" جونتنامو " رحلة بحثى عن الإنسان 90 % ممن عذبوا فى سجن جونتنامو أبرياء ما يحدث فى مصر صراع ثقافي لا سياسي من داخل معتقل " جونتنامو" أكبر معاقل التعذيب بالعالم ، يبحث الروائى يوسف زيدان بنزعة صوفية عن الإنسان فى تجلياته المختلفة ضعفه و حنينه و أحلامه و ذكرياته ، يتعمق فى أكثر المناطق إظلاما و بشاعة بداخله ، ويلقى الضوء على مناطق النور التى تجعله يقترب من صفات الملائكة ، هذا الإنسان الذى يعد بكل تناقضاته كونا أصغر . " جونتنامو " هى الجزء الثانى من ثلاثيته التى كانت أولها " محال" ، و حاليا يخط الكاتب آخر جزء بالثلاثية " نور " ، بدء زيدان العمل على الثلاثية منذ عام 2011. تحكى الثلاثية عن شاب مصري – سوداني يعمل في الإرشاد السياحي بأسوان ثم تتقلب به الأحوال ويتم القبض عليه على الحدود الباكستانية الأفغانية خلال حرب الضروس التي شنتها الولاياتالمتحدةالأمريكية على حركة طالبان الأفغانية ، تتبع الرواية مصير بطلها من الأقصر للخليج لأوزبكستان ثم أفغانستان ومعتقل جونتنامو . و نورا التى يدور حولها الجزء الأخير من الثلاثية هي حب البطل الكبير، الفتاة السكندرية التي قابلها البطل في أسوان و أحبها ، لكنها تتزوج برجل ليبي ثري، مما يدفع البطل إلى العمل بالخليج للهرب من واقعه المؤلم . و قال زيدان فى توقيع روايته مساء أمس بمكتبة الشروق أنه اعتمد على أسلوب الراوى العليم فى " محال " ، أما فى " جونتنامو " فالبطل هو من يحكى ، و قال عن "نور" التى يعمل عليها حاليا أن البطلة هى من تحكى ، و هى تعيده بذلك إلى رواية النبطى ، حيث المرأة هى الراوى ، و قال أنه يحاول أن يقترب بدقة إلى عالم المرأة بأدق تفاصيله حتى ما تشعر به أثناء كسرها طبق خلال غسيل الآوانى . الرواية كما قال زيدان تحمل الكثير من التصوف ، و قصد زيدان أن يخفف من وطأة مشاهد التعذيب حتى لا يكون ماسوشيا فى وصفه لتلك الوقائع البشعة بالفعل ، "الإنسانية انتهت" ، "الغضب سيطول" ، " الإنسان إلى متى يتحمل ؟ " ، كل هذة الخواطر ستمر بك عندما تقرأ الرواية . و أكد زيدان أن الأدب الذى يتحدث عن وقائع شهدها الناس بالفعل هو الأصعب ، فهو يحدثهم عن شئ يعرفوه بالفعل ، و لكنه هنا يضعه فى سياق أدبى و يجعل له رؤية . سئُل زيدان عن كيفية كتابته للرواية دون أن يخوض تجربة السجن ، فأجاب أن السجن حالة و إحساس ، و أنه فكر بالفعل أن يعيش الحالة حقيقية داخل زنزانة بالاتفاق مع المسئولين ، و قال مازحا خفت فى وقت الثورة و مع تغير الأنظمة أن أدخل و لا أخرج ، و كان وقتها الأخوان فى الحكم . و قال المؤلف أن كثير من مشاهدات محال عايشها بنفسه فى طشقند و بخارى و سمرقند ، أما عن جونتنامو و تجربة المعتقل فكان يحبس نفسه لأيام طويلة فوق العشرة أيام فى المعمورة دون أن يرى إنسان . كما قابل بعض من شهدوا تجربة السجن ، و قرأ شهادات من عايشوا هذة الحالة ، فجاء البطل نتاج الكثير من الأشخاص ، أحدهم شاب قابله فى الساقية و سجن فى جونتنامو 6 أشهر ثم نقل لمصر ليسجن فى سجن العقرب 5 سنوات ، و واصل زيدان أن هذا الشاب شعر بصدمة بعد قراءته لمحال ، و اختفى و لم يراه منذ ذلك الوقت . أكد زيدان أن 90 % ممن عذبوا فى سجن جونتنامو أبرياء ،و 95 % ممن نفذوا الجرائم من الأمريكان لديهم مشاكل نفسية و يحتاجوا لعلاج . و تابع زيدان أن الإنسان عندما يسجن بين أربع جدران لمدة طويلة فأما يجن أو يستدعى ذكرياته و خيالاته و أمانيه ، و كأنه يحياها بالفعل كما فعل البطل ، و عن الكتب التى يقرأها البطل فى الرواية يقول زيدان أنها ليست حقيقية بل هو ألفها خصيصا كجزء من روايته ، و منها كتاب " أنفاس الأماكن " و فيه يصور كيف يرتبط الإنسان بالمكان ، ليموت أحيانا من حنينه إليه . أما عن غلاف الرواية الذى أثار العديد من التساؤلات ، فقال زيدان أنه يمثل الإنسان المختفى بين طبقات كثيرة ، و يمثل الآخر المعتم . و نبه زيدان فى روايته من إعادة التاريخ نفسه دون أن يتعلم الناس من حوادثه ، و ليس فقط الماضى البعيد ، فالرواية تدور فى الماضى القريب ، الذى إن لم ننتبه إليه أيضا سنظل غارقين فى هذة الحالة الضبابية . استعرض زيدان من خلال روايته جريدة المصرى اليوم فى يوم 28 مارس 2008 ، مدللا على كم الأحداث التى كانت تجرى أمامنا دون أن نحللها ، قارئا مانشيتات الصحيفة فى ذلك اليوم : " سرور"- الكاهن الأعظم لنظام مبارك كما يطلق عليه زيدان - يصرح بأن الأخوان يجب أن يكون لهم حزب سياسى ، ووزير الاسكان السابق الكفراوى يصرح بأن توشكى مشروع فاشل ، فى الوقت الذى كان يروج فيه أنها حلم قومى ، و المدمرة الأمريكية التى دمرت مركب صيد مصرى و قتلت من عليه ، و غادرت الميناء دون حساب أو سؤال ، و الموقف المصرى متخاذل كما المعتاد . و علق زيدان عن ما يحدث فى مصر و سوريا، قائلا أنه صراع ثقافى لا سياسى ، و طالما وزارة الثقافة فى غيبوبة لن نقوم مما نحن فيه . و عما يحدث فى أسوان قال زيدان : لم أبحث ما يحدث فى أسوان جيدا و المعلن عنه قليل و غير واضح ، و من يقول أن ذلك تطهير عرقى فذلك غير صحيح ، و لم يحدث أبدا فى تاريخ مصر ، و من يريد أن يعرف ما هو التطهير العرقى فليقرأ التراث اليهودى .