الأقدار تصفع كبرياء فرعون في رائعة محفوظ التاريخية محيط – شيرين صبحي في عام 1938م نشر نجيب محفوظ أولى رواياته بعنوان " عبث الأقدار " وكان حينها في الثامنة والعشرين من عمره، وقد تمازجت في الرواية الأسطورة مع التاريخ، والتي مثلت مع روايتيه " رادوبيس " و" كفاح طيبة " المرحلة التاريخية في مسيرته الإبداعية . تدور الرواية حول حياة الملك خوفو الذي اعتلى عرش مصر لمدة 23 عاما، وحياة خليفته على العرش ددف رع الذي تحمل له الأقدار حياة غريبة.. ونقلب بين سطور رائعة محفوظ الذي تحتفل الأوساط الثقافية المصرية بذكراه هذه الأيام . تبدأ الرواية بمشهد جلوس الملك خوفو بن خنوم – صاحب الهرم الأكبر – يوما بين أمرائه وأصدقائه يسأل عما تم في مقبرته التي مر عشر سنوات على البدء فيها على يد المعمار الفنان "ميرابو" الذي قضى كل هذه السنوات في تجهيز الحجارة وتقطيعها ونقلها إلى هضبة الهرم. يأتيه أحد الأمراء بعراف كبير فيسأل خوفو إلى متى يجلس على عرش مصر ملوك من ذريته، فيبدو على العراف القلق ويخبره أنه لن يجلس على عرش مصر من بعده أحد من ذريته؛ ولكنه سوف يحكم آمنا مطمئنا حتى نهاية عمره الطويل.. يضطرب الملك ويعود ليسأل عمن سيخلفه على عرش مصر؟ فيجيب العراف بأنه طفل حديث العهد بالوجود ابن الكاهن الأكبر لرع معبود أون. تبدو على ولي العهد "رعخعوف" حالة من البلاء الشديد وتطفح عيناه بالقسوة ويبدو وجهه كرسول للموت، بينما يسأل فرعون وزيره هل يغني الحذر عن القدر؟ ولكن الملك انطلق يقول : " القدر اعتقاد فاسد لا يحق بالأقوياء الاعتقاد به " ويأمر بإعداد حملة للقضاء على طفل الأقدار الصغير! تخرج الحملة الفرعونية وفي الطريق تطلب امرأة منهم الغوث وتخبرهم أنها تريد الذهاب إلى فرعون لتفضي إليه بأمر خطير، فيسألها فرعون هل رزق الكاهن بطفل هذا الصباح، فتخبره بأن الكاهن بشر زوجته بأنها ستلد طفلا ذكرا وأنه سوف يرث عرش مصر. أما الكاهن رع فيفكر في وسيلة تقي زوجته وطفلهما الوحيد فيعد عربة ويملأها بالحنطة ويجعل لها في ركن منها مكانا ترقد فيه مع الطفل لتسير بها وصيفتها إلى أقاربها في قرية "سنكا". تصل الحملة الفرعونية إلى الكاهن فيتملكه الرعب لحضور فرعون بذاته، فيسأله فرعون ماذا ينبغي أن يفعل لو هدد عرشه مهدد؟.. يخفق قلب الكاهن ويجيب: ينبغي لجلالته أن يبيد الطامعين؛ فيخبره أنه وجد من يهدد عرشه وهو ابنه الرضيع وعلى الكاهن أن يؤد واجبه!. يتراءى للكاهن وسط الحيرة والارتباك أن يقتل ابن " كاتا " وصيفة زوجته التي ولدت في نفس اليوم.. يدخل الحجرة ولكنه لا يقوى على قتل الطفل ويفكر في فرعون الذي يقف بالباب فيطعن نفسه بالخنجر.. يدخل فرعون ويستل الأمير رعخعوف سيفه ويهوي به على الطفل الذي تفتديه أمه فيطير رأسها