حرمة الدماء والمال .. آخر وصايا الرسول لأمته أبو بكر يفتتح دستور العدل .. ومعاوية يرفع السيف ابن الخطاب يصيح: متى استعبدتم الناس وهم أحرار؟ موالاة عثمان لأقاربه تشعل أول ثورة إسلامية أبو ذر يطوف محذرا من اكتناز الذهب وترك الفقراء علي بن أبي طالب .. ورع القاضي لا يكفي بالسياسة الحسن يحقن الدماء .. والحسين يخلد سيدا للشهداء ما أشبه اليوم بالبارحة .. ضحايا يسقطون صرعى دوامة ضخمة من العنف والفتن والاقتتال التي يزكيها المستبدون على مر العصور .. في حرب لا تعرف الأخلاق .. قادتها لم يسمعوا تحذير الرسول في خطبة الوداع بأن دماء المسلمين وأموالهم حرام عليهم .. وزاغت أبصار العامة بين فتنة السيف وفتنة حاملي المصحف زورا وبهتانا .. في كتاب "الاستبداد من الخلافة للرئاسة" للكاتب الصحفي محسن عبدالعزيز، والذي صدر بطبعة ثالثة مؤخرا عن دار "الدار" ، نتتبع محاولات الكاتب لقراءة التاريخ الإسلامي بمفاهيم سياسية وإنسانية، بما يجعلها عظة مخلدة ليعتبر العرب وتحقن دماؤهم. ظلال الحرية نسائم من العدل والحرية سادت الأمة الإسلامية في عصر النبوة وما تلاه من خلافة الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ، نتلمس كلمات صاحب الرسول وهو يقول بعد توليته الخلافة بإجماع الصحابة :إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني" ليضع دستورا سياسيا يقوم على حكم الأمة لنفسها ومساءلتها للحاكم، وهي القاعدة الذهبية بكل الدول المتحضرة اليوم. عاش أبوبكر في زهد تام، وكان حاكما عاقلا تمكن من درء خطر المرتدين ، ومات وهو لا يملك شيئا في بيته من أموال المسلمين، اقتداء بالنبي الذي رد سبعة دنانير كانت ببيته لفقراء المسلمين حين شعر بدنو أجله! وبرضاء الناس، استخلف أبوبكر عمر بن الخطاب، فولوه لصلاحه وزهده عن السلطة، وسار بن الخطاب على درب صاحبيه، في الورع والتقشف والعدل بين الأمة، حتى كان يهديء معدته بعام الرمادي بأكل الزيت، وكان دستوره أن "من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه" . لكن عمر امتاز أيضا بدأبه على بسط العدل فكان يراقب ولاته ويعزل كل من تجري منه مفسدة، وقد ابتدع قانون "من أين لك هذا" بعد أن نما لعلمه ثراء بعض ولاته على الأمصار من مال المسلمين كعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري بالبصرة. كما كان عمر صاحب الصرخة المدوية ضد الاستعباد لولد واليه على مصر عمرو بن العاص، والذي ضرب أحد الرعية فدعاه عمر لأخذ حقه وقال قولته الشهيرة : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا. وأمر أباه بهدم جزء من مسجده بمصر لأنه جار على بيت سيدة قبطية، ذهبت تشكوه لعمر . وفي عهده زادت الفتوح واتسعت الدولة الاسلامية فتم فتح الشام والعراق ومصر وبيت المقدس، ومنع عمر الفاتحين من الاستيلاء على الأراضي الزراعية وجعلها ملكية عامة للمسلمين، وأبعد المناصب من بيت الرسول وآله حتى لا يحاسبهم أحد فيعزلهم. وطرد بعهد عمر جيش الروم ، وقد بكى عمر وهو ينظر لغنائم ملوك كسرى أمامه وقال : لو كان فيها خيرا لذهبت لرسول الله وصحابته. وامتد عدل عمر حتى بعد أن طعنه أبولؤلؤة المجوسي، فاختار ستة من الصحابة ليتشاور المسلمون فيمن يحكمهم من بينهم وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وابن عوف وابن أبي وقاص ، وأبعد ابنه عبدالله عن الترشح وإبن عمه سعيد بن نفيل أيضا رغم أنه من عشرة مبشرين بالجنة. وفي بيت المسور بن مخرمة اجتمع الصحابة واتفقت الآراء على حصر النقاش في اسمين هما ؛ علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، لقرابتهما للنبي الكريم وهديه، فلما صعد عبدالرحمن بن عوف للمنبر طلب من علي بن أبي طالب أن يبايع المسلمين على كتاب الله وسنة رسوله وعمل أبي بكر وعمر، فقال علي في الأخيرة، أجتهد رأيي، فأسقط في يد الشيخ عبدالرحمن بن عوف وتم إقصاء علي، وهو ما يصفه مؤلف الكتاب ب"لعنة الاجتهاد في هذه الأمة"، فقد كره الشيخ أن يجتهد الخليفة خارج ما قام به صاحباه. أقارب عثمان .. فوق الأعناق! يضع الكتاب صورة قلمية لهذا الصحابي الجليل الملقب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي رسول الله ، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، والذي كان رجلا حييا تستحي منه الملائكة وكان أحرص الناس على صلة الرحم، وقد اشترى بئر الرومة وجهز جيش العسرة من ماله. لكن ليس كل تقي صالح، يصلح بمجال السياسة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يفتقد للحزم الذي امتاز به سالفه بن الخطاب، وكان يميز أقاربه بالمناصب والثروة عن عامة المسلمين، كما ميز قريش عن سائر العرب ، وكان يعتقد أنه بذلك يتقرب من الله بصلة الرحم، وفي عهده كنز الصحابة الثروات وبنوا القصور الفارهة كالزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله اللذان قدرت ثرواتهما بالآلاف والملايين. وبدأت الفتنة تدق الأرض مع عزل عثمان للولاة الذين عينهم عمر، واستبدال أقاربه بهم، فعزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة ، وهو من أكابر الصحابة والمبشرين، وعين عثمان مكانه الوليد بن عقبة الذي كذب على النبي ولكن الله كشف كذبه بآية تحث على التثبت إن جاء فاسق بنبأ ! ومن هنا فقد ثار أهل الكوفة رافضين تولية الوليد عليهم، لينتهي أمرهم بتولية أبي موسى الأشعري . لم يكن عثمان موفقا في اختيار ولاته، فنرى عبدالله بن أبي السرح أخو عمرو بن العاص في الرضاعة واليا على مصر، بديلا عن أخيه، وكان السرح من الذين نزل القرآن بكفرهم وسخريتهم من كتاب الله! . كما جعل عثمان لابن عمه معاوية ولاية على بلاد الشام كلها : دمشق والأردن وفلسطين وحمص! وهو ما قوى سلطانه ودعمه بجبروته الذي سنراه بالسطور التالية. كما ولى عثمان، ابن عمه مروان بن الحكم لرئاسة الديوان ، وهو سيء الطبع وسيكون سببا بتأليب الناس على عثمان فيما بعد، وولى عثمان عبدالله بن عامر ابن خاله البصرة ، ورد عمه الحكم بن العاص للمدينة