أمينة شفيق من المفيد, بل من الأفضل والأجدي, مناقشة القضايا الاقتصادية في ترابطها وتشابكها, فالنمو الاقتصادي لابد أن يسايره نمو في التشغل بنفس الوتيرة, وبالتالي تتم معالجة جانب من البطالة فيتراجع الفقر وتتراجع أعداده, المهم ان تضع الدولة السياسات الواضحة التي تتناول قضايا النمو والتشغيل والانتاجية ومحاصرة البطالة والفقر في سلة سياسية واحدة لا انفصال بين مكوناتها, هذه كانت خلاصة الخلاصة للمناقشات التي أدارها اقتصاديو المركز المصري للدراسات الاقتصادية. وفي هذا الشأن دارت الحوارات حول عدد من الأسس التي تساعد علي الحل القريب الذي يقود الي الحلول البعيدة, ومنها ما هو رأسي ومنها ما هو أفقي: في البداية, رأسيا: أولها: أن الاتجاه الي الاستثمار كثيف الرأسمال والانتاجية لا يتناقض مع الاتجاه الي الاستثمار كثيف التشغيل. فالقطاعات الاقتصادية النوعية تختلف في طبيعة انماط وفنون عملها وبالتالي طبيعة أنماط تشغيلها, وسيستمر المجتمع يتعامل مع الوحدات العالية التقنية, كصناعة المعلومات, كما سيستمر يحتاج الي الصناعات كثيفة التشغيل كالصناعات القطنية سواء كانت صناعة غزل أو نسيج أو تريكو أو ملابس جاهزة, بل ثبت ان زيادة الانتاج الاقتصادية العامة من خلال قطاعات حديثة تدفع بالنمو الاقتصادي, تقود في المستقبل السريع الي الزيادة في التشغيل في القطاعات التقليدية الأخري بسبب مساهمتها في تحقيق هذا النمو العام. ثانيها: أن المجتمع المصري لابد ان يهتم بقطاعات اقتصادية محددة خلال الفترة الحالية والقادمة. أول هذه القطاعات هو قطاع الصناعات التحويلية التي هي بالفعل قاطرة النمو أو التنمية وهو القطاع الصناعي الذي يسهم أكبر مساهمة في زيادة الانتاجية السلعية الصناعية في أي مجتمع بالاضافة إلي انه قطاع يقدم عددا ملحوظا من فرص عمل ثم يساعد, بعد تحقيق الزيادة في انتاجية المجتمع, علي تنامي وحداته وتوفير المزيد من فرص العمل, فتتراجع معدلات البطالة ويتم حصار الفقر ويوقف انتشاره. ثاني هذه القطاعات هو قطاع البناء والتشييد وهو القطاع الكبير الحجم ذو الاستثمارات الكبيرة في المنطقة العربية والذي يتداخل فيه القطاع الرسمي مع القطاع غير الرسمي, فالمعروف ان القطاع الرسمي في مجال المقاولات والتشييد يتجه باستمرار الي الاستعانة بالمقاول الفرد الكبير الذي يستعين بدوره بالمقاول الفرد الأصغر وهكذا, ومع ذلك يستمر قطاع البناء والتشييد الرسمي يوظف حوالي مليوني عامل حتي عام2005, وسوف يستمر في زيادة التشغيل لعشرة أعوام قادمة, إلا أن البناء الهرمي لنظام العمل في هذا القطاع يؤثر بالسلب علي انتاجية أفراده لأنه لا يساعد علي توجه الاستثمارات الكافية لرفع قدراتهم التقنية, في هذه الحالة يستمر الحل في يد الدولة التي لابد أن تضع سياسة تدريب وتطوير للعاملين في هذا القطاع طالما استمر قطاعا قابلا للنمو ولإتاحة فرص التشغيل المتنوعة سواء للمصريين في الداخل أو للذين ينتقلون معه للعمل في الخارج الإقليمي. ثالث هذه القطاعات هو القطاع الزراعي والذي يستمر من القطاعات التي تحتاج الي زيادة تكثيف الجهود المخططة ليس فقط لمحاصرة عدد فقرائه وإنما لإيجاد أنماط للعلاقات الأكثر تطورا والتي تحافظ علي انتاجية العملية الزراعية والمحافظة علي