ورأسه بضربة واحدة. ددف رع كانت " زايا " وصيفة زوجة الكاهن عاقرا؛ تذهب نفسها حسرات على طفل ولو حمل معه بؤس الدنيا جميعا!.. تسير "زايا" بسيدتها وطفلها في الصحراء حتى تذهب في غفوة وتستيقظ فترى الفضاء مظلما محيطا عليها من ثلاث نواح ولا تعرف في أي ساعة من الليل هي.. تتسرب إليها وحشة الكون فتنكمش مرتجفة مذعورة ويخيل إليها أنها ترى في الظلام أشباح قافلة من البدو وأنهم سيكونون غنيمة ثمينة لقبائل سيناء. يشتد بها الفزع فتقفز على الرمل وتمد يدها بلا وعي إلى الطفل وتأخذه ثم تطلق ساقيها للريح صوب أنوار المدينة.. يمر بها رجال فرعون فتطلب منهم أخذها إلى منف حيث يعمل زوجها في بناء الهرم الأكبر. تنسب " زايا " الطفل "ددف رع" إلى نفسها وزوجها وتذهب للبحث عنه بين بناة الهرم فتعلم أنه مات في ميدان العمل.. يخبرها مفتش الهرم "بشارو" أن فرعون أمر ببناء بيوت لأسر العمال الذين ماتوا أثناء العمل وخصص لهم إعانات شهرية. بعد فترة تنسى "زايا" أحزانها؛ ويسألها المفتش "بشارو" أن تنضم إلى قصره وجواريه الأربعة بعد أن ماتت زوجته تاركه له ولدين؛ فتعيش في القصر وتربي "ددف" مع ولديه "خني" و"نافا". ينخرط "خني" في تعلم الكهنوت، ويتشرب منه "ددف" الحكمة والمعرفة، بينما يتعلم الفن الجميل من "نافا"، ثم يدخل هو المدرسة الحربية ويتخرج فارسا. تحتفل مصر بكل أطيافها ببناء "الهرم" الأكبر، فيكاشف فرعون أصدقائه برغبة عظيمة تخفق في قلبه: "ساءلت نفسي صباح اليوم: ماذا صنعت من أجل مصر، وماذا صنعت مصر من أجلي؟ ولا أكتمكم الحق أيها الأصدقاء، فقد وجدت أن ما صنعه الشعب لي أضعاف ما صنعته له، فأحسست مينا الذي وهب الوطن وحدته المقدسة فلم يهبه الوطن بعض ما وهبني، فاستصغرت نفسي وأقسمت لأجزين شعبي إحسانا بإحسان وجميلا بجميل. إن الملوك ليظلمون كثيرين وإن توخوا العدل والإنصاف، وإنهم ليؤذون كثيرين وإن حرصوا على النفع والخير، وما من عمل سوى عمل الخير الخالد يكفر عن السيئات ويمحو الهفوات. وقد هداني الألم إلى عمل نافع عظيم. ونظر إليه الملأ متسائلين، فقال: - إني أفكر أيها السادة في تأليف كتاب عظيم أضمنه تجارب الحكمة وأسرار الطب الذي ولعت به منذ صباي، فأترك من بعدي إرثا عظيما لشعب مصر يهدي أرواحهم ويصون أجسامهم". في مرسم "نافا" تقع عين "ددف" على صورة جميلة تمثل فلاحة صبية على شاطيء النيل عند الغروب، ويعرف من أخيه أن صاحبة الصورة حقيقية رآها الفنان مرارا حيث تذهب كل أصيل هي وأخوات لها فيجلسن ويلعبن ويختفين مع اختفاء الشمس. بعدها تقيم المدرسة الحربية حفلتها التقليدية السنوية التي يتبارى فيها المتخرجون قبل توزيعهم على فرق الجيش المختلفة، ويترأس الحفل ولي العهد الأمير "رعخعوف".. يحالف "ددف" الحظ في جميع المباريات