رغم تلاشي معالم حياة البداوة بشكل شبه كامل من أنحاء قطاع غزة، إلا أن العائلات الفلسطينية ذات الأصول البدوية، لازالت تحافظ على تقاليدها القديمة، وطابعها الخاص في إحياء احتفالاتها وأفراحها. ويستغل "البدو" في قطاع غزة مناسبات الزواج والأعياد، لممارسة طقوس احتفالاتهم القديمة، وفنونهم الغنائية والموسيقية، ك"الدِّحِّية" و"اليرغول" و"السامر"، و"السمسمية"، في محاولة للحفاظ عليها من الاندثار أمام الفنون الحديثة. ونقلت وكالة "الأناضول" الإخبارية عن المسن الفلسطيني فواز أحمد الذي يبلغ من العمر "70 عاماً" قوله: "لا يمكن أن نترك تراثنا الغنائي القديم ليتلاشى أمام الغناء الحديث الهابط، فهو ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ووسيلة جميلة للتعبير عن الفرحة والتلاحم بين أفراد العائلة". وأضاف الفلسطيني أحمد وهو من عشيرة "اصليح" البدوية التي تقطن في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، أن "من أهم الطقوس البدوية للاحتفال بمناسبات الزواج تقديم ولائم الطعام وذبح الخراف بالإضافة إلى إقامة الاحتفالات التي يتخللها الأغاني البدوية والدبكة الشعبية والدحية والسامر". طقوس بدوية وتبدأ طوقس الأفراح البدوية الفلسطينية بزفة العريس وتليها "المربوعة" و"الدبكة" ومن ثم "الدحية" وأخيراً الزفة الختامية للعريس على أوتار آلة "السمسمية". "درّج (تعال) يا غزالي و يا رزقي وحلالي... عريس الزين يتهنى يؤمر (يأمر) علينا ويتمنى... والدنيا مسا.. الله يمسيكم يا أهل الفرح جينا نهنيكم ... والدنيا مسا.. والجو رايق والخاتم يلمع على الحلو لايق ... والدنيا مسا، والورد فوّاح واحنا خذينا من بيت الفلاح"، بهذه الكلمات تبدأ زفة العريس في الأفراح البدوية. وبينما يردد المشاركون في الاحتفال كلمات الزفة البدوية يحمل العريس على جمل مزين بالورود ويسير خلفه أقاربه. ويلي الزفة البدوية ما يعرف ب"المربوعة"، وهي الأكثر جذباً لدى الحضور، حيث يشارك فيها 100 شخص ويصاحبها العزف على آلة "البيانو". و"المربوعة" هي لون من ألوان الغناء البدوي الفلسطيني، تأخذ شكلاً خاصًا ولها طابع مميز، ولا يوجد هذا اللون من الغناء والرقصة المرافقة له، إلا في صحراء سيناء (مصر)، والنقب (إسرائيل) وغزة والضفة الغربية في فلسطين، والأردن. وعادة ما يُغنى هذا اللون من الغناء في الأعراس، فتقف مجموعتين من شباب العائلة البدوية وينقسمون إلى قسمين، وتبدأ إحدى المجموعتين بالغناء وتقوم الثانية بترديد كلماتها, وبعد ذلك تنطلق المجموعتان بالغناء المُتبادل من كلا الطرفين. ومفتاح الغناء في "المربوعة"هو "هُولا هُولا بيك يا هولا..لي يا حَليفي يا الولد.." وهو نوع من الترحيب, ويُحاول كل من المجموعتين إظهار قدرتهما على ابتداع الغناء والتفوق على المجموعة الثانية. وبعد فقرة "المربوعة" تبدأ الدبكة الشعبية على صوت آلة "اليرغول" هو نايٌ ذو أنبوبتين يُصنع من عيدان الخيرزان المجوفة، وهاتان الأنبوبتان متوازيتان ومقرونتان الواحدة منهما بالأخرى بخيوط متينة تُلَفُّ على القصبتين من الأسفل والأعلى ولليرغول عُصَيَّة من البوص تُدخل في الطرف السفليّ لإحدى الأنبوبتين المثقوبتي، وتساعد هذه الأنبوبة على الرّدّ على اليرغول واستمرار اللحن دون انقطاع. ويغني المشاركون خلال فقرة الدبكة أغاني بدوية شعبية منها "سبَّل عيونه ومد إيديه يحنيها ..." و"يا هلا حيّا الضيوفي، بالرماح والسيوفِ... ". "الدِّحِّية" ويلي الدبكة الشعبية فقرة "الدِّحِّية"، وهي عبارة عن هي رقصة بدوية قديمة، تمارس في منطقة النقب وقطاع غزة والضفة من فلسطين والأردن وشمال السعودية وبعض دول الخليج وبوادي سوريا والعراق. وكانت تمارس " الدِّحِّية" قديمًا قبل الحروب لإثارة الحماسة بين أفراد القبيلة، وعند نهاية المعارك قديمًا يصفون بها المعركة وما دار بها من بطولات وأفعال، أما الآن فهي تمارس في مناسبات الأعراس والأعياد وغيرها من الاحتفالات. وتؤدى الدِّحِّية بشكل جماعي حيث يصطف الرجال بصف واحد أو صفين متقابلين، ويغني أحد المتواجدين في منتصف أحد الصفين قصيدته المغناة يردد الصفين بالتناوب البيت المتفق عليه سلفًا بالتدرج. وحركة "الدحية" تأتي في آخر القصيدة ويستعمل التصفيق كلون إيقاعي، وتتميز بالحماس في أدائها الحركي ويتطلب للمشارك فيه أن يوفق بين أدائه الحركي والتنفسي حتى يتمكن من مجاراة باقي المشاركين. والمقولات التي يرددها المشاركون تتنوع من المدح والفخر إلى الذكر وحمد الله والغزل والنقد والمزاح والردح بأسلوب ساخر والترحيب والشكر والذم والتوبيخ والثناء. أشهر الأغاني ومن أشهر أغاني الدِّحِّية البدوية الفلسطينيى "الله يمسيكم بالخير مسية تعقب مسية، بنمسي على الجميع الواقف والقاعدية، يا ربعي (عشيرتي) شدوا دحاكم بدرية (مبكرا) الليلة بدرية( منتصف الشهر القمري)، وبنمسي على الجميع شبان واختيارية (عجائز)". ولا تخلو كلمات أغاني الدحية من التطرق لواقع الحياة السياسية كالمصالحة الفلسطينية، ومنها "يا ربي طالبتك طلبة.. تصالح عباس وهنية"، والمقاومة: "الله يخلي المشايخ يلي حفروا الجحور الأرضية (الأنفاق بين غزة وإسرئيل)". وتتم فقرة الدحية على ألحان آلة "السمسمية" وهي آلة مصرية قديمة يعود تاريخها للعصر الفرعوني، مصنوعة من الخشب، وأوتارها عبارة عن أسلاك من الصلب الرفيع تشد بشكل قوي على صندوق خشبى، ويتم العزف بالضرب على هذه الأسلاك، ويلقي خلال العزف شاب أو اثنين الأبيات الشعرية. وينتهي العرس بمشاركة أهل العريس بما يعرف ب "الزفة الختامية" حيث يمتطي العريس حصاناً مزيناً بالورود ويجوب ساحة الاحتفال.