أعلن أحد سكان بلدة "الطفيل" اللبنانية، التي تشكل بقعة جغرافية متداخلة مع الحدود السورية، أن أهالي البلدة وآلاف من النازحين السوريين الذين لجأوا إليها بعد سقوط مدينة "يبرود"، آخر معاقل المعارضة السورية في منطقة "القلمون" الاستراتيجية، يعيشون وضعاً "مأساوياً" جراء إقفال الطرق المؤدية إلى بلدتهم من الجهتين اللبنانية والسورية منذ حوالي 3 أشهر، وهم أصبحوا اليوم شبه معزولين عن محيطهم. وضع مأساوي وقال جميل دقو الذي نجح بالخروج من "الطفيل" والوصول إلى بيروت منذ أيام، في حديث مع وكالة "الأناضول" للأنباء: "إن بلدته التي يبلغ تعداد سكانها 5 آلاف فضلاً عن 10 آلاف سوري نزحوا إليها وغالبيتهم من السريان، أصبحت في وضع مأساوي جداً... فلا مواد غذائية ولا دواء و لا أمان". ومع اندلاع المعارك في منطقة "القلمون" وسقوط بلدة "يبرود"، بدأ سكان بلدات "الصرخة"، و"حوش عرب"، و"رنكوس" المجاورة بالتدفق على "الطفيل"، حيث تم تأمين مأوى لهم في مدرسة البلدة الوحيدة وجوامعها، وبات كل بيت من بيوت البلدة ال 100 التي بالكاد تتسع لأهلها يستضيف عائلة نازحة. وأضاف دقو أن "الوضع ازداد سوءً مع وصول 10 آلاف نازح إلى البلدة، ومن لم يجد مأوى له اضطر للبقاء في العراء في محيط "الطفيل" التي تعرضت منذ يومين لسقوط أكثر من 60 قذيفة داخلها، ما أدى إلى إصابة 7 أشخاص بجروح وتضرر 15 منزلاً، وإشاعة حالة من الهلع والخوف بين الأهالي والنازحين. وبسبب عدم وجود أي طبيب في البلدة، وإقفال الطرق، تم اسعاف الجرحى ب"طرق بدائية" عبر استخدام "البن والضمادات" المتوفرة. "الطفيل" تحت الأضواء و"الطفيل"، التي تشبه أراضيها "شبه جزيرة" على شكل إصبع داخل الأراضي السورية، كانت شبه منسية، فالقليل من اللبنانيين سمعوا بها من قبل، و"استفاقوا" على وجودها فقط بعد أن بدأ الإعلام يلقى الضوء عليها بسبب قربها من منطقة "القلمون" السورية، ولجوء النازحين السوريين كما مسلحي المعارضة إليها. إلا أن الأهالي رفضوا بشدة اتهامهم بايواء المسلحين الفارين من معارك "القلمون"، و اتهموا وسائل الإعلام بالمساعدة على "التحريض" على بلدتهم بالإشارة لاستقبالهم المزعوم للمسلحين ومساعدتهم على إدخال سيارات مفخخة إلى لبنان. وروى دقو كيف رفض الأهالي ايواء أي مسلح، قائلاً: " بعد بدء معركة "القلمون"، وسقوط "يبرود"، اتجه من بلدات "الصرخة"، و"حوش عرب"، و"رنكوس" حوالي 10 آلاف نازح إلى قرية "الطفيل"، وفي هذه الأثناء، وضعنا حاجزاً في أول البلدة من جهة الحدود السورية لاستقبال النازحين، ومنعنا أي مسلح من الدخول إلى القرية لكي تبقى الطفيل بلدة آمنة". وأشار إلى أن بعد سيطرة الجيش السوري على "رنكوس"، هرب المسلحون باتجاه "الطفيل"، و"عسال الورد"، وبعدما سيطر الجيش السوري على "عسال الورد"، هرب المسلحون باتجاه "الطفيل"، و"الزبداني"، موضحاً أن "الكل يعلم أن جرد (منطقة وعرة) الطفيل موصول بجرد رنكوس، وهو الآخر موصول بجرد "عسال الورد"، ومن "فليطة" إلى "الزبداني" كل الجرود مشتبكة ببعضها،" وهي مناطق وعرة يلجأ إليها المسلحين للاختباء. ونفى دقو أيضاً إرسال سيارات مفخخة إلى داخل لبنان، وقال "منذ ثلاثة أشهر والطريق التي تربط قرية الطفيل اللبنانية بالداخل السوري مغلقة ، فكيف ستصل هذه السيارات؟"