إتجاه زرع الفتن ودق الأسافين في العلاقة بين الشعب والجيش لضمان مباديء الإفشال ، وقد جاءت الإجراءات سريعة وفاعلة ، مرة بالإحتجاجات ومرة بالإضرابات والإعتصامات ومرات بسريان الشائعات وتأليب القوي السياسية ضد المجلس الأعلي للقوات المسلحة ، وبرغم وضوح الرؤية وبيان المقاصد وقع الجميع في المحظور وأبتلعوا الطعم ومضي كل فريق في التجبيه ضد الآخر فأتخذ الثوار من المجلس العسكري خصماً وأنبروا في الهجوم عليه ولم يصمت المجلس أمام المناورات وحالات النقد الشديدة ولكنه استجاب للإستفزازات وأنقاد وراء الفتن وبالطبع كانت قوات الأمن المركزي دروعه التي تصدت للمتظاهرين فقمعت وضربت وقتلت وأزهقت أرواح فعادت الحياة سيرتها الأولي ، أعداد من الشهداء واسطول من العربات المحترقة ومزيد من الحواجز الحديدية تقطع خطوط السير وتربك المرور وتعطي ملمحاً سلبياً للدلالة علي أننا في حالة حرب وغير قادرين علي إجراء إنتخابات برلمانية وتأسيس دولة ديمقراطية وهذا هو المبتغي والهدف الرئيسي لدي أعداء الثورة الواقفون بالمرصاد لأي إصلاح وأي محاولة للتغيير ، بيد أن الأخطر من توقف العملية الإنتخابية وتعطيل المسيرة الديمقراطية هو الضحايا ال "35 " الذين قُتلوا جراء تمردهم وإحتجاجهم علي تحويل المدنيين إلي المحاكم العسكرية وتعطيل محاكمات رؤوس الفساد في الدولة المنقضية وإستمرار قانون الطواريء وإستحداث وثيقة المباديء فوق الدستورية ، ناهيك عن المشكلات الأساسية التي تمس عصب الحياة الإجتماعية والإقتصادية والمتصلة مباشرة بالأمن والأمان وتوفير لقمة العيش . لقد تم نزع فتيل القنابل الموقوتة بدلاً من إبطال مفعولها فجاءت النتيجة الحتمية بصورتها الراهنة .. صدام وترويع وقتل وسحل وتبادل إتهامات وتشرزم ، وتراجع للشعار الذي إحتمت فيه الثورة وتنامت تحت لوائة .. " الشعب والجيش إيد واحدة " ولعله الخسارة الأفدح التي جرت وراءها خسائر عديدة وصعبت من محاولات رأب الصدع بين القوتين الأساسيتين وتركت الفرصة لنيران الفتنة الطائفية والسياسية أن تشتعل بوقود المؤامرات الخارجية والداخلية دون أن يتطوع أحد بوئدها فلا تأكل الأخضر واليابس ، بل هناك من إستغل الحالة السلبية وسكب البنزين علي النار فطالت ألسنة اللهب كل شيء وتمادت الحرائق فبلغت حدود الخطر وبات عصياً علي كل الأطراف إحتواء الأزمة بعدما صار التشكيك والتخوين ناموس الحياة السياسية والعنف هو لغة التخاطب الوحيدة للتفاهم في غياب الثقة وفقدان الأمل في التوصل إلي صيغة جديدة للم الشمل وإغلاق الأقواس بميدان التحرير علي الأهداف الشرعية للثورة ومكاسبها المرجوة .