الفلاح عاملا علي الأرض وزيادة انتاجيته كمنتج خاصة اذا انتمي الي الأغلبية من المزارعين الذين هم أصحاب الحيازات المتوسطة والصغيرة وتحديدا في الصعيد, فالعمالة الزراعية تشكل نسبة58% من عدد العاملين في الريف في حين ان الزراعة كإنتاج تشكل نسبة40% من دخل المناطق الريفية. من الملاحظات التي رصدتها المناقشات ان مصر تشهد تحولات في الزراعة منها15% من الانتاج الزراعي السلعي يتحقق من الأراضي المستصلحة وتأتي نسبة85% منه من الأراضي السوداء القديمة, وبجانب الهجرة الداخلية والاخري الخارجية للريفيين, فإن الزراعة تشهد ربما لأول مرة هروب المزارعين من الأرض ثم دخول غير الزراعيين اليها خاصة لامتلاك أو العمل في المزارع الكبيرة, ثم تشير المناقشات الي الحقائق التي باتت معروفة للجميع والتي تشير الي استمرار نسبة عالية من الأسر الريفية تعمل في الزراعات الصغيرة القزمية التي تنتج للاستهلاك العائلي. أي تلك الزراعات التي لاتكاد تفي باحتياجات الأسر التي تقوم بفلاحتها وبالتالي لايتبقي منها فائض توجهه للبيع في السوق, وأن أعلي نسب هذه العائلات توجد في ريف صعيد مصر, فبالرغم من كل المشاريع التي نفذت في صعيد مصر إلا ان تكلفة الزراعة فيه لاتزال ترتفع عن تكلفتها في الدلتا سواء كانت هذه الزيادة في الائتمان أو سعر مستلزمات الانتاج أو الأدوات المستخدمة في الزراعة سواء كانت آلات أو حيوانات, وان نسبة عالية من انتاج الأرض يعود الي مالكها وليس الي زارعها وفالحها, كما ان زراعات الصعيد تبعد عن السوق القومية والعالمية مما يحتاج الي المزيد من المشروعات المتعلقة بالنقل والتخزين والتصنيع, ولكل هذه العوامل مجتمعة تتزايد أعداد الفقراء الريفيين. ثم أفقيا: وهو ما يمكن أن نشير اليه بتنظيم سوق العمل ذاتها وعلاقتها بالقطاعات الانتاجية التي تستوعبها هذه السوق, كذلك علاقة هذه القطاعات المتنوعة الأحجام ببعضها البعض, بحيث تتاح فرص النمو الاقتصادي امام الوحدات المتوسطة والصغيرة, وبالتالي تستطيع تشغيل عدد أكبر من المنتجين, وهو مطلب ملح لان96% من القطاع الصناعي المصري ينتمي الآن لما يسمي بالوحدات المتوسطة والصغيرة, وكما ذكرنا سابقا ان العقود الثلاثة السابقة شهدت نموا غير متواز أدي الي زيادة العمالة المنخرطة في سوق العمل غير الرسمية, بما يعني ان وحدات القطاع لم تكن تنمو بالدرجة الكافية لامتصاص الداخلين الي سوق العمل مما اضطر هؤلاء الشباب الي العمل في السوق غير الرسمية, وكما ذكرنا, هي الحقيقة وراء ضعف الانتاجية ثم الفقر خاصة ان أصحاب الشهادات المتعطلين ازاحوا الأميين وغير المؤهلين من هذه السوق غير الرسمية ليحتلوا مواقع كثيرة عالية فيها, فأحد التوجهات التي تساعد علي محاصرة الفقر في صفوف هذه الشريحة من البشر, والذين يمثلون ثلث القوي العاملة, هو شدهم بالتدريج الي القطاع الرسمي بعد تطوير علاقة هذا القطاع بالسوق الداخلية وبالمؤسسات التي تعني بأوضاعه وشئونه وتيسير احتياجاته, فهو يحتاج الي سياسة ثابتة تعني بتدريب أصحاب العمل فيه وكذلك عماله, وتوفير الائتمان الميسر له وربطه بالمؤسسات الصناعية الكبيرة بحيث يصبح قطاعا مغريا لها ثم توفير سبل حصوله علي التقنية اللازمة لتطوير أعماله. عن صحيفة الاهرام المصرية 2/9/2007