يصادف، اليوم الخميس، الذكرى ال 58 للاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، والأولى بعد إقرار الدستور الجديد في يناير/ كانون الثاني الماضي. وبينما يعتبر التونسيون في الاستقلال تحريرا لأرضهم من المستعمر الأجنبي، يقول مؤرخون إن مواد الدستور التونسي الجديد تمهد لتحرير الإنسان التونسي، وإن كانت بانتظار التطبيق على أرض الواقع. وأقرت تونس في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي وثيقة الدستور الجديد الذي وصفه مسؤولون تونسيون بأنه أول "دستور ديمقراطي توافقي" في المنطقة العربية، وهو ثاني دستور لتونس منذ استقلالها عن فرنسا، ويوصف بأنه "دستور الجمهورية الثانية". ويرى المؤرخ التونسي، خالد عبيد، أن الدستور التونسي الجديد 2014 من شأنه أن "يمكن من تحرير الإنسان؛ وذلك عبر إرساء قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تضمنها في فصوله (مواده)". وفي تصريحات لوكالة الأناضول، أضاف عبيد أن "الغاية الرئيسية من ثورة الكرامة في تونس (ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011) هي تحرير الإنسان الذي غُيِّب وأهملت حقوقه وحرياته على امتداد نحو 50 عاما". لكن المؤرخ التونسي تابع مستدركا: "لا يمكن الحسم النهائي في مدى قدرة الدستور على تلبية المطالب الرئيسية التي انطلقت من أجلها ثورة الكرامة في تونس، وذلك في انتظار تطبيق بنود الدستور وفصوله على أرض الواقع". وقال إن "دستور 2014 يحتوي على العديد من الفصول التي تؤسس للديمقراطية وذلك من الناحية النظرية، وأن تطبيق هذه الفصول على أرض الواقع في المستقبل القريب، ستجعل دستور الثورة قادرا على تحرير المواطن التونسي". واعتبر أن دستور الاستقلال قام بتحرير الأرض، لكنه لم يتمكن من تحرير المواطنين بشكل واضح؛ وذلك يعود لعدد من الأسباب أهمها: عدم تطبيق بنود دستور 1959 على أرض الواقع؛ حيث ظلت الانتهاكات لحقوق الإنسان وحقوق المواطنين قائمة وهو ما أدى إلى اندلاع ثورة شعبية (في 14 يناير 2011) رفعت خلالها شعارات: شغل، حرية، كرامة وطنية". وبحسب أراء مراقبين للشأن التونسي، فإن دستور الجمهورية الثانية في تونس يعد دستورا للحقوق والحريات، كما يمكن أن يصنف من بين أحسن دساتير العالم. ويحتوي الدستور على 149 مادة، وصوت لصالحه 200 نائب، فيما تحفّظ على التصويت 4 نواب، وصوت ضده 12 نائبا. وفي مقارنة بين دستور الجمهورية الأولى ودستور الجمهورية الثانية، أكد عبيد أن دستور 1 يونيو /حزيران 1959 يعتبر دستورا ثوريا مقارنة بالمناخ الذي ولد فيه، مشيرا إلى أن الشعارات التي كانت ترفع في تلك الحقبة الزمنية كانت تدعو أساسا إلى فرض التعايش السلمي. وبحسب المؤرخ التونسي، فإن دستور الاستقلال لم يتم تطبيقه على أرض الواقع بالطريقة المثلى؛ وهو ما نتج عنه أسباب اندلاع ثورة يناير 2011، وعلى ضوء ذلك فإن دستور 2014 يبقى مقبولا نظريا إلى أن تتم عملية تطبيقه من خلال الهيئات التي سيتم وضعها في المستقبل. وأضاف: "بعد ذلك نستطيع القول بأنه دستور يضمن الحقوق والحريات والديمقراطية". واعتبر عبيد أن تونس تعيش في الفترة الحالية "مرحلة انتظار إلى حين استكمال تحقيق أهداف ثورتها، وتجسيد ما يضمن تحقق المطالب التي رفعت خلالها عبر التطبيق الفعلي لبنود الدستور وفصوله". وأوضح عبيد أن "تجسيم حقوق الإنسان والتوزيع العادل للثروات وتكافؤ الفرص وتحقيق التنمية العادلة تعد أهم مطالب الثورة التي يضمنها الدستور، ومن المنتظر أن تطبق من قبل الحكومة التي ستفرزها الانتخابات المقبلة". ولفت إلى ضرورة أن "تحمل الحكومة القادمة الإحساس بالمواطنة بكل المقاييس"، مؤكدا: "يجب أن يشعر سائس (قائد) تونس المقبل بأهمية القيمة الحضارية لتونس، فضلا عن ضرورة الارتباط بماضيها ". وأقرّ المؤرخ بوجود فترات مظلمة في تاريخ تونس، داعيا إلى ضرورة الاعتبار منها. وقال: "يجب أن تعمل الحكومة التونسية المقبلة على أن تحدث نوعا من القطيعة الايجابية بين الحاضر والماضي، والاتعاظ من أخطاء الماضي، وأن تسعى إلى الاستفادة من مزاياه". واشترط أن "تنجز انتخابات حرة ونزيهة وشفافة؛ وذلك حتى يقع التجسيم الفعلي والحقيقي لمبادئ حملها دستور أتى على اثر ثورة شعبية، وأطلق عليه دستور الحقوق والحريات". وأكد على أنه "من الضروري أن تتفادى الجمهورية الثانية الأخطاء التي وقعت فيها الجمهورية الأولى، وتعتبر أن تطبيق الحقوق والحريات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من أهم مطالب المرحلة المقبلة". ومنذ الاستقلال عن فرنسا يوم 20 مارس / آذار 1956، اتخذت تونس من هذه الذكرى يوم عطلة رسمية وطنية. وبعد ثورة 14 يناير / كانون الثاني 2011، أصبح الاحتفال بعيد الاستقلال في تونس له طعم مختلف؛ حيث تقام مهرجانات احتفالية وسط شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة، وفي كافة المدن والقرى التونسية. يشار إلى أن تونس دخلت تحت نظام "الحماية الفرنسية" وفقا لمعاهدة باردو أو معاهدة قصر السعيد التي تم توقيعها 12 مايو/ آيار 1881 بين حكومة فرنسا وباي تونس آنذاك محمد الصادق باي (الباي هو لقب كان يطلق على حكام تونس). وكان توقيع هذه المعاهدة بمثابة بداية للاحتلال الفرنسي لتونس، الذي دام نحو 75 سنة ؛ حيث أعطت هذه المعاهدة لفرنسا حق الإشراف المالي والخارجي والعسكري على البلاد التونسية، إضافة إلى حقّ تعيين حاكم لتونس يسمى "المقيم العام"، وأباحت التدخل الفرنسي في شؤون البلاد. في المقابل، حافظ الباي على مركزه مع سلطات تشريعية وإدارية شكلية، في حين كانت كل السلطات الفعلية بيد المقيم العام الفرنسي .