رئيس الأعلى للإعلام يهنئ السيسي بمناسبة العام الهجري الجديد    مدبولي: توجيه رئاسي بالتواصل مع المواطنين وحل شكاواهم بالتعاون مع الجهات المختصة    الرئاسة في أسبوع.. السيسي يكلف الحكومة الجديدة بالتخفيف على المواطنين وتحقيق طفرة في الصحة والتعليم.. يشيد بدور الهيئات القضائية في حماية حقوق المواطنين.. ويصدر قرارات جمهورية قوية    القوات المسلحة تحتفل بالعام الهجري الجديد 1446ه    تنسيق التمريض العسكري بعد الإعدادية.. شروط التقديم وأماكن المدارس    كيف تحرك سعر الدولار في 10 بنوك بأول أسبوع من شهر يوليو؟    بعد ارتفاعه عالمياً.. تحرك جديد في أسعار الذهب بالسوق المحلية    الصحة: انطلاق البرنامج التدريبي في الحوكمة والابتكار بالتعاون مع جامعة أريزونا الأمريكية    تعيين «كير ستارمر» رئيس وزراء بريطانيا خلفًا ل«سوناك»    الإيرانيون فى جولة الحسم اليوم بين خيارين رئيس إصلاحى أو راديكالى    حصاد المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية للعام المالي 2023/2024    الرئيس الصيني يبدأ زيارة إلى طاجيكستان    مصدر ليلا كورة: الأهلي يتلقى الدفعة الأخيرة من مكافأة الدوري الأفريقي    "في غياب صلاح".. ليفربول يبدأ الاستعداد للموسم الجديد    تقرير مغربي: الكرتي ورضا سليم يرحبان بالانتقال إلى الوداد    غدا.. أختبارات البراعم في نادي محافظة الفيوم    حبس عنصر إجرامي لحيازته حشيش ب4 ملايين جنيه في المنوفية    "كان عايز يدبحنى قدام بناتي".. مأساة "هدير" مع زوجها على 10 جنيه    حريق هائل بمنزل بالدقهلية والحماية المدنية تحاول السيطرة عليه    النقل دهست التوكتوك.. مصرع سائق في حادث على الطريق الحر بالقليوبية    السفير الهندى يغرس أشجار النخيل والمانجو بحديقة متحف الطفل    عبادي الجوهر يغني في حفل "ليلة وردة".. وهذا ما قالته أصالة عنه    هاجر أحمد تتعرض لأزمة صحية ووضعها على جهاز تنفس صناعى    فى ذكرى رحيل رجاء الجداوى.. أبرز محطات الفن والحب والرسالة الأخيرة    شيخ الأزهر: القرآن نقل الأمة من حالة الضعف والبساطة إلى العالميَّةِ    نصائح للحفاظ على سلامة العين خلال فصل الصيف    استمرار توريد محصول القمح لصوامع وشون الشرقية    "يويفا" يقرر إيقاف بيلينجهام مع إيقاف التنفيذ وتغريمه 30 ألف يورو    الخارجية الروسية تُحذر: سنرد على احتمال طرد دبلوماسيين من بعثتها لدى مولدوفا    القوات البحرية تستقبل وفدًا من الأمم المتحدة    8 أسابيع من البهجة بمهرجان العلمين في دورته الثانية    مراسل «القاهرة الإخبارية»: طائرات الاحتلال تقصف منزلا في مخيم النصيرات وسط غزة    تعليم كفر الشيخ تنظم مراجعات ليلة الإمتحان لمادتي الكيمياء والجغرافيا    «صباح الخير يا مصر».. طبيب مصري يفوز بالمركز الأول في حفظ القرآن بمسابقة التبيان الدولية الأمريكية    محافظ الشرقية يشرف على إصلاح خط مياه الشرب الرئيسي بمدينة الزقازيق    «الصحة» تنظم البرنامج التدريبي الدولي لعلاج إصابات العظام وتثبيت الكسور    الدكتور أحمد الطيب: الجرأة على التكفير والتفسيق والتبديع كفيلة بهدم المجتمع الإسلامى    وزيرة البيئة تتابع إنشاء أول محطة لتحويل المخلفات لطاقة كهربائية بأبو رواش    مصر تفوز بجائزة أفضل جناح بمعرض دار السلام الدولي بتنزانيا في دورته ال 48    دراسة طبية حديثة تكشف فوائد تناول الحليب الذهبي وتأثيره على الصحة العامة    مهرجان المسرح المصري يكرم الفنان حسن العدل في افتتاح دورته ال 17    المحكمة تحدد مصير حسين الشحات بتهمة التعدى على