عندما قلت منذ عدة شهور أن التطورات الإقليمية والدولية جاءت كرياح تشتهيها سفن بشار الأسد تعجب مقدم البرنامج الذي كنت ضيفا عليه حيث كان ذلك مناقضا تماما لما كان يتحدث به عن قدرات الثوار السوريين وحجم الخسائر التي تكبدها جيش الأسد النظامي .. والحقيقة أنني لم أكن أختلف وقتها مع أن الثوار السوريين بالفعل كانوا يحققون تقدما على الأرض لكن مع النظر إلى أن الجميع ثوار وغير ثوار لا يتحركون في الفراغ أو المجرد وأن هناك حسابات كثيرة منها تبدل التحالفات وتدخل القوى الإقليمية والدولية فضلا عن ربط هذه الثورة على حاكم ظالم ومستبد بصراع أكثر سخونة هو الصراع الطائفي بين السنة والشيعة ليس في سوريا فحسب بل وفي دول المنطقة برمتها. في هذا الإطار أعجب أشد العجب من الاستغراق الكامل والتباينات في الرؤى حول تحليل الموقف الأمريكي من التدخل الروسي في سوريا وهل جاء هذا التدخل برضا أمريكي أم لا إذ ثمة ما يقطع في المسألة ويكشف حقيقتها يأتي في مقدمتها زيارة بنيامين نتنياهو إلى روسيا والتقائه بفلاديمير بوتين ومن ثم فإن المؤكد حصوله على تطمينات وضمانات تكفل أمن الكيان الصهيوني الذي لن يجد أفضل من بشار الأسد لتحقيقه حتى لو ادعى وزعم أن ما يحدث في سوريا ليس إلا انتقاما منه ومن نهج الانحياز للمقاومة . يضاف إلى ذلك فقد كان بمقدور أمريكا لو صدقت رغبتها في التخلص من بشار الأسد لعملت على ذلك منذ اندلاع الثورة في مارس 2011 لكن كل ما كانت ترغب فيه أمريكا هو أن يستنزف كل طرف قدراته وأن تحدث حالة من الحراك في دول المنطقة يؤدي في النهاية إلى مزيد من التشرذم والصراعات الذي يصب في نهاية الأمر لتحقيق مزيد من الهيمنة وبقاء قوة وحيدة في المنطقة هي "الكيان الصهيوني" ترتيبا على ذلك وبشئ من المنطق فإنه من الجائز القول بأن هذا الصراع في سوريا لن يحسم سريعا وأنه قابل للتمدد لسنوات أطول إن لم تحدث متغيرات دولية جديدة تعمل على حسمه لصالح أحد الطرفين غير أن الحسم هنا سيكون بمثابة مجرد "بروزة" لن تكون نهاية لمشكلات جسام اعتقد أنها ستستمر لعقود طويلة ومن ثم ستكون في حاجة جادة ومتواصلة إلى معالجات ربما ينجح بعضها ويخفق أغلبها. الواقع يقول إن العالم العربي كله وكأنه في حلبة صراع لم تتوقف جولاته ولم يعط فرصة للراحة لاستئناف هذه الجولات ومن ثم فإن استمرار بقاءه في هذه الحلبة لا يعني إلا مزيد من تلقي الضربات التي ربما يكون من بينها ضربة قاضية تودي به وتمنح العدو المتربص به فرصة لتحقيق أحلامه وطموحاته التي لم تعد سرا خافيا على أحد وهو الحلم المتعلق بالتفتيت والتجزئة وهو الأمر الذي يستدعي ضرورة وجود عقلاء مؤمنين إلا لم يكن على مستوى النخبة الحاكمة التي بدا أنها لم تعد تحظى بالرضا الجماهيري فليكن على مستويات أخرى تشكل لوبيات فكرية وثقافية وإعلامية وحزبية تبعث بتحركاتها بعضا من الأمل لأجل تشكل وضع مناهض لما يراد بنا ولو على المستوى النظري فالخطة - أي خطة - أو المشروع في البداية مجرد طرح نظري يحتاج إلى حشد جماهيري يكون بدوره أداة ضغط تواجه المخططات التأمرية. وللحديث بقية