، مشيراً إلى أن العوامل الطبيعية وتساقط الثلوج الكثيفة كانت كافية لقطع الطريق. وأوضح أن معظم مواطني الطفيل يعملون بالزراعة أو كعمال، وأكثر من 30 شاباً يخدمون في الجيش اللبناني، "وليس لهم علاقة بتفخيخ السيارات أوتسهيل مرورها". الحدود والسكان وتحدّ "الطفيل"، التي يقطنها شيعة ومسيحيون، ولكن الأغلبية الساحقة فيها من الطائفة السنية، بلدات سورية من ثلاث جهات، إذ تقع بلدة "حوش عرب" إلى شرقها، و"عسال الورد" إلى شمالها، فيما تحدّها سهول "رنكوس" جنوباً. أما من الناحية اللبنانية، فجارتها الأقرب هي بلدة "حام" ولا يربطها بها سوى طريق ترابية. بعض سكانها يحملون الجنسية السورية لكن الغالبية منهم يؤكدون أنهم يتبعون الدولة اللبنانية، والتداخل كبير، فهم يستعملون الشبكة السورية لاتصالاتهم إلا أنهم مرتبطون إدارياً بلبنان، وإذا أرادوا إجراء أية معاملة إدارية، كتأمين إخراج قيد أو تسجيل ولادة طفل، فهم يستحصلون عليها من الدوائر الرسمية اللبنانية. وذكر دقو أن الطريق الترابية الوحيدة التي تربط "الطفيل" بأقرب قرية أخرى لها أقفلت منذ ثلاثة أشهر بسواتر ترابية وضعها الجيش اللبناني الذي كان اتخذ اجراءات مماثلة في مناطق حدودية لبنانية أخرى لمنع تسلل المسلحين السوريين والسيارات المفخخة إلى داخل الأراضي اللبنانية. ووصف الوضع المعيشي في "الطفيل" اليوم ب "الصعب"، قائلاً:"لم يعد يصل إلينا مواد غذائية أو دواء أو مياه، والكهرباء مقطوعة منذ أكثر من خمسة ايام". معركة يبرود كان لها "تأثير كبير جد" على أهالي البلدة، كما قال دقو الذي أشار إلى عدم وجود فرن واحد في "الطفيل"، "فنحن كنا نؤمن قوتنا من منطقة "عسال الورد"، و"حوش عرب"، ومع إقفال الأفران في هاتين المنطقتين بعد بدء المعارك هناك، بدأنا العمل على تأمين الدقيق... ومنذ عشرة أيام انقطع الخبز بشكل كلي بعد نفاذ الدقيق". الأهالي يطالبون.. وما يطالب به أهالي "الطفيل" اليوم هو مساعدة الجيش اللبناني على إدخال المساعدات إليهم بأسرع وقت، وإعادة الأمن إلى بلدتهم، إلا أن الجيش رد بالقول، إن "الطريق ليس آمناً وهو لا يستطيع تأمينها"، بحسب دقو الذي تساءل "اذا كانت المؤسسات الأمنية لا تستطيع تأمين الطريق هل نستطيع نحن تأمينها؟" من جهته، قال مدير إدارة الموارد الغذائية باتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في لبنان، أحمد شفيق ، إن هناك "مشروعاً إغاثياً متكاملاً لأهالي "الطفيل"، يشمل توفير الأدوية، والحصص الغذائية العاجلة، وتأمين وصول طبيبين إلى البلدة". لكن شفيق شدد في حديث مع وكالة الأناضول، على "أهمية العمل على فتح الطريق الترابية"، منبهاً إلى أنه "إذا استمر الوضع على ما هو عليه فمن الممكن أن يموت الناس من الجوع والأمراض". وأكثر ما يقلق أهالي "الطفيل" هو استمرار القصف على بلدتهم من الجانب السوري، ما قد يخلف "دماراً كبيراً"، بحسب دقو.