الشيبى 9 يوليو    سيولة وانتظام حركة السيارات في القاهرة والجيزة.. النشرة المرورية    الأعمال المستحبة في بداية السنة الهجرية لتجديد الإيمان والرجوع إلى الله    ارتفاع أسعار النفط للأسبوع الرابع على التوالى وسط توقعات بانخفاض الطلب    الرئيس السيسي يهنئ الجاليات المصرية المسلمة بالخارج بمناسبة حلول العام الهجري الجديد    «إكسترا نيوز»: القضية الفلسطينية ودعم غزة حاضرة بقوة في مهرجان العلمين    قبل النوم.. فوائد مذهلة للجسم بعد تناول هذا المشروب ليلاً    رئيس جامعة القاهرة: وزير العدل قيمة قضائية كبيرة حصل على ثقة القيادة السياسية لكفاءته    وزير البترول يتابع ضخ الغاز لشبكة الكهرباء للانتهاء من تخفيف الأحمال قريبًا    دعاء الجمعة الأخيرة من العام الهجري.. «اللهم اغفر لنا ذنوبنا»    نص خطبة الجمعة اليوم.. «الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن عن المهاجرين»    «كاف» يوقع عقوبة مالية على صامويل إيتو بسبب اتهامات بالتلاعب    لامين يامال: لن ألعب أبدًا لريال مدريد    تامر عبدالحميد يوجه رسالة حادة لمجلس الزمالك بعد حل أزمة الرخصة الإفريقية    بايدن: لن أنسحب من السباق الرئاسي    «الدواء موجود وصرفه متأخر».. الصحة: تحقيق عاجل مع مسؤولي مستشفيات الإسكندرية    أنس جابر: كنت أبكي مع رونالدو.. وما فعله بيلينجهام أمر لا يصدق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ.د. عبد الرحمن البر يكتب: حاجتنا إلى الأخلاق

أَجْمَلَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسالته كُلَّهَا فِى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ حين قال فيما أخرجه أحمد والبخارى فى الأدب بسند صحيح: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلاَقِ» وفى رواية عند البزار والبيهقى: «مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ»، وفى رواية عند مالك فى الموطأ: «حُسْنَ الْأَخْلاَقِ».
وَقَدْ حلت قَضِيَّةُ الْأَخْلَاق مَحَلَّ الصَّدَارَةِ مِن اهتمام المفكرين والساعين لبناء النهضات والحضارات، فَهِى أَسَاسُ قِوَامِ الْأُمَمِ، وَعَامِلُ الْحِفَاظِ عَلَى بَقَائِهَا، كَمَا قال أمير الشعراء:
إِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُوا ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا
وقيل: «فى حسن الأخلاق سعة كنوز الأرزاق»، وقيل: «صفاء الأخلاق من نقاء الأعراق، وإنما تحيا الأمم بأخلاقها». ولله در القائل:
ولو أننى خُيِّرْتُ كلَّ فضيلةٍ *** ما اخترتُ غيرَ مكارمِ الأخلاقِ
ذلك أن من كرُمَتْ أخلاقه حسُن سلوكُه، وانضبطت تصرفاتُه، واتسقت مع قواعد الشرع والقانون والعرف الكريم، بغض النظر عن العقوبة التى قد يضعها القانون للمخالف؛ لأن الفطرة السليمة تجعل الإنسان يفهم الحرية فهما صحيحا، فيستنكف الحر أن يقع فى الخطأ مروءةً وإباءً قبل أن يمتنع خوفا من العقوبة، كما جاء فى رواية ابن جرير عن هند بنت عتبة عند بيعة النسوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال لهن: ﴿وَلَا يَزْنِينَ﴾، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ تَزْنِى الْحُرَّةُ؟ قَالَ: «لَا وَاللَّهِ مَا تَزْنِى الْحُرَّةُ». لا يخطر فى بالها أن الحرة الأبية ترضى أن تقع فى هذه الخطيئة، وقد جاء فى رواية سعيد بن منصور أنها قالت: «لقد كُنَّا نستحى من ذَلِك فِى الْجَاهِلِيَّة فَكيف بالإِسلام؟» وقد ورد أن عمر رضى الله عنه قال: «لو كان قلبُ نساءِ العرب على قلب هند ما زَنَت امرأةٌ قط».