بعد أن أخرجهم النبي لأنهم أذوه، بل ولما مات ضرب عثمان على قبره فسطاطا وولى ابنه سوق المدينة !. وكان عثمان يعطي أهله المال بغير حساب، أعطى الحارث بن الحكم 300 ألف دينار، وعبدالله بن أسيد الأموى 300 الف دينار، وسعيد بن العاص 100 ألف دينار حتى رفض أبو عبدالله بن الأرقم صاحب بيت المال تنفيذ الأمر واستقال، وعندما زوج بناته الثلاث أعطى كل زوج من أزواجهن 100 ألف دينار. إلى جانب ذلك غلظ عثمان في عقوبته لعبدالله بن مسعود لأنه باعتباره مسئول بيت المال بالكوفة، طالب الوالي بما اقترضه من مال المسلمين! لم يعدم عثمان من ينصحه، فكان الصحابة يختلفون إليه ومنهم علي بن أبي طالب الذي دعاه للعدل حتى لا يترك أمته شيعا لا يبصرون الحق لعلو الباطل، أما أبو ذر الغفاري فكان يطوف مرددا قوله تعالى : "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونهما فى سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم" حتى تضايق عثمان ، وفعل أبو ذر الشيء نفسه لما ذهب للشام ووجد معاوية يتجرأ على بيت مال المسلمين لقضاء حاجاته ، وفي المدينة واصل أبو ذر دعوته بمواساة الفقراء قائلا : عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لايخرج على الناس شاهرا سيفه.. وكما يؤكد الكاتب محسن عبدالعزيز كان أبو ذر أول ثائر ضد فساد الأقارب وسوء توزيع الثروة ليزداد البعض غنى ويزداد البعض فقرا.. فنفاه عثمان إلى الربدة وظل بها حتى مات وعجزت زوجته عن دفنه وصدق علية قول الرسول : رحم الله أبا ذر يمشى وحده ويموت وحده ويبعث يوم القيامة وحده ! وكان عثمان يرد دائما بأنه لا يلام إن وصل رحمه وبأنه ولى بعد من كان بن الخطاب قد ولاهم فلم يغضب أحد على عمر ، ومنهم معاوية بن أبي سفيان بالشام، فرد علي بن أبي طالب بأن الفرق بينهما أن عمر كان إذا ولى أحدا فإنه يطأ على صماخيه فإن بلغ عنه شيء عزله ثم بلغ به أقصى العقوبة وأنت لا تفعل ، ضعفت ورفقت على أقربائك! لقد طالب الثائرون عثمان بأن يخلع نفسه ولكنه رفض وعض على كرسيه وقال أنه لا ينزع عنه حلة ألبسها الله إياها، ومن مصر خرجت بواكير الثورة على عثمان، من الرافضين لظلم عبدالله بن أبي السرح ، ولما تحدثوا مع عثمان رضى بعزله وعين محمد بن أبي بكر مكانه ولكن مكيدة صنعها مروان بن الحكم بأن أرسل غلاما برسالة لقتل أبي بكر الوالي الجديد، وممهورة بخاتم عثمان! وهنا علم الجميع أن عثمان بات في وضع صعب، فخاتمه يستولي عليه أقاربه ويرسلون به الأوامر! وهنا جرت فواجع كثيرة، انتهت بمحاصرة بيت عثمان وقتله على يد رجلين تسللا لداره ، رغم دفاع أبناء الصحابة عنه .. ودفن الخليفة وبقيت الفتنة. وهنا يتأمل الكاتب : ماذا لو استطاع الشيخ عبدالرحمن بن عوف ان يجمع الصحابة كما جمعهم قبل تولية عثمان، فيقرروا عزله ويجعلونها شورى بينهم فيمن يتولى بعده!! ربما أعاق فعل ذلك أن معارضة عثمان ذاتها كانت ممزقة، وبعضهم كان يرى نفسه أحق منه بالخلافة كطلحة والزبير. وهي مشكلة