فيصبح بطل اليوم دون شريك ونابغة المدرسة العديم النظير، فيختاره ولي العهد ضابطا في حرسه الخاص. تقع عين "ددف" على الأميرة "مري سي عنخ" عندما يذهب ليسلم على ولي العهد، فينخلع قلبه حيث لم تكن غير الفلاحة التي يحمل صورتها! يذهب ولي العهد يوما إلى الصيد فيثب علي جواده أحد الأسود، فينقذه الضابط "ددف" الذي يكافئه "رعخعوف" على إنقاذ حياته فيعينه قائدا لحرسه ، ويقرر فرعون محاربة قبائل سيناء التي تسطو على القرى النائية وتهدد قوافل التجارة، ويختار "ددف" قائدا للحملة الموجهة إلى سيناء؛ والذي يقابل "مري سي عنخ" ويطلب منها كلمة وداع فتبخل عليه بها. قبل الخروج للحرب تذهب "مري سي عنخ" إلى "ددف" في ثياب كهنوت فضفاضة، تخبره أنها كانت تكافح كبريائها وتجاهد نفسها لكن قلبها استيقظ من سباته على صوت الحبيب!. ينتصر جيش فرعون على القبائل المتمردة، ويأخذ الجيش الأسرى والسبايا فتصيح إحدى النساء وتتقدم إلى القائد تحدثه بلغة مصرية سليمة وتخبره أنها مصرية اختطفها البدو أيام شبابها وضموها إلى حريم زعيمهم حيث عانت ذل الأسر وحسرته 20 عاما. موعد الحقيقة أشرقت الشمس على منف ورفرفت الأعلام على أسطح البيوت وضج الجو بالأناشيد تحية لفرعون وجيشه الظافر، ودعي القائد ددف الذي حقق طمأنينة الشعب للمثول بين يدي فرعون الذي سأله عما يطلب؛ فقال "ددف" أن له أمنية وهي أن قلبه تعلق بأقدام مولاته الأميرة مري سي عنخ، وكان فرعون راضيا وعلم أن قلب الأميرة قد غزاه هذا القائد الشاب فوضع يد الأميرة على يده وباركهما. يعرض "ددف" مظلمة المرأة المصرية الأسيرة على الوزير فتسترد حريتها، وبالفعل يعود "ددف" إلى أهل بيته ظافرا ومعه السيدة المصرية فيطلب من أمه أن تكرم مثواها فتذهب إلى حجرة الضيوف للترحيب بها .. تلتقي عينا المرأتين فتنظر كل منهما إلى الأخرى بغرابة.. تتسع عينا المرأة الغريبة وتصيح بدهشة جنونية " زايا! " ترتجف "زايا" ويصير وجهها أشبه بوجوه الموتى بعدما رأت سيدتها السابقة والتي أخذت تسألها عن طفلها الذي اختطفته منذ 20 عاما.. تبهت زايا ثم تقول بعصبية وتصيح بالمرأة: "أتظنين أنني غادرة يا ردة ديديت؟ كلا لم أك غادرة قط. لقد سهرت عليك ذاك اليوم العصيب، ولكن هاجمنا البدو فلم أر مناصا من الهرب، وأشفقت على طفلك من أذاهم فحملته على ذراعي وعدوت به كالمجنونة، فكان فراري ضرورة طبيعية، وكان وقوعك بين أيديهم قضاء محتوما، ثم عنيت بطفلك ووهبته حياتي، ونفعه حبي فنشأ رجلا تفخر به الأمم، وها هو ذا يقف أمامك، فهل رأيت مثله إنسانا من قبل؟". تئن زايا يائسة وتفر من الحجرة بينما تتعلق الأم الحقيقية بابنها بعد فراق السنوات، ثم تسرد عليه قصتها الطويلة.. تسوق الأقدار "بشارو" إلى سماع القصة بغير قصد فتستولى عليه