أثبت بيان البرلمان الأوربي الذي صدر اول أمس بما لا يدع أي مجال للشك أن البرلمان الأوربي لا يمثل بحال من الأحوال الشعوب الأوربية المتمدينة ، و لكن أضحي البرلمان الأوربي سلفا و ممثلا و قيما لحقبة الوصاية و الحماية و الاستعمار الغابرة ، و التي نفضتها الشعوب المستعمرة سابقا و منها مصر ، و ترفضها الأن رفضا مطلقا . لقد تحدث البرلمان الأوربي أمس بصفته سلطانا باطشا مستبدا لا برلمانا ممثلا مستقلا لارادات الشعوب الأوربية ، فتجاهل بنية مبيتة ، و قصد خبيث ، العديد من الحقائق القانونية و الوقائع المادية ، التي لا يتجاهلها الا حاقد ، و لا يلويها الا كاذب أشر . حري بالبرلمان الأوربي أن يوجه قبلته شطر قارته الأوربية ، بدلا من أن يتيه في مجالات و ميادين خارجية ، هي حكر موقوف للدول ذات السيادة ، و ميدان محفوظ منيع لها ، فالميدان المحفوظ للدول ذات السيادة ، نتيجة مباشرة ، و أثر قانوني راسخ في القانون الدولي ، لمبدأ الطابع الحصري للاختصاصاصات الاقليمية للدول ، و الذي يعني من جملة أمور : منع أجهزة الدولة الأجنبية ووكلائها من التدخل في شؤون الاقليم الوطني ، .و انعدام أية أثر للتشريعات الأجنبية خارج اقليم هذه الدول ، و هذا ما أكدته محكمة العدل الدولية عام 2002 في قضية جمهورية الكونجو الديمقراطية ضد المملكة البلجيكية . حري أيضا ، بالهيئتين الموقرتين : البرلمان الأوربي ، و الاتحاد الأوربي أن يستثمرا الوقت و الجهد ، في تناول و معالجة قضايا الارهاب – الشغل الشاغل - للعالم بأسره ، و قمع كافة الممارسات الأوربية سواء من الدول أو الشعوب الأوربية ، بحسبانها - أي الممارسات الأوربية - الباعث و الدافع و المحرك الرئيسي لارتكاب الأفعال الارهابية . فهل عالجت القارة العجوز ، قضايا التهميش ضد المهجرين ، و التمييز ضد غير الأوربيين الأقحاح ، و الاذدراء لكافة الأقليات في القارة الأوربية ؟ ، و هي قضايا يمكن أن ترقي الي حد وصفها بجريمة الاضطهاد ، و هي جريمة ضد الانسانية ، بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية . لقد تجاهل و تغافل البرلمان البرلمان الأوربي أن مبدأ المساوة بين الدول الذي أقره ميثاق منظمة الأممالمتحدة يعني من جملة أمور : عدم اقحام النفس في شئون الغير الداخلية المحضة ، فضلا عن عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول ذات السيادة و السلطان ، و يأتي علي رأس هذه الشئون " حق الشعب في تقرير مصيره " و الذي يعني حق الشعب بارادته الحرة في اختيار النظام السياسي و الاقتصادي و الأجتماعي و التقافي الذي يحكمه ، و لقد صدح بها الشعب المصري مدوية مجلجلة لأرجاء المعمورة كلها في مناسبات عديدة ، الا أن البرلمان الأوربي شاء أن يصم اذانه عن زئير الملايين من الشعب المصري الكريم في مناسبات عدة تأييدا لسلطات ثورة 30 يونيو المجيدة . و في هذا الصدد نحيل الموقرين أعضاء البرلمان الأوربي علي نسب الحضور و التصويت لكافة الدول الأوربية في الاستفتاء علي معاهدة " ماستخرت " ، حتي لا يتهم البرلمان الأوربي الأخر و ينسي نفسه . لقد تغافل أيضا البرلمان الأوربي عن أن الغاية من التشريعات و القوانين التي تصدرها الدولة ذات السيادة ، هو تحقيق مصلحة مجتمعية لشعب الاقليم ، فالمشرع الوطني المصري لا يسن التشريعات المصرية لتحقيق مصلحة مشتركة مجتمعية لشعوب القارة الأوربية ، و الا ما كان جرم "المثلية " في مصر . ان عالمية حقوق الانسان لا تعني بحال من الأحوال اهدار النظام العام للدول ذات السيادة ، و الا لما كان للدول ذات السيادة وفقا للقانون الدولي ، التحفظ علي نصوص معاهدات و اتفاقيات لا تتسق مع نظامها العام ، ذلك النظام العام الذي يتضمن المعتقدات الدينية و الثقافية و الاجتماعية و الامنية لهذه الدول ، و في حقبة زمنية محددة . ان التعددية السياسية قامت في مصر و لا تزال اعتبارا من حل الاتحاد الاشتراكي العربي - التنظيم السياسي الوحيد في البلاد - قانونا عام 1976 و واقعا عام 1978 و الذي شهد الارهاصات الاولي في مصر للتعددية الاحزاب السياسية ، و من المؤكد أن البرلمان الأوربي يعلم هذه الحقيقة القانونية ، الا أنه شاء أن يغمضها بطبيعة الحال ليعكس توجها سياسيا معينا تجاه الشعب المصري قبل حكومته . أما بالنسبة لحرية التعبير و الحق في التجمع ، فكان حريا بالبرلمان الأوربي أن يدرك أن الحق في التجمع السلمي لا يعني الترخيص بارهاب المواطنيين الأمنيين ، و هيئات انفاذ القانون من الجيش و الشرطة و الأمن ، و أن الحق في التعبير أيضا لا يعني الترخيص للصحافيين بارتكاب جرائم محددة تهدد أمن الدولة من الداخل وفقا لقانون العقوبات المصري ، و أن حرية التعبير أيضا لا تعني بحال من الأحوال نشر الأكاذيب و لي الحقائق و فبركة الأخبار و بث بذور الفتنة و تكدير الرأي العام الداخلي . و في صدد التشريعات الوطنية المصرية المعنية بالجرائم الصحفية ، فلن نزيد أو نطيل ، و لكن نتأمل علي السادة الموقرين أعضاء البرلمان الأوربي ، أن يبذلوا يسيرا من الوقت و الجهد ، للاطلاع علي التشريعات و القوانين الأوربية ذات الصلة . و ختاما ، نؤكد لأوربا بقضها و قضيضها ، أن كافة السلطات و المكنات الدستورية ، التي تلجأ اليها الدول ذات السيادة ، أثناء الظروف الاستثنائية ، التي تهدد أمنها و بقائها ، كان معينها و أصلها و منشئها ، الفلاسفة و الفقهاء الأوربيين ، لا المصريين ، فنظريات السيادة ، و الضرورة ، و الظروف الأستثنائية ، و حالة الطوارئ ، و سير المرفق العام ، و المصالح العليا للبلاد ، و النظام العام ، هي نظريات أوربية قحة أصيلة.