المعارضة بكل زمان . بأس علي .. ومكر معاوية كان علي بن أبي طالب من سادة قريش، يهابه الجميع لقربه من الرسول، وقد تولى الخلافة في ظرف دقيق بعد مقتل عثمان بن عفان وشيوع أول فتنة كبرى في تاريخ الإسلام، تولاها بعد إلحاح كبير من الصحابة لدرء الفتنة، ورغم ورع علي بن بي طالب لكنه لم يمتلك حنكة عمر بن الخطاب ، ولم يدري أن الزمن تغير بعد عثمان فتعود الولاة على الحياة الرغدة بالقصور! ربما كان بيد علي ألا يعزل معاوية ويستعديه ويشهر جيشا بوجهه، لكنه مضى بالطريق الأشق ، ولم يتوقف أمام فاتورة ذلك من دماء أصحابه والتي بلغت عشرات الآلاف! كان علي قاض ورع ، ولكنه لم يفطن إلى أن ميدان القضاء غير السياسة التي تحتاج لمرونة أكبر مع المخالفين. لقد قالها علي واضحة : لا أداهن في ديني ولا أعطى الدنية في أمري، فانتفض ضده معاوية وادعى أنه يريد القصاص لعثمان من قتلته ونشر قميصه المدمى على منبر المسجد الجامع بالشام ، فجهز علي جيشا لمحاربته ، ولما فوجيء بطلحة والزبير وعائشة يسيرون مطالبين بدم عثمان بدأت الحيرة تعتصره ويغير اتجاهه، ولكن نشب خلاف بين الطرفين وسقط قتلى على يد الفئة الباغية التي رتبت قبلها لقتل عثمان وأزعجها صلح الفرقاء ، ولما رأى الزبير الدماء تسيل شعر بالخطأ ندم وتبعه طلحة الذي زهد بأحاديث الناس، فيما طالب الناس عائشة بعد الخروج من بيتها. وفي موقعة الجمل سقط الصحابة تترى ومنهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وانتصر علي ورفاقه في تلك الكرة ، ثم لملم جراح المسلمين واستعد للمسير إلى معاوية ، وأقر بما فعله عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر وسعد بن أبي وقاص وعدد من الصحابة من اعتزال الحرب وفتنتها. في هذا الوقت كان معاوية يتنفس بأكاذيب يصنعها له عمرو بن العاص، يقول لأهل الشام إن أهل العراق فرقوا جمعهم وأهل البصرة مخالفون لعلي . ووقف جيشا معاوية وعلي، بنفس طريقة صراع جيش النبي وسفيان أبو معاوية فكان الرسول ينتصر بقوة إيمان وإخلاص أصحابه، وهو ما افتقده علي بمرور الوقت. مكيدة حمل المصاحف كاد جيش علي ينتصر، ولما شعر معاوية بالخطر عرض أن يقنع بما لديه من ملك الشام وأن يقنع الطرف الآخر بملك العراق ، ولكن علي لم يرتض بذلك، فاستمر القتال وراح الكثير من الصحابة من الطرفين ضحايا . أوعز عمرو بن العاص لمعاوية برفع المصاحف على أسنة الرماح ليزيد جيش علي فرقة، وهي واقعة التحكيم الشهيرة لإنهاء الحرب، ويشبه محسن عبدالعزيز ذلك بما يجري حاليا فهو الصراع الأزلي بين حامل السيف (الحاكم) وحامل المصحف خداعا لا إيمانا تحت ستار الدين من بعض الجماعات الإسلامية، فالكل يبغي الوصول للحكم وكلاهما يحرس الحكم الاستبدادي المخادع. وبالفعل جرت واقعة التحكيم التي يشبهها مؤلف الكتاب باول استغلال للدين في السياسة. وأجبر الإمام علي على الموافقة بتحكيم أبي موسى الأشعري وانتهى الطرفان لخلع الطرفين وأن يختار المسلمون ما أرادوا ، وبعد خلع علي بن