الحيرة ولا يعرف إن كان يخبر فرعون بأن "ددف" هو الوسيلة التي ادخرتها الأقدار لقلقلة العرش. تطلع المصادفات أحد أمناء "ددف" على حقائق خطيرة تنذر بشر فيطلب مقابلته في الحال ويخبره أنه تنامي إلى سمعه مصادفة صوت ولي العهد وهو يحادث شخصا غريبا انهى حديثه بالدعاء للأمير الذي سيصبح فرعون مصر عند الفجر! يتذكر "ددف" وصايا الأمير رعخعوف الغريبة وأمره إياه بعدم تسريح الجيش وانتظار أوامره عند الفجر مهما كانت غريبة، فيتأكد أن فرعون في خطر، وأن مبعث الخطر يحيق به أثناء ذهابه ليلا إلى جوف الهرم مع وزيره ليملي عليه كتابه.
يقرر "ددف" أن يدرأ الخطر عن الملك والقبض على الخائنين ولو كانوا من الأمراء، حيث أدرك أن ولي العهد يدبر حيلة لقتل والده ليعلن نفسه ملكا على مصر بعد أن نفد صبره من طول الانتظار. طلع الفجر فدبت الحياة في هضبة الهرم ، وفتح باب الهرم وخرج منه الملك ووزيره وركبا العربة الملكية واجتازا أرض الهضبة إلى حدود وادي الموت الذي يؤدي إلى أبواب منف.. كانت الظلمة ما تزال حالكة فسمعا بغتة أحد جوادي العربة يصهل بشدة ويسقط على الأرض ثم يصاب الوزير فيدرك فرعون أن هناك من يريد اغتياله. يسمع فرعون صوتا كالرعد يصيح به أن يختبيء خلف سور العربة ثم يشتبك صاحب الصوت مع آخر ويرديه قتيلا، بينما تلتحم ثلة من الجنود في قتال عنيف.. ينظر فرعون إلى وجوه القتلى فيصرخ بقوه عندما يرى وجه ابنه "رعخعوف" قائلا بحزن وفزع " أأنت الذي حاولت الفتك بي؟ ". عاد الملك إلى القصر الفرعوني وانتشر الخبر الأسيف، وطلب فرعون أبنائه وبناته وأصدقائه ليملي عليهم وصيته الأخيرة بأن يتولى "ددف" العرش بعده لأنه زوج الأميرة مري سي عنخ التي يجري في عروقها دم الملك والملكة معا. في هذه اللحظة يطلب "بيشارو" مقابلة الملك ليخبره بقصة "ددف" التي عرفها مصادفة، فيتعجب الملك ويقول بصوت خافت "منذ نيف وعشرين عاما أعلنت على القدر حربا شعواء تحديت بها إرادة الآلهة، فجردت جيشا صغيرا سرت على رأسه بنفسي لقتال طفل رضيع، وكان كل شيء يبدو لي كأنه يسير وفق مشيئتي فلم يزعجني داع من دواع الشك قط، وظننت أني نفذت إرادتي وأعليت كلمتي، وكذا بالحقيقة اليوم تهزأ بطمأنينتي، وإذا بالرب يصفع كبريائي، وها أنتم أولاء ترون كيف أني أجزي طفل رع على قتله ولي عهدي باختياره خلفا لي على عرش مصر. فما أعجب هذا أيها الناس". تلمع أعين الأمراء ببريق الأمل، فيقول الأمير رعباوف: "مولاي، إنك تستطيع بكلمة واحدة أن تحقق قضاءك وتنصر إرادتك!" فيطلب فرعون من وزيره أن يحضر أوراق البردي ليختم حكمته إلى الشعب، ثم أشار إلى "ددف" وضع يده على يد مري سي عنخ ثم وضع يده على يديهما ونظر إلى القوم وقال: "أيها الأمراء والوزراء والأصدقاء، حيوا جميعا ملكي الغد".