ولله درُّ شاعر النيل حافظ إبراهيم إذ قال:
وإذا رُزقتَ خليقةً محمودةً *** فقد اصطفاك مُقَسِّمُ الأرزاق
وجميع الأديان إنما تدعو إلى تلك الأخلاق الفاضلة، ويؤكد كل العقلاء أن بقاء ورقى ومصير الدول والحضارات مرهون بتمسكها بالأخلاق التى شرعها الله لعباده وأمرهم بها لتكون أسباب سعادة الأمم ورقيها وبقاء حكمها ودولتها، وقد قيل:
وليس بعامرٍ بُنيانُ قومٍ *** إذا أخلاقُهم كانت خرابا
وقال حافظ إبراهيم:
إذا أُصيب القومُ فى أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا
ومما ذكره الله سبحانه وتعالى فى القرآن من صفات أهل الإيمان وأخلاقهم يُعلَم أن الأمة لا تستقيم ولا تقوم دولتها إلا بهذه الأخلاق، فإذا استقامت عليها حكاما ومحكومين كتب الله لهم النصر وأيدهم بروح منه، كما جرى لسلفنا الصالح فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم وبعده، وكما وعدهم سبحانه بذلك فى قوله عز وجل: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِى عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ (الحج: 40).
لهذا كانت التربية فى جوهرها عند الأمم الناهضة عملية أخلاقية، بل يعد كثير من رواد التعليم أن النمو الأخلاقى هو الغاية القصوى من العمل المدرسى والتعليمى كله، وأن هدف التربية هو غرس الفضيلة فى النفوس.
وقد كان الإسلام سباقا إلى تأكيد هذه المعانى مع ربط الأخلاق بالوحى؛ إذ يربى المؤمن على أن يكون مصدر خير وسعادة لنفسه وللناس من حوله، وعلى أن يكون ضاربا بسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار والنمو فى المجتمع الذى يعيش فيه، وفضلا عن آيات القرآن العظيم، التى أحصى بعض الباحثين أن ربعها يتناول الأخلاق؛ فقد كثرت كثرة بالغة الأحاديث النبوية الداعية إلى تربية النفس والأمة على الأخلاق العملية الفاضلة، ومن باب الإشارة فقط أنقل لحضراتكم ما رواه البخارى فى الأدب المفرد تحت عنوان باب حسن الخلق، بأسانيد صحيحة:
- عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ شَىْءٍ فِى الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ».
- وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا».
- وعنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَى، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا».
- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِى اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا.
وعمدة الباب فى هذا الأمر الحديث المتفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِى اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ»، وفى رواية: إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»، وفى رواية أَبِى مُوسَى رَضِى اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَى الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ؟ -وفى لفظ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَى الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلُ؟- قَالَ: «مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ، وَيَدِهِ».