أبي طالب، راوغ الطرف الآخر بخلع معاوية وادعوا أنه المطالب بدماء عثمان ، فنطق أبو موسى : لقد غدرت وفجرت . وكان علي كرم الله وجهه يقنت بصلاته قائلا : اللهم العن معاوية وعمرا وكتب للخوارج الذين رفضوا التحكيم ينبؤهم بما حدث ويدعوهم للإستعداد للحرب ولكنهم رفضوا وقالوا دعوناك فأبيت، وليس بيننا اليوم إلا السيف، وجاءته الأنباء أنهم قتلوا الصحابى الجليل خباب بن الأرت وزوجته وكانت حاملا، وقتلوا بعض النسوة.. وأرسل إليهم على رسولاً فقتلوه، فرجع إليهم بجيشه وقتل أغلبهم فى النهراون وكانوا حوالى 3 آلاف. أضعفت معارك الخوارج جيش على وأفقدته الروح المعنوية التى هى أول حافز للقتال ودخلت حيل معاوية إلى المعركة فبدأ يرسل إلى كبرائهم ورؤسائهم حتى أفسدهم تماماً على الامام .. بلغ معاوية ما يحيط بدولة علي من ضعف فأرسل عمرو بن العاص ليستولى على مصر بعد قتل واليها محمد بن أبى بكر، ثم أخذ معاوية يثير الذعر فى ولايات على بالجزيرة والعراق نفسها، ..وروع بن أرطأة المدينة وأهلها وأمرهم بالبيعة لمعاوية ففعلوا، وأكثر من ذلك أرسل معاوية يزيد بن شجرة الرهاوى أميراً على الحج كنوع من المكسب السياسى حتى أن الناس اختلفوا وراء أى أمير يصلون. جمع علي أصحابه وخطب فيهم : أأجلاف أهل الشام أصبر على نصرة الضلال وأشد اجتماعا على الباطل منكم على هداكم وحقكم، ولما توعدهم بالدعاء عليهم، استحوا منه وخافوا أن ينفذ ما عزم عليه، وجمع كل رئيس قومه حتى اجتمع لعلى جيش كبير تعاهد فيه الجند على الموت.وبينما علي فى هذه الحالة تقدم إليه بن ملجم وقتله فى صلاة الصبح .. في الوقت الذي ذهب فيه أحد الخوارج أيضا لقتل عمرو ، ولم يصب هدفه، أما بن ملجم فضرب عليا ضرب سيف شقت رأسه وحمل للبيت، وبين آلامه سأله أصحابه هل يبايعون ابنه الحسن، فلم يأمرهم ولم ينهاهم ، وبالفعل بايع الناس ابنه الحسن وتولى الأمر 6 أشهر . لكن الحسن مال لخيار المصالحة حقنا للدماء، وتنازل عن الحكم، وسلم الخلافة لمعاوية بشرط أن يجعله من بعده شورى للمسلمين وأن يؤمنه علي أهله وذويه وأصحابه وكل من بايعوه، وجمع الحسن أهل بيته وسار بهم من الكوفة إلى المدينة فى موكب حزين والناس يبكون.ولم يكن يوما أشد حزنا على أهل الكوفة من ذلك اليوم ..وفى المدينة قال الناس للحسن ما حملك على بيعة معاوية قال : كرهت الدنيا ورأيت اهل الكوفة قوما لا يثق بهم أحد إلا غلب ..لايتفق اثنان على رأى ..مختلفين لانية لهم فى شر أو خير ..لقد لقى أبى منهم أمورا عظاما ..وهى أسرع البلاد خرابا..! أعوان الجلاد كان معاوية من دهاة العرب وهو واضع علم السياسة العربى الذى يحكمنا إلى الآن، ولم يخرج منهم أحد على قواعد معاوية فى الحكم أبدا.. وأقواله الشهيرة إننا لا نحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين ملكنا .. قام حكم معاوية على الكذب والخداع منذ يومه الأول.. فقبل أن يستقر له الأمر كان يكتب للمعارضين بسجل ويختم أسفله ويقول لصاحبه أكتب ما شئت فهو لك، وبعد أن تم له الصلح وبايعه الناس وغادر الحسن بن على الكوفة خطب فى أهل الكوفة شيعة على وقال كل ما أخذته من عهود ووعود موضوع تحت قدمى ..