منع الله بحكمته أنواره عن قلوب بني آدم طالما احتوت على شيء من الصفات الذميمة والتي وضحها سبحانه في قوله: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ المَآبِ" آل عمران :14. وقد أمرنا عز وجل أن نزيل الصفات الذميمة من قلوبنا، ونخليها لتبقى معلقة به سبحانه لا تتعلق بسواه، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَسْجِدِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ..» إلى آخر الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري. وسائل تعينك على التغيير بداية الطريق اليقظة، فيجب أن تسارع وتستيقظ من غفلتك وتعلم حقيقة الدنيا وأنها إلى زوال، وأن تصحح مسيرة قلبك مع الله، وأن تبدأ بتخلية قلبك من القبيح استعدادًا لملئه بالصحيح، وأول ما تبدأ به أن تُخرِج من قلبك ذلك التعلق بتعظيم الآباء الذين خالفوا الهداية في أفكارهم ونظمهم، وكذلك بالأموال وبالعشيرة وبالشهوات، وبكل ما سوى الله عز وجل. وليس أن تخرج الدنيا من قلبك -كما علمنا الله ورسوله- أن تدمرها، وألا تقوم فيها بشأن قد أمر فيه الله ونهى! بل شأنك فيها ألا يتعلق قلبك بها، وألا تكون أحب عندك من الله ورسوله. كما أنه ليس معنى أن تخرجها من قلبك أن توليها ظهرك؛ فكان من دعاء الصالحين: "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا"؛ فيجب أن نجعلها في أيدينا نستعملها لله وفي سبيل الله، بحيث لا تؤخرنا عن السعي إلى الله وعن الفعل لله وعن الترك لله؛ فإذا هي أخرتنا إذن فنحن من الخاسرين، ولابد من أن نعيد حسابنا مع أنفسنا حتى يكون هذا القلب بيتًا لله تدخله ملائكته وأنواره، وتتنزل عليه رحماته ونفحاته، ويسير أحدنا في حياته الدنيا مباركا من عند الله. انخلع أيها الإنسان من نفسك ومن شهواتك ومن دنياك، لا بتركها إنما بعدم التعلق بها، وهو أمر عظيم يحتاج إلى خطوات، وإلى تربية، فلابد أن تربي نفسك وتدربها، والذي يساعدك على هذه التربية كثرة ذكر الله بالليل والنهار بكرة وأصيلا. فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ شرائعَ الإِسْلاَمِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ به، قال: «لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه الترمذي في سننه. والتخلية والتحلية التي أمر الله بها من التأمل والتدبر، فيقول سبحانه وتعالى: "أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا" النساء :82، ويقول: "لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ" المجادلة :22. فعلينا أن نبدأ من اليوم بالتخلية، وهو أمر ليس بهيِّن؛ لأنه يحتاج إلى مراقبة النفس، ويحتاج إلى معرفة المفاهيم الصحيحة، ويحتاج إلى كثرة ذكر الله، ويحتاج أن تجعل لنفسك حصة من القرآن. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر على صحابته من قوله: «جَدّدوا إِيمانَكُمْ»، قيل: يا رسول الله وَكيف نجدد إيماننا؟ قال: «أَكْثِروا مِنْ قَوْلِ لا إِلهَ إِلا الله» رواه أحمد. ابدأ في نقل نفسك من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه، ولا تستقل هذا العمل؛ فإنك إن فعلت ذلك نوَّر الله قلبك وفتح عليك فتوح العارفين به، وأرشدك الصواب وعلَّمك ما الخطأ، وجعل لك فرقانا، ووقاك وكفاك وهداك؛ فاللهم يا ربنا اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. الدكتور-علي جمعة- مفتي الجمهورية السابق