إن سلامة الناس من لسان المسلم ويده هى الحد الأدنى للأخلاق التى يربى عليها الإسلام أبناءه ومعتنقيه، حتى تتآلف قلوبهم وينصرفوا إلى التعاون فيما بينهم وتفريغ طاقاتهم فيما هو نافع ومفيد لأنفسهم ولأمتهم وللدنيا من ورائهم، ولهذا كان نفع الآخرين وإدخال السرور عليهم أحب الأعمال إلى الله، فقد أخرج الطبرانى عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَى النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَى الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِى عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلَأَنْ أَمْشِى مَعَ أَخٍ فِى حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِى هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِى مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِى حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامِ»، ولا تزال الأخلاق ترتقى بالمسلم حتى تصل به إلى الإيثار، فيقدم حاجة أخيه على حاجته الماسة، ويقدم من نفسه لإخوانه ما هو فى مسيس الحاجة إليه ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
وهل تحتاج الأمم الناهضة إلى أكثر من هذا لتتجاوز أزماتها وتنطلق فى بناء مستقبلها بروح الأخوة والوحدة والتعاون، لا بروح الفرقة والتخاصم التى تدمر ولا تعمر وتهدم ولا تبنى، وتمضى بالأمة نحو السقوط، ويرحم الله أمير الشعراء إذ قال:
وَإِنَّما الأُمَمُ الأَخلاقُ ما بَقِيَت *** فَإِن تَوَلَّت مَضَوا فى إِثرِها قُدُما
وأختم ببشارة النبى صلى الله عليه وسلم «ببيت فى أعلى الجنة لمن حسَّن خلقه»، وبما أخرجه الطبرانى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَىّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَى الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْمُلْتَمِسُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ (الْعَيْبَ)». ورحم الله يحيى بن معاذ الذى قال: «حسن الخُلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات، وسوء الخُلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات».
فاصلة: الداعية لا ينسى دعوته: بعض الإخوان الذين ارتضعوا لبان الدعوة وعاشوا فى أكنافها زمنا، ثم بدا لبعضهم أن يفارقها لأسباب يراها مقنعة من وجهة نظره، نرى كثيرا منهم لا يفوت فرصة للنيل من الجماعة أو للحديث عنها بما لا يصح، وبما يتنافى مع الأخلاق التى يتربى عليها الإخوان من مراعاة سابق الوداد والعهود وحفظ الجميل والمعروف، الذى علَّمنا إياه الشافعى فى مقولته الرائعة: «الحرُّ من راعى ودادَ لحظة، وانتمى لمن أفاده ولو بلفظة»، ويعلق كثير من شباب الإخوان على انشغال إخوانهم السابقين بالشأن الإخوانى بالقول: ألستم قد تركتم الجماعة؟ إذًا فدَعُوها وشأنَها، ولا دخل لكم بها!. وأود أن ألفت نظر إخوانى إلى أن هذا تعليق غير مقبول، وكذلك استخدام الألفاظ والعبارات المسيئة لأولئك الإخوان يتنافى مع أخلاقنا التى نتواصى بها فى جماعتنا، فمن كان معلقا على شىء من ذلك فليقل خيرا أو فليصمت، وأؤكد أن كثيرا ممن فارقوا الجماعة لا تزال قلوبهم تحن إليها وإلى ليالى الإيمان والربانية التى تفيئوا ظلالها يوما ما، وأنهم إن كانوا اتخذوا ما اتخذوه من مواقف تعبيرا عن رفضهم لسلوك فرد أو مجموعة فإن أرواحهم لا يمكن إلا أن تكون متعلقة بالدعوة التى يدركون نقاءها وسلامة منهجها وشدة احتياج الدنيا إليها، ولهذا لا يملكون أن يمنعوا أنفسهم من التفاعل سلبا أو إيجابا مع كل ما يتعلق بها من مواقف وأخبار، وما سمعت أو قرأت لأحد منهم تعليقا إلا تذكرت قول الشاعر:
أمَا واعَدْتَنِى يا قلبُ أنى *** إذا ما تُبْتُ عن ليلى تتوبُ
فها أنا تائبٌ عن حُبِّ ليلى *** فما لَكَ كلما ذُكِرتْ تذوبُ
وعلى كل حال، فأبواب جماعتهم ودعوتهم مشرّعة دائمة ومفتوحة باستمرار لمن يريد أن يجدد العهد ويستأنف الود، وعلى الله قصد السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.