تَخوُف اللبنانيين من "كارثة مائية"، بدأت ملامحها الاولى مع تراجع حاد بنسبة المتساقطات (الأمطار والثلوج) هذا العام، جعلهم يبحثون عن وسائل جديدة لتخفيف استخدام المياه، فيما سارعت الحكومة لانشاء "خلية أزمة" لادارة هذه المشكلة الاضافية واطلقت مجموعة ضغط مدنية مشروعا يهدف الى حماية ثروة لبنان من "الذهب الأزرق" (المياه). وعلى الرغم من ان لبنان يتمتع بوضع مائي افضل بكثير من الدول العربية الاخرى، الا انه فشل بحماية وإدارة هذا المورد المهم اذ أنّه لا يستفيد الا من 17% فقط من كمية المتساقطات. وقد شعر سكان لبنان بالتراجع الكبير في نسبة المتساقطات هذا العام مقارنة بالسنوات الماضية، ما ادى الى تقنين اضافي للمياه وبحالات كثيرة انقطاعها لايام عن المنازل في العاصمة بيروت ومناطق كثيرة اخرى. وبات شراء المياه مثل شراء احتياجاتهم اليومية وخاصة خلال أيام الشح، ما يزيد الأعباء المالية عليهم فهم يدفعون شهريا حوالي 40 دولارا أميركيا لمياه الشرب و90 دولارا ثمنا لمياه الخدمة. ودفع هذا الشح المتزايد للمياه اللبنانيين لاطلاق مشاريع استباقية ومبادرات سريعة للحفاظ على المياه وترشيد استخدامها. وحذّر رئيس لجنة الاشغال العامة النائب محمد قباني من وقوع "كارثة مائية" في لبنان اذا تكرر التساقط المحدود للأمطار والثلوج في السنوات المقبلة. وأشار قباني لوكالة انباء "الأناضول" الى انّه تم انشاء "خلية أزمة" لمعالجة حالة الطوارئ القائمة بسبب شح المتساقطات، يرأسها وزير الطاقة والمياه وعضوية وزيري زراعة والبيئة، لافتا الى ان من مهمتها أيضا توعية المواطنين حول ترشيد استهلاك المياه بالتعاون مع وزارتي التربية والاعلام، على ان تباشر عملها قريبا جدا. وشدّد على وجوب الانطلاق بحل الأزمة من خلال حفر آبار ارتوازية، مطالبا بضرورة ترشيد استهلاك المياه خاصة في القطاع الزراعي باعتباره يستهلك ما بين 65 و70% من المياه في لبنان، فيما هناك 30% فقط من الاراضي الزراعية المروية تستخدم فيها الاساليب الحديثة. وعن ترشيد الاستهلاك بمجال الزراعة، قال ان المعنيين باتوا يشجعون المزارعين على الانتقال للري "عبر النقطة"، وهذا يوفر ما لا يقل عن 50% من كمية المياه المطلوبة للزراعة. ومن بين المشاريع المطروحة لإدارة الثروة المائية في لبنان، اطلق مشروع "الذهب الازرق"، وهو الاول من نوعه في لبنان ويهدف لتوفير 500 مليون متر مكعب من المياه. و"الذهب الازرق" هو المشروع الاول ل "ملتقى التأثير المدني"، وهو مجموعة ضغط مدنية تأسست في العام 2012، لتحقيق التناغم بين اجهزة القطاعين العام والخاص من جهة والمجتمع المدني من جهة اخرى فيما يتعلق بالمشاريع الإجتماعية والإقتصادية. ويعتمد مشروع "الذهب الازرق" على "خطة خمسية لادارة قطاع المياه في لبنان، أعدها نحو 40 خبيرا من كافة القطاعات قبل عام ونصف"، بحسب المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني زياد الصايغ. وقال الصايغ في حديث لوكالة "الأناضول" الى ان هذه الخطة تحتاج إلى خمس سنوات لتنفيذها بدءا من عام 2015 وحتى 2020، و "ستوفر على لبنان 500 مليون متر مكعب اضافي من المياه" بكلفة خمسة مليار دولار ممولة من القطاع الخاص. وأوضح أن المشروع لا ينظر الى المياه على انها "حاجة وسلعة استهلاكية انما يتعاطى معها على انها ثروة وطنية"، مشيرا الى ان المشروع يتضمن اربعين مبادرة تتعلق بانتاج المياه وتخزينها، وكيفية استخدامها وترشيدها وتحسين جودتها كما تحسين ادارة قطاع المياه. ولفت الى ان لبنانوتركيا من البلدان التي تعتبر "قصورا من المياه في منطقة الشرق الاوسط"، مشيرا الى ان تركيا قد تكون استطاعت ادارة مياهها والاستفادة منها، اما لبنان فلم ينجح بذلك. وأوضح ان نسبة المتساقطات في لبنان سنويا تتراوح ما بين 8 و9 مليارات متر مكعب، فيما "لا نستفيد سوى من 17% منها، وسيسمح مشروع "الذهب الأزرق" من زيادة هذه النسبة لحوالي 30 و 33% من خلال تجميع المياه المتساقطات في خزانات وعلى اسطح الأبنية وأيضا من خلال انشاء السدود". وأشار الصايغ الى ان تنفيذ المشروع يتطلب اولا انشاء مجلس وطني للمياه، يجري العمل حاليا لاعداد مشروع قانون له، وهيئة رصد تراقب سير العمل. وقد بدأ عدد كبير من اللبنانيين بمحاولة استخدام المياه باعتدال في منازلهم وحتى لغسيل سياراتهم مستفيدين من خدمة "Just Wash" لغسيل السيارات والتي تستخدم كمية مياه لا تتجاوز ال 150 مل للسيارة الواحدة. وتعتبر خدمة "Just Wash" لغسل السيارات، الأولى من نوعها في لبنان، فهي ترتكز على غسل السيارات في الاماكن المركونة فيها. ويشير احد اصحاب الشركة وسيم زيدان في حديث لوكالة "الأناضول" الى ان خدمتهم "صديقة للبيئة" فهم يستخدمون نحو 150 مل فقط من المياه اضافة الى مواد مركبة من أعشاب طبيعية وبيئية، مستوردة من هولندا، تحمي السيارة وتنظفها ومن ثم يجري مسحها بقطع من القماش. وبحسب القيمين على الخدمة، فهناك أكثر من مليون سيارة قيد الاستخدام الفعلي في لبنان تخضع بطبيعة الحال للغسيل. وتحتاج كل سيارة وبحد أدنى ل 150 ليتراً من المياه النظيفة والصالحة للاستخدام، خلال عملية الغسل في محطات الوقود والمغاسل، ما يعني استهلاك 150 مليون ليترا من المياه شهريا اذا تم غسل كل سيارة مرة في الشهر. ولفت زيدان الى ان هذه المبادرة "ستساهم حتى ولو بشكل بسيط بحل ازمة المياه في لبنان خاصة في ظل غياب الحلول الرسمية". وقد طالت مساعي نشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه بعض المدارس في لبنان التي تقوم حاليا بتوعية تلاميذها حول اهمية المحافظة على المياه من خلال قصص والعاب تحثهم على استخدامها بشكل صحيح وبطريقة معتدلة على اعتبارها من اغلى الموارد في لبنان. لبنان