واكثر من ذلك كتب معاوية إلى عماله ألا يجيزوا لأحد من شيعة على شهادة.. ثم كتب أنظروا إلى من يحب على وأهل بيته فامحوه من الديوان وإسقطوا عطاءه ورزقه ..ومن اتهم بمولاة على فنكلوا به وأهدموا داره .. ويرسم الكتاب صورة قلمية قريبة لثلاثة من معاوني الطاغية معاوية بن أبي سفيان؛ أولهم عمرو بن العاص، وكان جريئا محباً للإمارة غامر بفتح مصر لعلمه بغناها وثروتها ، ولما فتحها تبسط عمرو فى المعيشة وبلغ عمر أن عمرا زاد خيله وماله وأنه يتقلب علي وثير النعم، فأمره بإعطاء نصف ماله لرسوله، وإلا فسوف يغلظ عليه، ففعل خشية بطش الخليفة! ولكن الأمور سارت بغير ذلك بعد تولية عثمان وضعفه وقويت شوكة ابن العاص ومعاوية . ومن الذين أعانوا معاوية على ظلمه، زياد بن أبيه، وكان سيفه المسلط على رقاب أهل العراق، حتى حرم على الناس السير ليلا، وكان زياد أخا معاوية غير الشقيق، وكان معاوية يرسل له الأعطيات وجعله واليا للكوفة ثم الحجاز مكافأة على جبروته . ويكفيه أنه قتل الصحابي حجر بن عدي لأنه رفض إهانة آل بيت الرسول بالكوفة ! ولما مات زياد، ولى معاوية ابنه الأشد ظلما والذي كان ألعن من أبيه وحاصر الحسين بن علي، حفيد رسول الله، وقتله. وصدق الحسن البصري حين قال : أفسد هذه الأمة أثنان عمرو بن العاصى يوم أشار على معاوية برفع المصاحف! والمغيرة بن شعبة حين أشار على معاوية بالبيعة ليزيد ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة! ولما تولى يزيد بن معاوية ببيعة الدماء لجأ الصحابة للبيت الحرام وعارضوه، أما الحسين فقد جاءته كتب أهل الكوفة ببيعته وخلع يزيد فجمع أهل بيته وصار إليهم برغم تحذير كبار الصحابة له ..سار الحسين بأهل بيته إلى المصير المحتوم ليصبح علما للثائرين فى كل زمان ..ومثالا للإستشهاد فى سبيل الحق .. لقد قطعت رأس الحسين الشريفة على يد عبدلله بن زياد، بعد أن رفض عرض الحسين بمواجهة يزيد بالشام أو العودة للحجاز، ومنع منه ومن أصحابه الماء وقتلهم ، وقد ندم النخعي قاتل الحسين، فأمر الخليفة بقتله فورا، وزاد بفجوره حتى استباح مدينة الرسول قتلا واغتصابا ثم أخذ البيعة من أهلها على أنهم عبيد ليزيد يحكم فى أموالهم وأهليهم ما شاء ومن امتنع عن هذا الشروط قتله. وقد مات يزيد وهو يسابق قرداً ..سقط من فرسه سقطة كان فيها الموت! وتولى معاوية بن يزيد مدة أربعين يوماً وقيل ثلاثة أشهر ومات وعمره 23 سنة ورفض أن يعهد بخليفة بعده وقال لم أذق حلاوتها فكيف آخذ وزرها، وبذلك انقطع نسل معاوية فى الحكم بعد أن حارب من أجله الدين والدنيا والناس جميعا، ولكن مدرسة معاوية – كما يخبرنا الكتاب القيم - لم تنقطع وظلت تنتقل من بيت إلى بيت ومن حاكم إلى آخر، بعد أن فتح لهم معاوية باب الجرأة على الله وعلى الناس وأخذ الحكم بالسيف من أمة محمد، ومازال بالسيف حتى الآن..!